ارتفاع النزعة الإسلامية في سورية

ارتفاع النزعة الإسلامية في سورية

بقلم:نيكولاس بلانفورد

ترجمة: نعيم الغول

في بلد تتصاعد فيه حدة الشعور الديني المحافظ، تضرب آراء العالم الإسلامي "محمد حبش" المعتدلة وترا حساسا. ويظهر  محمد حبش في بدلته الأوروبية المخيطة من الصوف اقرب إلى الأستاذ الجامعي منه إلى الصورة التقليدية لزعيم ديني إسلامي بالعمامة والقفطان.لكن السيد محمد حبش  يقول إنه في الحقيقة ينتمي الى التقاليد الإسلامية المحافظة، وإنه تلقى تعليمه في المدارس الدينية فقط.

لكن فهمه للإسلام بعيد كل البعد عن أن يوصف بالمحافظة. فهو يروج لرؤية إصلاحية للإسلام تقبل الأفكار الغربية بما فيها الأشكال العلمانية للحكم. يقول بان الإسلام يسمح للنساء  بأن يحصلن على المستوى نفسه من التعليم كالرجال، وبالمشاركة في الحياة العامة بشكل كامل حتى كقائدات أو زعيمات دينيات وسياسيات وصاحبات أعمال تجارية. ويؤيد المقاومة السلمية  للاحتلال الذي تقوده الولايات المتحدة  للعراق. وفي موقف  يتناقض مع بعض علماء الدين  في سورية - وهي  قلب الإسلام السني - الذين شجعوا التمرد. ويرفض ما يسمى "احتكار الخلاص" وهو الاعتقاد بان الإسلام هو الدين الوحيد الصحيح.

يقول حبش مدير مركز الدراسات الإسلامية في دمشق:" علينا أن نقبل الأديان الأخرى. وعلى الإسلام أن يؤكد ما جاء قبله ( اليهودية والمسيحية) لا أن يلغيهما، كما انه ليس من الخطأ تشرب الأفكار من الغرب ومن الشرق.وقد جعلته تلك الأفكار و علماء الدين الإسلامي المحافظين في سورية على طرفي نقيض حيث يخطئ هؤلاء كل الأديان عدا الدين الإسلامي، وينظرون بعين الريبة والشك إلى الغرب.

وحتى المفتى الأعظم لسورية  الراحل احمد كفتارو الذي كان  المعلم الخاص لحبش نشر تصريحا دان فيه بعض الأفكار التي حظيت بالحماية  عندما كان حبش في غمرة حملته الانتخابية البرلمانية  في سورية عام 2003.ومع ذلك فقد انتخب حبش بأعلى عدد من الأصوات وجاء تاليا لمرشحي حزب البعث الحاكم.

يعود السبب في نمو الإسلام المحافظ في سورية جزئيا إلى رد الفعل على عقود من حكم البعثيين العلمانيين، وفرص اقتصادية بائسة. فحوالي 20% من  القوى العاملة عاطلة عن العمل ، ويرزح 20% من عدد السكان  البالغ 17 مليون نسمة تحت خط الفقر. " يقول  ميشيل يونغ  وهو محلل سياسي لبناني:"  في  جميع أرجاء العالم العربي يبدو أن النزعة الإسلامية الراديكالية كانت نتيجة لعدد من العوامل منها فشل القومية العربية العلمانية، وفشل الدول وربما أهم من كل ذلك فشل التنمية الاقتصادية". وحسب قول الخبراء  أدى العنف المتبادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والسياسات الأمريكية في الشرق الأوسط إلى زيادة تطرف المسلمين. كما إن المسلمين آثارهم انتشار تأثير الأفكار الغربية مثل العولمة والعلمانية التي تهدد بتهميش الإسلام كما يقول صادق العظم وهو  أستاذ فلسفة سوري  يدرس في هولندة.

ويقول :"يعتقد الأصوليون أن هذه هي المواجهة الحاسمة والأخيرة . و إذا استمر تحديث الدول على هذه الشاكلة، ما الذي يمنع الإسلام في نهاية المطاف من أن يصبح في الواقع الفعلي مثل المسيحية في أوروبا؟ انهم يشعرون بأنهم إن لم يقفوا الآن ويحسموا الأمر فلن يكون بوسعهم عمل شيء بعدها."

 ويأتي الجدل الداخلي الدائر بين المسلمين في سوريا  وسط مؤشرات على أن نظام البعث يخلع عنه ببطء إهاب العلمانية مع تنامي نفوذ الإسلام " الحكومة ماضية في طريقها للتخلي عن العلمانية." يقول الشيخ وهبي الزحيلي وهو عالم دين محافظ "لقد رفعوا هذا الشعار [في الماضي] فقط من اجل إقامة الوحدة الوطنية.. لكن العلمانية لم تحظ بقبول السوريين لأننا شديدو التدين."

في عام 1982 قمعت الحكومة السورية تمردا قاده الأخوان المسلمون وهو تنظيم إسلامي سني كان وراء موجة من الاغتيالات والتفجيرات ضد مسؤولي البعث في أواخر السبعينيات من القرن الماضي.

وقد استبدل التوجه الصِداميّ الذي حَبّذه الإسلاميون قبل عقدين من الزمان باستراتيجية "غرامشية" لطيفة حسبما يقول الدكتور العظم مشيرا إلى الشيوعي الإيطالي انطونيو غرامشي الذي دعا إلى إسقاط الرأسمالية من خلال التسلل إلى المؤسسات وتخللها بدلا من الهجوم المباشر.

وفي الحقيقة يقول بعض المحللين إن اختراق الإسلاميين للدولة يجري بهدوء وخلسة. وأشاروا إلى اعتقال نبيل فياض في تشرين الأول الماضي، وهو مثقف كتب عن النفوذ المتزايد للإسلاميين في سورية. ويقال بان اعتقاله من قبل المخابرات السورية واحتجازه شهرا جاء بناء على إلحاح من العناصر الإسلامية في الحكومة.

" الإسلاميون ينتشرون مثل النار في الهشيم." يقول أحد النشطاء في مجال حقوق الإنسان في سورية طلب عدم ذكر اسمه. "الناس يرفضون أيديولوجية حزب البعث ولكنهم لا يرفضون الإسلام."

وقد أثار ذلك بعض المخاوف بين السوريين من أن تكثيف واشنطن لضغوطها على دمشق بخصوص مدى  واسع من القضايا- ومن بينها العراق والإرهاب- هو جزء من خطة أمريكية لإزاحة البعث عن السلطة. ومع الأخذ بالاعتبار عدم وجود أية معارضة علمانية منظمة، فقد يؤدي تغيير النظام -كما يقول كثير من السوريين- إلى تمهيد الطريق أمام وصول الإسلاميين إلى الحكم.

تهيمن الطائفة العلوية على النظام الحالي، وهي طائفة إسلامية تمثل أقلية في سورية وتعتبر من منظور السنيين المتطرفين  من الفرق المرتدة عن الإسلام. ويقول بعض المحللين إن العلويين يرون أن السنيين هم "أعداؤهم الاستراتيجيون" " يقول بعض العلويين في خلواتهم إنهم في نهاية المطاف متفقون مع الأمريكان على خطر الإرهاب الإسلامي، وان أسوأ ما يمكن أن يحدث هو انتصار إسلامي على الأمريكيين لأنه سيزيد من جرأة الإسلاميين هنا" حسب قول محلل سياسي سوري طلب عدم الكشف عن اسمه. 

    ويقول حبش إن السياسات الأمريكية في العراق والشرق الأوسط ساعدت على زيادة لهيب التطرف الإسلامي، وأضعفت محاولاته صياغة التفهم. ويقول " صدقني، إننا نعاني الكثير هنا لكوننا أصدقاء للغرب."

في الشهر الماضي رُفِض طلب لحبش بدخول الولايات المتحدة بالرغم من حصوله على تأشيرة سارية المفعول من السفارة الأمريكية في دمشق. فقد ابلغ عند وصوله إلى واشنطن انه وفقا لأنظمة جديدة  يتعين على السوريين جميعهم الحصول على إذن لزيارة الولايات المتحدة من وزير الخارجية.  وقول :" الأمريكيون لا  يميزون بين المحافظين (الإسلاميين)وطريق التجديد (المعتدلين ) الذي امشي فيه. للأسف انهم يعاملوننا جميعا بالمعاملة نفسها كما لو كنا جميعا اتباعا لأسامة بن لادن."