موجة تَديُّن تدق ناقوسَ الخطر للعلمانيين السوريين

موجة تَديُّن تدق ناقوسَ الخطر للعلمانيين السوريين

النفوذ الإسلامي بين الشباب المُحبط يتحدى الحكومات في أنحاء الشرق الأوسط

بقلم:سكوت ويلسون

الخدمات الخارجية لصحيفة الواشنطن بوست

الأحد 23 كانون الثاني 2005 ص 21 أ

ترجمة:نعيم الغول

يكتسح سوريا انبعاثً دينيً يتحدى حزبَ البعث العلماني كي يفسح المجال للمزيد من التأثير الإسلامي في الحكم،ويثير الخوف لدى الكثير من السوريين الذين تغذت عقولهم في المدارس على الخوف من الإسلام السياسي. ويمكن النظر إلى الشعور الديني المتزايد عبر المشهد العام في سورية من انتشار غطاء الرأس (الحجاب) الذي ترتديه الشابات في دمشق إلى تشييد مسجد هائل مُمَوَّل من القطاع الأهلي على وشك اكتمال البناء في قلب مدينة حلب ثاني أكبر المدن السورية . وفي هذه الأثناء يزداد " رجال الدين" المسلمين جرأة في المطالبة بإصلاحات ديمقراطية سياسية من شانها أن تمنحهم دورا اكبر في الحكم. وقد بدأ بعض المثقفين العلمانيين السوريين وبعض المنتمين إلى الطبقة الوسطى مدفوعين بالخوف من هذه النزعة بالكتابة ورص الصفوف في مواجهتها.

ومن هذا المنزل القابع في منطقة شاهقة في الناصرية البلدة التي تبعد 35 ميلا شمال شرقي مدينة دمشق اتهم نبيل فياض، وهو كاتب علماني الحكومة في مقال نشر في شهر أيلول الماضي بتليين موقفها من الحركة الإسلامية منافستها الرئيسة على السلطة والتي تتزايد شعبيتها وسط ضغوط تمارسها الولايات المتحدة من اجل إدخال إصلاحات.

يقول فياض البالغ من العمر 49 عاما و هو رجل نحيف الجسم تلمح فيه نزقا وهو سني مسلم اعتقله أفراد من الشرطة السورية، واحتجز مدة شهر وذلك بعد وقت قصير من ظهور مقال له في صحيفة كويتية يكتب فيها بصورة متكررة يقول:" انه تعاون مؤقت. في هذه الأيام ما يزال عدوهم هو نفسه : انه الولايات المتحدة، ولكن حالما يرحل الجنود الأمريكيون عن العراق، ما الذي سيحدث لنا؟"

إن النفوذ الإسلامي المتنامي يشكل تحديا للحكومات في أنحاء الشرق الأوسط حتى تلك آلتي قامت على المبادئ الإسلامية وذلك بسبب ازدياد حدة وكثافة الشعور الديني بين صفوف الشباب والناس المحبطين. ولطالما كان حزب البعث وهو حركة قومية عربية مع الإسلاميين على طرفي نقيض لما يزيد على 35 عاما.

جاء انقلاب عسكري عام 1970 بزمرة من الضباط إلى السلطة بقيادة حافظ الأسد ينتمون إلى الطائفة العلوية وهي جماعة إسلامية شيعية سرية تشكل 10% من السوريين البالغ عددهم 18 مليون نسمة. و كثير من المسلمين السنيين الذي تزيد نسبتهم إلى إجمالي عدد السكان على 70% لا يعتبرون العلويين مسلمين حقيقيين. وكانت شرعية حافظ الأسد على الدوام موضع شك بين الإسلاميين السوريين. وفي أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات انقضت حكومة الأسد على حركة ميليشيا سورية فقتلت عشرات الألوف من المدنيين.

ولكن بعض كبار المسؤولين السوريين يقترح الآن الإقرار بالإسلام من اجل تدعيم شعبية الحزب الآخذة في التدهور بين شباب البلد. وقد كشفت هذه المقترحات عن تصدعات داخل الإدارة التي مضى عليها أربع سنوات ونصف لابن حافظ الأسد وخليفته الرئيس بشار الأسد الذي يحاول الحد من الدور الحاسم للحزب في تشكيل السياسة الاقتصادية والسياسية.

وقال وزير الإعلام السوري مهدي دخل الله عضو حزب البعث والذي كان أحد أعلى الأصوات المؤيدة لتقليص حجم الحزب ونفوذه و إجراء إصلاحات اعمق "إن الموقف الأساسي لحزب البعث علماني بحت وضد تدخل الدين.و قد يكون بعض الأعضاء من حزب البعث قد اجروا تحالفات كهذه ولكن ليست هذه هي الفكرة السائدة داخل حزب البعث أو بين مسؤولي الحكومة السورية."

ومنذ حكم حزب البعث السوري عام 1963 تأرجحت الحركات الإسلامية بين العسكرة والاعتدال وبعد سنوات من الهدوء قامت مجموعة صغيرة من الميليشيا الإسلامية- وبعضهم من اللاجئين القادمين من مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل- بإطلاق النار على بناية خاوية للأمم المتحدة في أحد الأحياء الدمشقية الثرية في نيسان الماضي. وكان الهجوم الاستعراضي الذي وصفه دخل الله بأنه " أحد إفرازات الأصولية" قد أدى إلى مقتل شخصين، وقد حكم على الرجلين اللذين اعتقلا بالإعدام.

يخطب الشيخ صلاح كفتارو وهو رجل دين سني وابن المفتي الاعظم لسورية الشيخ الراحل احمد كفتارو في 10 آلاف شخص يجتمعون كل جمعة في مسجد أبي النور في دمشق. ويدير الشيخ كفتارو اكبر مؤسسة إسلامية تعليمية وخيرية وقد قفز عدد منتسبيها من الطلاب من خمسة آلاف إلى سبعة آلاف طالب.

وقال كفتارو البالغ من العمر 47 عاما وهو رجل ضخم الجثة حسنٌ سمتُه يفضل ارتداء البذلة الأوروبية وربطة العنق في حياته اليومية على ارتداء ملابس رجال الدين التقليدية:" لا علاقة للنهوض الذي نشهده بأحداث الحادي عشر من أيلول، ولكنه يعزى إلى الفشل الكامل للحكومات العلمانية العربية. لقد اضطر هذا شبابَنا إلى البحث عن بدائل." وأقر كفتارو انه قبل سنوات معدودة كان مثل ما تفوه به قمينا بجلب رجال الشرطة السورية إلى مكتبه الفسيح في مقر مؤسسته الذي يتلألا بالرخام. ولكنه غدا في الأشهر القليلة الماضية اكثر علنية في دعوته إلى "ديمقراطية إسلامية" في سوريا تحذو حذو النظام في جارتها تركيا.

أما جماعة الإخوان المسلمين وهي الجماعة التي كانت خلف انتفاضة عام 1982 في مدينة حماة، والتي قُمعت بوحشية على يد القوات السورية، فقد ناشدت بمنح العفو لأعضائها المسجونين.وقد رفضت الحكومة السورية الطلب، ولكنها وافقت على مراجعة بعض الحالات الفردية. وقد أطلق سراح المئات من السجناء ممن اعتقل غالبيتهم لعلاقة مزعومة بالحركات الإسلامية حسب قول أحد الديبلوماسيين الغربيين.

إضافة إلى ذلك يقول كفتارو وآخرون إن رجال الدين لديهم كثير من الاستحقاقات لمناقشة السياسات في المساجد رغم أن القانون غير المكتوب يقضي بان يقتصر النقد على الولايات المتحدة وإسرائيل.

وقال صادق العظم وهو كاتب سوري بارز طالما كتب منتقدا القومية العربية والإسلام السياسي لعقود طويلة:" إن مما هو حتمي أن الدين سيمارس تأثيرا اكبر هنا مع تزايد الضغوط على الحكومة لإجراء إصلاحات اكبر في الاقتصاد الراكد والمؤسسات السياسية المغلقة. ولكن الأوساط الإسلامية منقسمة ما بين آراء تتراوح بين إسلام عسكري إلى إسلام مصلحي (قابل للتعاطي معه على طريقة رجال الأعمال) والذي يأخذ بالاعتبار حقوق الأقليات الدينية.

و قال العظم :" إنها مرحلة من التطور لا بد لسورية أن تمر بها. لكن السؤال هو: ما الدور الذي ستلعبه؟"

تقول اللواتي يرتدين الحجاب :" إن الانتشار الواسع للحجاب حتى في الأحياء التي يقطنها من هم في أعلى درجات السلم الاجتماعي من دمشق لهو علامة على التقوى واحتجاج صامت ضد العلويين القابعين في السلطة."

وتعرض المحلات الآن على طول أزقة البلدة القديمة رؤوس دمى عرض الملابس وقد لفت بأوشحة( أو أغطية راس) إلى جانب ملابس داخلية نسائية فاضحة.

"عندما أرى كل هذه الرموز ، أرى أن الناس قد رموا وراء ظهورهم التعليم والعلم والتقدم." هذا ما قالته غادة الدسوقي البالغة من العمر 53 والتي تستضيف مع صديقة لها اجتماعات نادرة خاصة بالنساء فقط وتقدم تفسيرا انتقائيا للإسلام. وتتابع " إنني اشعر بالرعب هنا لأننا في الوقت الذي نقلق أنفسنا حول ما إذا وجب على المرأة أن تكشف أصابع قدميها يجوب الأمريكيون أعماق الفضاء. فما ابعد الشقة بيننا وبينهم."

وقالت رحاب كُزبَري البالغة من العمر ستين عاما والحاصلة على إجازة في الاقتصاد من جامعة دمشق إنها ترتدي الحجاب منذ عقدين . ومنذ أيام غطت رأسها بإحكام بوشاح وردي بهيج ذي جدلات رمادية اللون، ولم تعد تلبس ذلك الوشاح الأسود المحافظ الذي فضلت لبسه لسنوات عديدة وما تلبسه الآن هو الأكثر شيوعا وانتشارا هذه الأيام في الشوارع وأضافت : " انه مجرد رمز و لا يحتل جزءا مركزيا من قناعاتي الدينية. عندما أرى جميع أغطية الرأس اليوم فإنها تطرح علامة استفهام كبرى بالنسبة لي عما يجري؟"

هنا في الناصرية البلدة التي يبلغ عدد سكانها سبعة آلاف نسمة، و تقبع على سهل مرتفع تحف به تلال جرداء، وتصطف فيها ممرات ضيقة ملتوية، وبيوت منخفضة السقوف من الطين والأسمنت ينساب في حنايا البيت البارد لفياض الكاتب الذي حبس العام الماضي.

فياض حاصل على شهادتين في الصيدلة واللاهوت، وقد نشر كتبا تراوحت مواضيعها ما بين دراسة عن الشاعر الأمريكي عزرا باوند إلى دارسي الدين الألمان. ولكن صيته ذاع قبل عقد حين تحدى " رجل دين" سني محافظ هو الشيخ محمد سعيد البوطي الذي كان يطلع على الناس عبر برنامج ديني أسبوعي يبثه التلفزيون السوري. وقد تم منع عمل فياض لمدة تزيد على عشر سنوات في سوريا.

في مقاله الذي نشره في أيلول الماضي انتقد فياض النائب الأول للرئيس السوري عبد الحليم خدام وذلك لاقتراحه بان تقوم الأحزاب القومية العربية بربط نفسها بالمعتقدات الإسلامية لتحسين مكانتها السياسية، واتبع فياض سهامه بنقد وجهه ضد احمد حسن الذي أمضى مدة طويلة سفيرا لسورية لدى إيران واصفا إياه "بالأصولي". وقد اعتقلت الشرطة السرية فياض في صيدليته بعد أسبوع، واقتادته إلى سجن في وسط مدينة دمشق.

وقد هبط ضغط دمه إلى مستويات مثيرة للقلق؛ فقضى جزء كبيرا من مدة الاثنين وثلاثين يوما من حبسه في مستشفى في ضواحي العاصمة. وبالرغم من اعتقاله إلا انه وخلال الوقت الذي قضاه في السجن ظهر تأثير كتاباته الصحفية، فقد تم استبدال احمد حسن في تعديل وزاري، وعندما افرج عن فياض دعاه وزير الإعلام الجديد مهدي دخل الله لتناول طعام الغداء معه حيث قال له دخل الله بأنه يعتبره تلميذا لأفكاره. لكن فياض لم يكتب من ذلك الحين.

أغطية الرأس" كذلك الذي ترتديه امرأة في المدينة القديمة من دمشق انتشرت كرمز للتقوى والاحتجاج ضد الحكومة السورية."

تصوير سكوت ويلسون – الواشنطن بوست