اعتبروا يا سلاطين العرب, وإلا ...

اعتبروا يا سلاطين العرب, وإلا ...

د.جابر قميحة*

[email protected]

تسألني: هل سقطت بغداد? فأجيب - وفي جعبتي بعض التحفظات -: نعم سقطت بغداد .. بغداد الأرض والنهر والقصور ومعسكرات الجيش, ودواوين الحكومة. نعم سقطت بغداد بهذا المفهوم تحت أقدام الاحتلال الأمريكي الباغي, ولكنا معها - بل قبلها- سقطت عواصم و«مساحات» من دول عربية أخري بإرادة «سلاطينها» ورضاهم.
فالاحتلالان متفقان في الظاهر المشهود, ومتعارضان في صورة الوقوع, فواحد تم بالرضا والاختيار, والثاني وقع بالقهر والإجبار, ولولا الأول ما تحقق الثاني, ولا حول ولا قولة إلا بالله.
وفي هذا السياق المؤسف علينا أن نقر بأن أغلب دول الشرق العربي يعيش تحت أسر الأيديولوجيات الوافدة, ثم الهيمنة الأمريكية, والتسلط الصهيوني صورة منها.
وأقول إن الأرض تخضع لمنطق «الكر والفر» والانبساط والانكماش, والفقد والاسترداد. ومن ثم أقول - ونصب عيني هذه الحقيقة - سلٍ نفسك : هل سقط في بغداد والعراق «الإنسان» أعني الشخصية العراقية? إن ذلك لا يكون إلا بتحقق «قبول العراقي الأصيل» للاحتلال الأمريكي الجديد. لو تحقق هذا لقلنا إن بغداد قد سقطت.
قال صاحبي: إذن سقطت بغداد سقوطًا لا ينكره اثنان لأن «القابلية» و«القبول», قد تجسدا في مظاهر متعددة أهمها الثلاثة الآتية:
1-
الترحيب بالجنود الأمريكان, والفرحة التي ظهرت علي وجوه أهل بغداد, والمدن المفتوحة التي زحفت إليها القوات الأمريكية والبريطانية,,.  وخصوصا فى الاسابيع الاولى من الاحتلال .
2-
تحطيم تماثيل صدام, وحرق صوره, وضربها بالأحذية.
3-
هجوم الشعب علي قصور صدام وأبنائه, وأقاربه ورجاله, ومباني الوزارات, والمصالح الحكومية والسطو علي ما فيها, وحرق بعضها.
ألا تدل كل هذه المظاهر علي قبول الاحتلال الجديد, ورفض صدام وحكم صدام?
الخلط .. والمساحة الضيقة
اكتشفت - بسهولة - أن صاحبي يتحرك في مساحة منظورة ضيقة, بل إنه لا يكاد يري أبعد من أنفه. وأقول هنا خلٍط يا صاحبي بين «رفض» و«قبول» .. رفض صدام وحكمه, وقبول الاستعمار الأمريكي الباغي, ولا تلازم نفسيًا بينهما. إنها فرحة الشعب العراقي الأصيل بالتخلص من الدكتاتور صدام وحوارييه. وكل عربي - أتاه الله أثارة من عقل وشعور بالولاء للحق والوطن - يرفض هذا النمط من الحكم الدكتاتوري الذي تعاني منه كل الشعوب العربية, وإن اختلف في الدرجة والأسلوب والتشكيل.
فغالبية الشعب العراقي عاشت ترفض حكم صدام والبعث. والرفض جاء صريحًا ممن تمكنوا من الهرب إلي الخارج, وعاش الرفض كامنًا في قلوب شعب لا يملك وسيلة الخلاص, وإن قامت محاولات من بعض أبنائه قُمعت ببطش شديد. وعاش الطاغية أسير وهم غريب هو حب الشعب له, وأنه «يفديه بالروح والدم ..» !!. ونظر للشعب علي أنه «البعث» , وسمعنا عن فدائيي صدام, وولاء الحرس الجمهوري لقائده الأعلي, وذاب كل أولئك في أيام» لأن مثل هذا الولاء للأشخاص يقوم علي مبدأ «النفعية», لا علي الإيمان واليقين, وحب الوطن والقيم العليا. ومن ناحية الكم ثبت أن حزب البعث لا يمثل إلا أقلية من الشعب العراقي, وإن كانت أقلية لها الجاه, والحكم, والنفوذ والسلطان.
أما الشعب العراقي الأصيل فأعلن صراحة -وما زال يعلن - أنه يرفض الاستعمار الجديد بشدة, وقوة, كما أن المقاومة ما زالت قائمة, ومنها العمليات الاستشهادية الأخيرة, علي يد نساء ورجال باعوا أنفسهم لله.
لصوص في كل العصور
والذين نهبوا وسرقوا هم جماعات من الرعاع والمجرمين والسوقة لا يمثلون الشعب العراقي, ولا يعبرون عن عقيدة دينية أو سياسية, فالذي يجمعهم هدف واحد هو النهب والسلب, بصرف النظر عن مصدر المسروقات, وإلا فما ذنب جامعة الموصل التي نهبوها, ومما نهبوه مكتبة قسم اللغة الإنجليزية, والنوافذ والأبواب.
إنهم صورة قذرة لفئة لها وجودها في كل عصر إذا توافر «ظرف النكبة».. رأيناهم ينهبون بيت ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه بعد استشهاده. ورأيناهم ينهبون الإسكندرية عندما ضربها الإنجليز بأسطولهم سنة 1881. ورأيناهم ينهبون بورسعيد عندما ضربها الإنجليز سنة 1956. ورأيناهم ينهبون صنعاء بعد قمع أحمد بن يحيي لثورة ابن الوزير سنة 1955.
إنها فئات لا تهز أصالة هذه الشعوب, وإن ألحقت بالوطن الخسارات الفادحة. علي أن المسئولية الكبري تقع - في المقام الأول - علي القوات الغازية التي كانت تستطيع ببعض الطلقات في الهواء - أقول في الهواء - أن تفرق هؤلاء الأوغاد, ولكننا للأسف كنا نشهد الجنود الأمريكان والبشٍر يفيض من وجوههم, وكأنهم يحرسون هؤلاء اللصوص. ولا عجب فهؤلاء يعيدون صورة أجدادهم القدامي, ومن شابه جده فما ظلم.
فالتاريخ ينقل لنا أن «كريستوفر كولومبوس» بعد أن اكتشف أمريكا سنة 1492 كان الرواد الأوائل الذين نزلوا بها, واستغلوها جماعات من المنبوذين والمجرمين والمغامرين والهاربين من أحكام بالإعدام والسجن .. وعاشوا في صراع وحروب داخلية من أجل الثروة والاستغلال مما لا يتسع المقام لذكره.
اعتبروا يا أصحاب الكراسي
قلت -وكم كررت القول - إن الدكتاتورية هي السمة المشتركة بين حكام العرب. وهو منهج في الحكم أصبحت كثير من دول العالم الثالث ترفضه بقوة: كالسنغال, وكينيا, وجنوب أفريقيا, ولكن بقينا - نحن العرب - نعيش وأعناقنا تحت سيوف الحكام ونراهم:
دعَوٍا باطلاً, وجلَوٍا صارمًا
وقالوا صدقٍنا? فقلنا نعم
فماذا تنتظرون يا أصحاب الكراسي? أتنتظرون احتلالاً عسكريا أمريكيًا حقيقيًا بدعوي فرض حكم ديمقراطي خال من الغش والتزوير, والاستغلال, والظلم, وإخراس الألسنة والأقلام? يا أصحاب الكراسي: هناك مثل بالعامية المصرية نصه «اللي حتعمله جَبرأحسن لك اعمله جودة»,. وترجمته إلي العربية الفصحي «إذا كان هناك عمل طيب سيفرض عليك القيام به, فمن الأفضل أن تبادر وتؤديه من تلقاء نفسك», وأقترب من التعميم إلي التخصيص فأقول: عندما وافق مجلس الشعب علي تمديد «العمل بقانون الطوارئ» حملت إلينا وكالات الأنباء خبرًا مؤداه أن حكومة الولايات المتحدة تنظر بعين القلق لتجديد مصر للعمل بقانون الطوارئ. فماذا نحن فاعلون لو تحولت هذه النظرة الأمريكية إلي «طلب بالصوت العالي» وإلا ...?? أعتقد أن الإيجاز فيه الكفاية.
وأقول - يا أصحاب الكراسي - إن «صدام وعصابته» سقطوا - لا بسبب الأسلحة الأمريكية - ولكن لأنه - كما يقول العرب - لم يُدٍفئ ظهره بالرجال. أي لم يعش الشعب, ولم يعشه الشعب, فخدع نفسه بمظاهر الخضوع التي يبديها الشعب, وأعتقد أن الخوف مرادف الإخلاص.. وأن الهاتفين «بالروح والدم نفديك يا صدام» يعبرون عن عقيدة صادقة, وحب مكين.. فلما جد الجد هرب من هرب, واستسلم أعلي الهاتفين صوتًا, ولم ينتحر الأمريكان علي أسوار بغداد أو تكريت {ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا) [الكهف: 43].
وأقول - يا أصحاب الكراسي - عودوا إلي شعوبكم, وأعيدوا الحقوق إلي نصابها, واقرءوا التاريخ ونُصٍب عيونكم مصير هتلر, وموسوليني, وشاوسيسكو, وصدام حسين, والعاقل من اتعظ بغيره, لا من غفل حتي يكون عظة لغيره, وإلا , فارحلوا.. وسلموا السلطة للشعوب فهي مصدر السلطات..
واحد من هؤلاء
وأعجب في ليلنا هذا لواحد من هؤلاء, يقال إن زرع شعره كلفه 28 ألف دولار, رأيته واراه فىمقابلات رسمية وشبه رسمية , والسعادة تكاد تتفجر من عينيه في ليلنا هذا المكروب. وأنا أتحدي أي إنسان أن يحصي عدد ملابسه الغريبة. وأعتقد أنها لو جُمعت لاحتاجت لمعرض يشغل مبني من عشرين طابقًا, وهو يصرح في زهو واعتزاز بأنه هو الذي يقترح علي «الترزية» أشكال ملابسه وألوانها, ومنحنياتها, وأغوارها وكهوفها. ولٍنلٍق نظرة علي بعض «موضاته» ولنبدأ بالرأس, فمرة يظهر عاري الرأس, ومرة يدخل رأسه «المزروع» في طاقية «مقوّاه» كسلطانية الشربة المستديرة. ومرة طاقية في شكل القارب, ومرة طربوش مغربي (بلا زر) ومرة عمامة بيضاء أو رمادية, ومرة عمامة تمضي إلي الذقن لتغطي النصف الأسفل من الوجه كقبائل الطوارق, ومرة قبعة كرعاة البقر... إلخ.
أما الثياب فأبسطها «بدلة زرقاء» تذكرني بموزعي أنابيب البوتاجاز في مصر .. ومرة ثوب أبيض أو بني أو أخضر أو أصفر بقلابة كبيرة مطروحة علي الظهر, وفوق الثوب ما يشبه الروب أو العباءة, وحول العنق أحيانًا شال, أو تلفيعة كبيرة ينسدل طرفاها علي ...... ومرة ... ومرة .. وكل ثوب من هذه الثياب له لمعة تعكس الضوء. وكل ثوب - بكل أجزائه - يمكن أن يصنع منه خيمة تتسع لخمسة أشخاص.
وألوان الثياب لا تقل غرابة... فمنها ألوان الطيف السبعة, والباقي ألوان «مزجية» من عدة ألوان..
أما النظارات .. فمرة نظارة شمسية ذات عدسات سوداء صغيرة جدًا كالتي يستعملها المراهقون, ومرة نظارات تدريجية الظلال.. ومرة نظارة فاتحة.. ومرة بلا نظارة .. ومرة...
وأقول لهذا الزعيم: لقد كان عمر بن الخطاب - بمرقعته - أي ثوبه المرقع - يرهب كسري وقيصر. وأنت بهذه «المدينة من الملابس» من أرهبت? وماذا حققت? ..ولكنى اقولها بحق ..برافو يا قائد ..يا فيلسوف ..انك – بعد ركوعك وسجودك واستسلامك المطلق لامريكا والغرب – دخلت التاريخ من احقر ابوابه..واحطها . فتذكر مصارع الطغاة ..يا قائد ..يا ..يا ... فيلسوف 0 .

* أكاديمي وشاعر مصري كبير