بعد أربعين سنة تذكر عبد الحليم خدام أن هناك شعبا في سورية!
بعد أربعين سنة تذكر عبد الحليم خدام
أن هناك شعبا في سورية!
أمير أوغلو / الدانمارك
ما أحلاك يا أمريكا , ما أحلاك يا ضغوط , ما أحلاك يا خوف , ما أحلاك ياأيها الكرسي المهتز , لقد استطعت إنطاق الجماد وتحريك الأحاسيس في الأموات .
عبد الحليم الخدام أقدم سياسي في سوريا والذي تقلب في كل المناصب وباع نفسه بعرض من الدنيا قليل , صحا فجأة صحوة الموت وتذكر الشعب السوري الذي سامه الذل والخسف والقمع والاضطهاد لمدة أربعين سنة كاملة , فوقف في قطر يقول : لقد ظلمت الحكومات العربية شعوبها .....!
تصوروا أيها الناس أن خدام يتكلم عن ظلم الحكومات لشعوبها ! لماذا لا تتنحى هذه الحكومات إذا وتسمح لشعوبها أن تحاسبها على ظلمها وعلى قهرها وعلى إذلالها ؟
"خدام تحدث في محاضرة بعنوان "الوضع السياسي العربي" نظمتها جامعة قطر يوم 6-12-2004 , وحضرها وزير الخارجية العراقي السابق ناجي الحديثي الاستاذ في جامعة قطر وعدد من اساتذة الجامعة وطلاب وديبلوماسيون ومواطنون قطريون. ووجه نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام انتقادات شديدة الى "النظام السياسي العربي الذي لم يعط الشعوب حقها في صنع مستقبلها مما أوجد حالة تعسف في السلطة ضد أفراد وجماعات"
هل كان خدام يقصد بالتعسف في السلطة ضد أفراد وجماعات , القانون 49 الذي يقضي بإعدام كل من ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين في سورية مثلا ؟ هل كان يقصد بعدم إعطاء الشعوب حقها في صنع مستقبلها , تسلط الحزب الواحد, والجماعة الواحدة داخل الحزب الواحد, والعصابة الواحدة داخل الجماعة الواحدة في الحزب الواحد, في سورية البعث سورية الأسد والتي اختزلها خدام وصحبه برجل واحد وعائلة واحدة . هل كان يقصد مثلا إختزال الأمة في فرد ملهم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؟
" وكان خدام استهل المحاضرة مشيراً الى أسباب ونتائج الوضع العربي الراهن لافتاً الى عدد من العوامل الداخلية بينها الفساد ومناهج التعليم وطبيعة النظام السياسي وزيادة حالة التفسخ والخوف الموروث لدى المواطن العربي من الحاكم ومن الآخر, والجمود في الفكر والعقل ونمو حالة انهزامية في العقل العربي وضعف قضية التنمية وانتشار الفقر والبطالة" .
تصوروا أيها الناس أن خدام يتكلم عن الفساد , ألم يوجد بين الحاضرين من يسأله عن أمواله وأموال أولاده وشركاتهم المتعددة الجنسيات والتي انطلقت من سوريا الثورة ؟ ألم يوجد بين الحاضرين من يسأله عن بيته القديم في دمشق وكيف تحول إلى قصور وأموال لا تأكلها النيران ؟ ألم يوجد من يسأله كيف صار مع أولاده شركاء في كل المشاريع في سوريا ؟ ألم يوجد من يسأله عن الوكالات الحصرية التي يمتلكها في سورية ؟ عن السيارات التي يركبها في زمن منع الإستيراد وفي زمن السماح بالإستيراد ؟ عن الأراضي التي يمتلكها مع عائلته ؟ عن أمواله كلها في البنوك الأجنبية والحسابات السرية ؟ عن تسعيرة بيع الجولان ؟ وتسعيرة بيع لواء اسكندرون ؟ وتسعيرة تسليم أوجلان لتركيا ؟ وتسعيرة الحدود الآمنة مع إسرائيل ؟ وتسعيرة تسليم الملفات الأمنية لآمريكا ؟ وتسعيرة المشاركة في حرب الخليج الأولى ؟ وتسعيرة البلابل والقلاقل التي تثيرها المخابرات السورية ضد الأنظمة العربية ؟ عن تسعيرة النفط السوري وأين تذهب أمواله ؟ عن تسعيرة شركات أبناء المسؤولين التي تؤسس في سورية ولا يسمح بالإستيراد إلا من خلالها ؟ عن تسعيرة ذبح الفلسطينيين في لبنان ؟ عن تسعيرة القضاء على أهل السنة في مناطق طرابلس لبنان ؟ عن تسعيرة مذبحة تل الزعتر ؟ عن تسعيرة دخول لبنان وقمع الديمقراطية فيه ؟
تصوروا أيها الناس أن خدام يتكلم عن طبيعة النظام السياسي في العالم العربي وعن الخوف الموروث لدى المواطن من الحاكم ! ألم يوجد بين الحاضرين من يسأله عن سجن تدمر ؟ ألم يوجد من يسأله عن أقبية فروع المخابرات السورية البالغ عددها أربعة عشر جهازا يحكم كل واحد منها بما يشاء على المواطن التعيس ؟ ألم يوجد من يسأله عن المختفين من أبناء ونساء سورية منذ أن استلم مع سيده الحكم عام 1970 من خلال الحركة التصحيحية التي صححت مفاهيم المواطن عن الحكم والديمقراطية والخوف والتعذيب والقتل والتشريد ؟ ألم يوجد بين الحضور من يسأله عن النساء الحوامل اللواتي وضعن أطفالهن في السجون السورية واللواتي أخذن كرهائن عن إخوانهن أو آبائهن ؟ ألم يوجد من يسأله عن قتلى سجن تدمر ؟ ألم يوجد من يسأله عن السجناء السياسيين الذين أطلق سراحهم مؤخرا بعد أن سمعنا آلاف المرات منه ومن غيره أنه لا يوجد سجناء سياسيين في سورية العدل وسورية المحبة وسورية الحرية وسورية الإشتراكية ؟
تصوروا أيها الناس أن خدام وما أدراك من خدام , يتكلم عن ضعف قضية التنمية وانتشار الفقر والبطالة ! عجبي والله لهؤلاء المستمعين في القاعة للمحاضرة ألم يصابوا بالغثيان والدوار ؟ ألم يشعروا بالرغبة في أن يتقيأوا كل ما في بطونهم وعقولهم على هذا المحاضر الجليل ؟ ألم يستطع واحد منهم أن يقف ويسأل خدام : كم يبلغ دخل المواطن السوري الذي لا يعمل عندك أو عند أحد أبنائك أو عند أحد المسؤولين في سورية ؟ ألم يستطع واحد منهم أن يقف ويسأل خدام : كم أسرة في سورية تعيش تحت خط الفقر بعد أن حكمتها أنت وعصابتك أربعين سنة كاملة ؟ وكيف كان حال المواطن السوري قبل حزب البعص العظيم وكيف صار بعده ؟ ألم يسأله أحد ماذا حققتم في مجال الحرية والوحدة والإشتراكية في سورية منذ أربعين سنة حتى الآن ؟ ألم يسأله أحد لماذا لا تستقيل يا سيادة الوزير المبجل وتترك المجال لهذا الشعب التعيس أن يعيش حياة أخرى غير التي عاشها تحت ظل سياستك العظيمة ؟ ألم يسأله أحد من هي آخر دولة في العالم سمحت بإدخال الفاكس ؟ من هي آخر دولة في العالم سمحت بدخول الإنترنيت ؟ من هي الدولة التي يكلفها حجب مواقع الإنترنيت مليون دولار ؟ من هي الدولة التي تراقب البريد الإلكتروني لكل مواطنيها ؟ من هي الدولة الوحيدة في العالم التي في سجونها يقبع سجناء الإنترنيت (لمن لايعرف سجناء الإنترنيت في سوريا هم طلاب دخلوا مواقع سياسية ونقلوا منها مقالات تتعلق بالسياسة السورية فحكمت عليهم حكومة الخدام بالسجن لمدة ثلاث سنوات) ؟ من هي الدولة التي يحتاج فيها المواطن لإجازة استيراد تمنحها وزارة الصناعة بعد موافقة وزارة التجارة والجمارك العامة ويوقع عليها مائة موظف لاستيراد قطعة غيار واحدة لآلة صناعية تستخدم في أحد المعامل , بينما تصل كل الممنوعات والمسموحات والغرائب والعجائب إلى بيت خدام وأولاد خدام دون أن يسأل أحد أو يهتم أحد ؟
ورأى خدام أن "النظام السياسي العربي لم يتأسس على أساس ثقافة ديموقراطية وبالتالي لا تدرك معظم الحكومات العربية التي لم تتعامل مع الديموقراطية ما هي أهمية مشاركة الناس".
تصوروا أيها الناس الخدام يتكلم عن الديمقراطية والثقافة الديمقراطية وعن الحكومات التي لا تدرك ما هي أهمية مشاركة الناس! لا أجد تعليقا على هذا الكلام إلا قول من قال: إن لم تستح فافعل ما شئت أو قل ماشئت في حالتنا هذه, والله إن هذا الكلام هو منتهى عدم الحياء من الله ومن التاريخ ومن نفسه ومن الحاضرين ومن القارئين ومن السامعين ومن كل من يعرف سورية ويعرف ماذا جرى في سورية منذ أن جاءها خدام وأسد والشرع وعصابة الأربعين حرامي . لقد بلغت البجاحة والصفاقة بأحد أعتى عتاة العالم الحديث أن يقف ويتكلم عن الديمقراطية وعن مشاركة الشعب , لا أدري إن كان يقصد مشاركة ال 99,9999 في الحكم أم مشاركة الأموات والأحياء في الإستفتاءات التي كانت تجري على تمديد الولايات الولاية تلو الولاية لأكبر مجرم عرفته سورية ولبائع الجولان ولمدمر لبنان وقاتل عشرات الآلاف من شعبه وأمته ولسارق سورية الأكبر , الذي ترك أربعين مليار دولار في بنوك سويسرا, ومدمر حضارتها وثقافتها وشعبها والذي حولها إلى مزرعة للعبيد لا يسمع فيها إلا نعم نعم نعم بدل ماع ماع ماع للقائد الأوحد الملهم فريد عصره وأوانه وهو الذي حصل على الثانوية بالمشقة والعناء ثم لم يجد إلا الجيش ليدخل من خلاله إلى مراكز صنع القرار والذي استغل كل من يعرف وقضى على كل من تعامل معه لينفرد بالحكم ويقيم الدولة العلوية القميئة تحت ستار حزب البعث في هذه البلدة المنكوبة . لا أدري إن كان الخدام يقصد الجبهة الشعبية المؤلفة من سبعة أحزاب اختارتها الدولة وفتحت لها المكاتب وأعطت أعضاءها السيارات والإمتيازات ورمت لهم ببعض الفتات من المال والعلف وسمتهم أحزاب معارضة وهم كلهم لا يقدرون ان يتنفسوا أو يخرجوا إلى الخلاء إلا بإذن من رئيسهم المفدى إلى الأبد حافظ الأسد ومن بعده أبنائه وأحفاده وسلالته إلى يوم الدين حتى يتحقق الشعار المعروف إلى الأبد يا حافظ الأسد .
هل كان الخدام يقصد نفسه بتصريحاته ويقصد هجومه الكاسح على نشطاء المجتمع المدني الذين حاولوا تطبيق بعض ما قاله الرئيس السوري في خطاب القسم فقاموا بإنشاء منتديات فكرية فكان مصيرهم السجن على يد هذا الخدام نفسه ! أم كان يقصد هجومه الكاسح على من طالب منذ أقل من سنة بتعديل الدستور السوري البعثي الذي لا يسمح لغير البعثيين بالمشاركة في الحياة السياسية ؟
لا أدري كم من الحضور استطاع أن يتمالك نفسه وأعصابه وهو يستمع إلى هذه الحقارات وهذا الإستخفاف بعقول الناس وإلى هذا الكذب والدجل والنفاق, وأن يبقى إلى نهاية المحاضرة العظيمة التي ليست فيها كلمة واحدة لا تتعاكس مع مشاريع خدام وتاريخ خدام وحياة خدام ومنجزات خدام , ولكن هذا للأسف حال هذه الشعوب الميتة الخاملة المستعبدة حتى العظم : فرعون متسلط وشعوب رضيت بالذل واحتقرت نفسها ولم تعرف قيمة إنسانيتها فاستحقت مثل هؤلاء الحكام ومثل هذه المحاضرات ومثل هذا الاستخفاف والإستهزاء والإحتقار من الحاكم وممن يقف ورائه, شعوب صار همها من الحياة العلف والمادة , رضيت بأن تعيش على هامش الحياة أو أن تموت على هامش الحياة ورضيت بأن تكون أضحوكة للأمم وللشعوب الحية فجاءها مثل هؤلاء الممثلين الكوميديين ليلقوا عليها المحاضرات يُضحكوا بها من يتفرج على الحاضرين والمحاضرين.
الكلام باللون الأحمر منقول من جريدة الحياة عن تقرير محمد المكي أحمد يوم 2004/12/7
04 كانون الثاني – يناير 2005