اسمه عبد الرحمن سوار الذهب

اسمه عبد الرحمن سوار الذهب

أيمن السميرى *

 [email protected]

             تمنيت كثيرا لو ألقاه، وأطلب منه مثل نجوم السينما أن يسمح لى بأخذ صورة   معه، أو يوقع على قلبى ولو ( بشخبطة ) غامضة ؛ ( سوار الذهب )، تمنيت للحظة لو يأتينى أحدهم بالحامض النووى DNA له، أو شفرة جيناته، مع رسم لإشارت مخه، وبعد ظهور نتيجة التحليل والفحص أنشرها فى الصفحات الأولى من جرائدنا القومية والعروبية والشعوبية والإسلاموية تحت عنوان بالبنط الأحمر العريض ؛ ( جينات رجل صـالـح إنتصر للحرية ومضى... ) تمنيت لو أفردوا لهذا الحالم الجميل بعضا من صفحاتهم التى يفردونها لكتاب الإعجاز وصفحات فتاوى البخور، والتواكل، ويذكرونه ببعض الخير، لكنى على ثقة أن بعضهم يضحكون منه وربما يعتبره محترفوا السلطان ومدمنوا العدسات غبيا. كنت طالبا بقسم الأدب الإنجليزى بنهاية الثمانينيات حينما علقت صورة كبيرة له فى الإطار المخصص لمجلة الحائط الأسبوعية ( رؤية ) التى كنت أصدرها، تعمدت فى ذلك العدد ألا أضيف مودا أخرى مع الصورة، وكتبت تحتها تعليقا صغيرا ( دائما هناك أمل )، كان هدفى أن تسترعى الصورة إنتباه الطلاب ويبادرون بالسؤال ؛ من هذا الرجل؟. كانت المرة الأولى على حد علمى التى نسمع فيها فى منطقتنا عن قائد فى حركة تغيير، يترك طواعية إغراء الزعامة، بعدما أزاح ميراثا طويلا من الديكتاتورية المتأسلمة، ثم ترك للجموع حرية إختيار من يحكمهم والنظام المناسب لحكمهم وفق التنوع والتعددية       وإحترام كل الأعراق، وفق قانون ودستور مدنى، يساوى بين الجميع فى المواطنة والحقوق، دستور لاينافق الناس ويتملقهم بإسم الدين أى دين، ولايدعى حل مشاكل الزراعة والإقتصاد والبحث العلمى والسياسة، بالتفسيرات والتأويلات والدعوات والإعجاز. يومها راهنت فى تحد على السودان،وقلت أنه قادم لامحالة، وأن أجواء  الديمقراطية والتنوع والإنفتاح على العالم ؛ستحفز السودانيين على الإنطلاق، لم لا ولديهم أخصب أراضى الإستزراع فى العالم، وكنوز لم تسفر عنها أرضه بعد، وأهم من ذلك كله أبناء السودان أنفسهم وثروته البشرية من عقول بنيه. مثل كل الأحلام الكبيرة فى منطقتنا، تهاوى الرجاء سريعا، وبشكل درامى، وإحتل الواجهة المغامرون وتجار الدين والتفرقة، وإيقاظ النعرات تحت اليافطة السحرية التى ترضى العامة والبسطاء ( تطبيق الشريعة من البحيرات الى الشلالات من شمال الشمال الى أقصى الجنوب ) وتحول السودان الى جنة لإبن لادن وأتباعه وكل جماعات الكراهية، وباقى الرحلة جميعكم يعرفها حتى نيفاشا وأبوجا. توارى الرجل، وندرت أخباره، أحسبه إنكفأ على حلمه المفقود، يلعق مرارة التلاشى، ويبكى فى صمت من أجل السودان. قد يسود لوقت رخيص المعادن ويبقى الذهب أنفسها، بعد عام أو مائة عام عندما يكتب المخلصون التاريخ، سنفتح الكتاب لنرى صورة رجل أسمر طيب الملامح، إسمه عبد الرحمن سوار الذهب، وقد نجد تحت الصورة تعليقا مقتضبا يقول: ( دائما هناك أمل.. )

         

* قاص وكاتب. عضو إتحاد الكتاب المصريين