قصة للجميع
قصة للجميع
حسام مطلق *
تبنى الأوطان عادة على الروح الوطنية لأبنائها، والروح الوطنية هذه تبث في اللحظات الحاسمة بالأناشيد والخطب، بيد أن تلك الأناشيد والخطب ليست أكثر من محرك لحظي لتراكم عميق من الحب والولاء والآمال المستقبلية، حتى وإن لم تكن آمالاً فردية يمكنك تلمسها في المستقبلك القريب، فهي قد تكون ركائز لغد افضل لمن تحب من الناس. وتشكل مرحلة الطفولة والمراهقة الأساس الذي تبنى عليه جميع المشاعر، سواء منها الأسرية أو الأخلاقية أو الوطنية.
فيما يلي سوف أروي حادثة تعرضت لها، تتجاوز بدلالاتها وأبعادها حدودي الشخصية لكي تلامس واقع آلاف السوريين، يمكن من خلالها أن نقرأ نوع الوعي الجمعي المتشكل في سورية ومدى عمق الانتماء الوطني ومدى تلاحم الشعب السوري مع القيادة السياسية لمواجهة المرحلة المقبلة.
قبل أكثر من عشر سنوات، وتحديداً أمام إشارة الفندق السياحي في حلب، وهي عقدة مواصلات وسط البلد، لم يستجب سائقان لضوء الإشارة الأخضر، بل تابعا حديثهما عبر نافذتي سيارتيهما، الحديث كان على ما يبدو شيقاً بين ركاب السيارتين. كررت إطلاق بوق سيارتي عدة مرات فلم يتغير شيء، والسيارت خلفي بالعشرات، بل اكتفى أحدهم بنظرة تحقيرية إلى الخلف. اندفعت بسيارتي بحركة سريعة وخطرة بين السيارتين، ولا أنكر مدى التهور فيها، وتابعت طريقي دون أن أسبب الأذى لأي من السيارتين، ولكن الركاب حتماً شعروا بالكثير من الفزع، لقد كانت اندفاعة خطرة في مساحة شديدة الضيق. تبعتني كلتا السيارتين إلى الإشارة التالية، إشارة مدخل حي العزيزية، وأغلقتا الطريق على سيارتي، ونزل من السيارتين من نزل، وأنهالوا على ضرباً مبرحاً. أحدهم كان يحمل رشاشاً، ضربني بكعبه على أنفي، ولا يزال أثر تلك الضربة ملاحظاً علي. غادروا بعد أن طُرحت أرضاً، والدماء تغطي وجهي وقميصي.
توجهت إلى مخفر شرطة العزيزية وأنا على حالتي تلك، استقبلني رجال الشرطة بالتعاطف، ولكنهم حين سمعوا اسم الطرف الآخر (ابن أحد المسؤولين) وكنت عرفته من الجمع الذي تحلق خلال ضربهم لي (..) تراجعوا جميعاً على قلب رجل واحد، وكان قولهم: "روح أنت جاي تخرب بيتنا".
استجمعت قواي وتوجهت إلى البيت، وكلي غضب وعزم على الثأر. قبل أن أنتهي من الاغتسال وتبديل ثيابي كانت أمي قد اتصلت بأبي الذي حضر مفزوعاً، ولم ينجح بتهدأتي إلا بعد أن أخذ موعداً من قائد شرطة حلب وكان يومها "العميد كيخيا". ماذا قال العميد العتيد؟ "أبو حاتم اسمع مني راح تضيع مستقبل ابنك! خلاص .. خناقة شباب .. وهيو درس إلو بالحياة حتى ما يكابر مرة تانية". لن أنسى ما حييت تلك الملامح التي ارتسمت على وجه أبي، وكأنه يقول لي: اعتذر عن كل ما علمتك إياه عن الكرامة والوطن.
قبل عودتنا كانت أمي قد أعدت خدعة ذكية، حيث ادعت أن زوج أختي المقيمة في الأردن مضطر للسفر خارجه على جناح السرعة، وهي تعلم جانب الغيرة عندي، فلا بد أن أذهب إليها، وزيدون هذا موجود يمكنك العودة لمطاردته لاحقاً. حصل والدي على خطاب موجه من قائد شرطة حلب إلى قائد شرطة حمص، حيث قيدي المدني، لتسريع حصولي على جواز سفر (وهذا يؤكد أن قائد شرطة حلب كان متعاطفاً ولكنه عاجز). وهناك تمت إجراءات استخراج جواز السفر بأقل من ثلاث ساعات، بعضها أمضيتها أنتظر مدير الهجرة والجوازات الذي لا يلتحق بالعمل إلا قرب الظهيرة. طلب مني المساعد أن أوقع الجواز من مدير قسم الهجرة، دخلت غرفته، وكان بصحبته صديق يتبادل وإياه حديثاً ودياً مضحكاً. تقدمت وقلت: لو سمحت مطلوب توقيعك هنا. أخذ الجواز، وهو يتابع حواره مع صديقه، وقع عليه، ثم رماه في وجهي بلا مبالاة عجيبة. وكأن هذا المواطن الذي يقف أمامه هو من بقايا عبيد أفريقيا في مسلسل الجذور (كونتا كينتي)، ناهيك عن عدم احترامه لوثائق رسمية ممهورة بأختام الدولة وشعارها المفترض: النسر. تذكرت عندها ما علمونا إياه في المدارس عن الشرف الوطني وكيف يمكن أن تصبح السدارة (القبعة العسكرية) رمزاً لهذا الشرف. وتذكرت العقوبات التي كثيراً ما عانى منها زميل ما، لأن سدارته سقطت أرضاً، وهو ليس أكثر من مراهق يجري لاهياً في ساحة المدرسة. أمامي، حيث كنت أقف تماماً، كانت هناك على طاولة مكتبه أداة فتح الرسائل التي تشبه سكيناً غير قاطع، كانت في متناول يدي، لم يكن يتطلب الأمر سوى أن غرزها في عنقه. لم يمنعني الخوف، ولا النتائج، ما منعني أن أهلي سوف يقولون عني "صاحب مشكلات"، نعم هكذا بسذاجة ابن العشرين سنة.
غادرت إلى عمان، ووضع رجال الجوازات الأردنيون على جوازي ختم "مراجعة أقرب مركز أمني خلال أسبوعين"، طبعاً كسوري هذا تعبير كبير يستلزم الكثير من القلق. ذهبت، فطُلب مني صورة، وكنت أحمل واحدة من معاملة جواز السفر، وعنوان إقامتي وبيانات الشخص الذي يستضيفني، ثم قال الشرطي: وقع هذا التعريف من رئيس القسم وارجعلي، وحملني ملفاً وبطاقة. دخلت غرفة رئيس القسم، ليتكرر نفس الطالع، فرئيس القسم جالس إلى احد أصدقائه في حديث ودي، وبدأ قلبي يسرع في دقاته، إلا أن رئيس القسم نظر في الملف ثم وقَّعَ على البطاقة وهو يقول: "هاي أحنا كرابة يا حسام - يقصد قرابة - اختك متزوجة منا. كيف ناوي انت كمان تتزوج من هون". بددت هذه الكلمات قلقي، ثم ختم حواره لي قائلاً: "أي شيء تحتاجه احنا هون أخوانك". طبعاً هو لا يريد أكثر من المجاملة، وما كان لي أن أفهم أكثر من ذلك، ولكني انتقلت بعدها للعيش في الأردن، وأنا فيه منذ ذلك.
كيف يمكن الاستدلال من هذه الحادثة الشخصية بما يقيم عمق الثغرة في الوضع الداخلي إنه التالي:
1 - بالرغم من معارضتي شبه المطلقة للسياسة الخارجية الأردينة فيما يتعلق بالعدو الصهيوني، وبالرغم من توافقي البعيد مع السياسة الخارجية السورية في هذا الخصوص، اخترت العيش في الأردن. السبب بسيط، فالحياة عبارة عن جملة من التفاصيل اليومية ليس لك أن تتجاهل أثرها في رسم قدرك، وليس للعناوين الكبيرة أن تلغي أهمية التفاصيل الصغيرة، وإن عظمت. أن تحيا في سورية، أنت أمام خيارين فقط لا ثالث لهما، أن تكون مهاناً أو أن تصبح قاتلاً. (منذ مدة قصيرة تعرض الرئيس السابق لجهاز أمن الدولة في حلب "عمر حميدة" لمحاولة اغتيال أصيب فيها بقدمه، وسقط قتلى وجرحى في تبادل لإطلاق النار رافق العملية التي نفذت في أحد مشفات حلب حين كان يزور قريبه الذي كان قد جُرح خلال تصفيته لأحد أبناء آل بري خارج نطاق القانون) وأنا كآلاف غيري أخترت العيش خارج الوطن ويبقى ما سيفعله من أسبغت عليهم الإهانات عبر عقود.
2 - حين قال قائد شرطة حلب: "راح تضيع مستقبل ابنك"، تبادرت إلى ذهني فوراً قصة إحضار سيدنا عمر بن الخطاب لكل من عَمر بن العاص وولده ليقتص الأعرابي لنفسه بنفسه، وكان عمر بن العاص يومها فاتح مصر وحاكمها. كان ذلك سبب تشكل فكرٍ ديني لا زمني عبر سنين طويلة. لذا أتفهم النظرة التاريخية للحركات الإسلامية وأعزوها إلى غياب العدالة الاجتماعية، على الأقل على مستوى القواعد.
3 - إنني في تلك اللحظات لم أر فرقاً جوهرياً بين (ما يفعله أعداؤنا من الخارج والسلطة في الداخل)، كل ما أحسست به هو القهر والإهانة، وأن هؤلاء من يسبب لي هذا القهر وتلك الإهانة. لقد استشرى الإحساس الطائفي في فكري رغم أني من بيئة بعيدة كل البعد عن الطائفية.
حتى تصبح الأمور أكثر جلاءً لمن لا يعرف سورية جيداً أقول: "الأمن السياسي - أمن الدولة - المخابرات العسكرية - المخابرات العامة - المخابرات الجوية - مكاتب الحزب - مكاتب الشبيبة - مكاتب اتحاد الطلبة - الحرس الجمهوري - الوحدات الخاصة - وسابقاً سريا الدفاع وسرايا الصراع - الشرطة العسكرية - حتى الأمن الجنائي والشرطة المدنية لهما صولاتهما وإن تكن محدودة قياساً بباقي الأجهزة"، كل هذه الأجهزة لها قادة والقادة لهم مساعدون والمساعدون تحت إمرتهم ضباط. ولها فروع، والفروع بعدد المحافظات، ولن ننسى أن لكل محافظة مناطق ونواح تابعة لها، ولكل فرعٍ منها رئيس، والرئيس له معاونون، ولكل من هؤلاء عدد من الأولاد وهؤلاء الأولاد لهم أصدقاؤهم - أي أولاد المعلم وشلته حسب الاصطلاح السوري - ناهيك عن أعضاء القيادة القطرية والوزراء والمحافظين ومديري المناطق ومديري النواحي .. إلخ، وأنا لم أتحدث عن أبناء المتنفذين أو المحسوبين حتى فوق الأجهزة نفسها. فهل صار القارئ يتخيل الآن مدى عمومية قصتي وصلاحية إسقاطها على الآلاف من الشباب السوري. إذن دعونا ولو لبضع دقائق نفكر كم سوري تعرض للضرب والإهانة على أيدي أبناء المسؤولين ورجال الأجهزة الأمنية لأسباب لا علاقة لها بالأمن أو المواقف السياسية؟ وكم منهم لم يفكر ويحلل بل ظل رد الفعل الأولي هو المسيطر عليه، بل ربما ظل يكابد ما يؤكد له ذلك الشعور دون أن تتيح له الأقدار فرصة المراجعة؟
سؤالي المتكرر لكل سوري يأتي من الوطن: هل تغيرت الأمور؟ الجواب الموحد يقول: نعم لقد صارت هذه المشكلات أقل. إنه جواب مدمر، لأنه يعني بكل بساطة أن احتمال تعرض المواطن السوري للإهانة ما يزال قائماً، أو ربما هو بنفس المعدل ولكن من شخوص دون شخوص، أو في مدنٍ دون مدن، والأزمة الأكبر أن معظم هؤلاء هم من (فئات معينة). عليه يمكننا أن نصف رؤية المواطن السوري لحكومته بأنها قائمة على العناصر التالية: الطائفية - الانتهازية - مصادرة القرار الوطني، وذلك للتالي:
أدرك جيداً أن الراحل حافظ الأسد لم يكن ذا توجه طائفي على الإطلاق، وهذا يستنتج من تشكيله لمجلس الستة خلال أزمته الصحية وإقصائه لرفعت الأسد لاحقاً. وأدرك أن الأمر جاء نتيجة لتطورات أمنية بحتة جعلت الدائرة تضيق شيئاً فشيئاً، ولكن حركة رفعت الأسد تلقي بظلالها على طبيعة تفكير الكثير من المنتفذين في القرار السوري ومدى ميولهم الطائفية، سواء الواعية أو اللاواعية. قد يكون التفسير السابق مقبولاً لمن يتأمل ويراقب بقراءة شاملة وهو خارج المعاناة اليومية، ولكن ماذا عمن تهرسه الحياة ولا يجد سوى اللطمة بعد اللطمة؟ (..).
وما يؤكد استمرار دور العقل الطائفي في الفعل السياسي السوري هو دخول رفعت الأسد إلى البلاد خلال إحدى زيارات الرئيس بشار الأسد لمصر بتغطية من بعض الضباط المتنفذين، رغم وجود مذكرة توقيف بحقه صادرة عن جهة قضائية مختصة، الأمر الذي استدعى قطع الرئيس بشار لزيارته والعودة إلى سورية. إن كان هناك توافق في الشارع السوري على قبول رئاسة بشار الأسد للدولة، إن أملاً في التغير أو هروباً من تبعات الصراع على السلطة، فإن الإجماع على رفض رفعت الأسد منقطع النظير، ولا يُقبل به إلا بمثل ما قُبل صدام في العراق، مروراً فوق مقابر جماعية له في تدمر وقفة فيها. إن مجرد التلويح به رئيساً لسورية يثير لدى السوريين حساسيات طائفية بكل أبعادها الحقيرة، الأمر الذي يقودنا إلى أن نقسم القيادة العسكرية السورية إلى معسكرين، أيديولوجي ليس لنا عليه مأخذ، وطائفي يجب إزاحته، خصوصاً وأن هؤلاء لهم جسور مالية مع الولايات المتحدة (راجع بيانات رفعت الأسد بعيد وفاة حافظ الأسد وما حوته من تلميحات).
لا مشكلة في أن يتولى (أناس من شتى الأصول) أرفع المناصب (..) الأزمة في أن (يسيطر أناس على المناصب لأنهم فقط من خلفيات أو أصول معينة) بغض النظر عن كفاءتهم. قد يكون مفهوماً أن يبقى من سبق أن تعرض للاضطهاد متحفزاً، أما أن يصبح هو ممارساً للاضطهاد فهذا غير مقبول على الاطلاق، الطائفية كريهة بغض النظر عن مرتكبها. إن البلاد حين تدار بفكر طائفي، سواء بوعي أو بسبب ما يسمى الضرورات الأمنية وضرورات الولاء، لا تُبقي أمام المراقب الذي يقف خارج السلطة مسميات أخرى غير الطائفية لتوصيف الوضع. وتصبح عندها تبريرات نائب الرئيس السيد عبد الحليم خدام، حين يقول: إن عدد البعثيين مليونين من مختلف الشرائح، غير كافية لتغيير الحقائق. حين قرأت كلمات السيد نائب الرئيس قفز ذهني فوراً إلى مدرب التربية العسكرية للصف السابع في إعدادية أبو تمام في محافظة الحسكة، واسمه إن لم أخطئ جبريل. تذكرت حين رفعني في الهواء وأخذ يهزني كأني وسادة، صارخاً، ورذاذ لعابه يتطاير على وجهي: "ليش مانك شبيبة ليش مانك بعثي. المشكلة إني كنت قادماً من مدرسة ابتدائية خاصة اسمها النهضة العربية" ولا أعرف ما هو البعث ولا ما هي الشبيبة، فعمري كان 11 سنة فقط. كنت أعرف الطلائع، وكنا جميعاً نرتدي فولار الطلائع، وخلت أنه يسأل، ربما، هل أنت بعث أم شبيبة أم طلائع. في دول كثيرة يعتبر الطفل الذي يتقدم للإجابة قبل الآخرين مميزاً ويستحق العناية، لكن في سورية الأمر مختلف. لقد أقسمت أن أرفض هذا البعث وهذه الشبيبة ولو كانا من الله - إن فيكم لمنفرين - الكثير من زملائي من مدرسة النهضة العربية لم يُعرضوا أنفسهم لأي مساءلة بعد ذلك المشهد، فهل هم من يعول عليهم السيد نائب الرئيس، أم ربما الذين يشترط لتقدمهم الوظيفي الانتساب للحزب، بل وأحياناً لحصولهم على الوظيفة أصلاً؟ معظم الحزبيين في المرحلة الإعدادية والثانوية وحتى في الجامعة كانوا ممن ليست لديهم المقدرة على خلق حضور اجتماعي بين الزملاء، فكان منصب العريف، وطالب الانضباط، ومسؤول اتحاد الطلبة، هو التعويض عما يفتقدون إليه في تكوينهم الشخصي.
مشاعر السوريين:
بعيد سقوط بغداد بثت قناة الجزيرة تقريراً في إحدى نشراتها الإخبارية قارن بين بعث العراق وبعث سورية وختم بمشهد سقوط تمثال صدام، مازجاً بينه وبين تمثال الراحل حافظ الأسد في ميدان دمشق والمعلِق يقول في الخلفية الصوتية "كثيرون لا شك تدغدغ مشاعرهم أن يشاهدوا هذا التمثال يسقط أيضاً". نجحت اتصالات وزير الاعلام السوري عدنان عمران في وقف بث الشريط، إلا أن أحد الذين شاهدوا الشريط علق قائلاً: من لا يخاف الله، اعتباراً من اليوم سوف يخاف أمريكا. هذه الكلمات هي ما يعبر عن حقيقة المشاعر المختلطة لدى السوريين وليس أعداد المنتفعين بالانتساب لحزب البعث. نعم إن الأطياف الفكرية بمختلف ألوانها تتفق على رفض النفوذ الأمريكي، فإن كانت إيران من أطلقت تسمية الشيطان الأكبر فإن السوري العادي يمارسها بوعي قومي وديني منذ الاستقلال، ولكن في المقابل هناك من مل انتظار التغيير وقد يجد الفرصة سانحة. بل ربما يجد في وطنيته التي تفرض عليه السعي للتغير ما يبرر التعاون حتى مع الشيطان لإخراج البلاد من مأزقها، وسوف يكون هناك من يحركه دافع الانتقام البحت، والممارسات الطائفية سوف تخلق أجواءها أيضاً. أضف من سيدفعه الانحطاط الإنساني الذي وصل إليه نتيجة عقود من القمع وكبت الحريات والتجاوز المتكرر على إنسانيته أي بتعبير آخر: "المخصيون" سواء أكانوا داخل حلقة الحكم أو خارجها (من أسقط بغداد: الجلبي أم الاتكال على الحرس الجمهوري دون الشعب؟).
الخلاصة أن الوطن لا يذود عنه إلا أبناؤه، والوطن الذي يسرقه أفراد يُرتهن استقلاله لعوامل خارجية، هو وطن مستقل مرحلياً لا أكثر. فرنسا وروسيا والصين وألمانيا واسبانيا وحتى بريطانيا سوف تعترض، لا شك عندي في ذلك، لكنها فقط سوف تعترض، لا أكثر ولا أقل. المظاهرات سوف تعم العالم، نعم لا اختلاف، ولكن كل ذلك لن يلغي شعور التفوق الأمريكي ولن يوقف عجلة الحرب. وحده تعاضد الشعب يمكن أن يخلق الحاجز المنيع، ونحن بحاجة لأن نشعر بأن الوطن لنا أيضاً، وأن الحاكم للشعب وليس الشعب للحاكم. إغلاق المنتديات، توقف حملة محاربة الفساد الانتقائية في تطبيقها أصلاً، العودة إلى تقييد الصحف حتى عن انتقاد المديرين، هذه كلها تراجعات عن الإصلاح (..) إن هذه الممارسات في محصلتها هدم لعوامل الثقة بين الشعب والقيادة "المسماة جديدة " دون أن نغفل ما في هذه الممارسات من توجيه لمشاعر الجماهير للخارج لإنقاذ الوضع الداخلي.
هامش:
* كاتب سوري يعيش في المنفى