فلسفة الصهيونية
فلسفة الصهيونية
إعداد: نازك الطنطاوي
الصهيونية حركة عنصرية سياسية استعمارية عدوانية ظهرت في أوروبا، بسبب الأوضاع الاقتصادية والسياسية السيئة لليهود، والمصالح المتعاظمة لحركة الاستعمار العالمي، وأسبغت على اليهودية صفة القومية، وزعمت أن الشعب اليهودي عرق نقي، وعارضت اندماج اليهود في أوطانهم الأصلية ودفعتهم للهجرة إلى فلسطين، زاعمة أن لهم فيها حقوقاً تاريخية ودينية، وأن لهم الحق في إقامة دولة يهودية في فلسطين من خلال طرد شعبها الأصيل وقتله وإرهابه.
تستمد الصهيونية أصولها من الفكر النابع من عقائد التوراة وشرائع التلمود، وتصوّر اليهود على أنهم أمة واحدة وشعب واحد وجنس واحد هو الجنس السامي، وتدعو إلى عدم اختلاط اليهود بالشعوب الأخرى، وأن اليهود هم النسل المباشر ليهود التوراة، والواقع أن اليهود ينتمون إلى عدد كبير من السلالات البشرية، وليسوا من سلالة (إسرائيل) فقط. والدليل على ذلك أنهم غير متشابهين في سحناتهم وألوانهم، فيهود التوراة من الجنس السامي الذي يتميز باللون الأسمر، فكيف يتشابهون مع يهود أوروبا وأمريكا وأفريقيا وغيرها من بلدان العالم.
وتقوم الفلسفة الصهيونية على الأفكار التالية:
1 – اليهود هم شعب الله المختار، وهذه الفكرة جعلت فئة من اليهود متعصبة ومنغلقة على نفسها، وأنها تتميز عن باقي البشر، أما الأرواح الأخرى فهي أرواح شيطانية.
2 – فلسطين هي الهدف الأساسي للصهيونية، ومنها يبدأون سيطرتهم على العالم أجمع، وهي أرض الميعاد، ولذلك يعتبر اليهودي فلسطين أرضاً مقدسة لا يحق لأي فئة احتلالها وهي حق لليهود وحدهم.
3 – يزعم الصهاينة أن اليهود في جميع أنحاء العالم يمثلون شعباً وأصلاً واحداً مرجعه أرض فلسطين، وهذا القول مرفوض لأن يهود العالم يفتقرون إلى كافة مقومات القومية، فليس بينهم تاريخ مشترك أو تراث حضاري، ولا تجمعهم لغة واحدة، بل يتكلمون لغة البلد التي يعيشون عليها، ولم يكن ليربطهم سوى الشعور بالتضامن الذي خلقه ذكريات الاضطهاد خلال قرون متعاقبة، وأمل العودة إلى أرض الميعاد، أرض فلسطين –كما يزعمون-.
وللحقيقة.. فإن اهتمام الصهيونية بفلسطين ليس مرده العامل الديني فقط، بل الأهمية الاستراتيجية، وهو ما عبّر عنه ناحوم جولدمان رئيس المؤتمر اليهودي العالمي بقوله:
(إن اهتمام اليهود بفلسطين يرجع إلى أنها ملتقى طرق أوروبا وآسيا وأفريقيا، وأن فلسطين تشكل نقطة ارتكاز حقيقية لكل قوى العالم، وأنها المركز الاستراتيجي للسيطرة على العالم أجمع).
وقد وُلدت الصهيونية الحديثة في غرب أوروبا، حيث كان اليهود يعيشون حياة غامضة مبهمة، ويقيمون في أحياء خاصة بهم، عُرفت باسم "الجيتو" مما أثار شكوك المواطنين من حولهم، وأذكت روح العداوة والكراهية لهم. فظهرت منظمات "إحياء صهيون" ومقرها في روسيا القيصرية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ودعت هذه المنظمات اليهود إلى الهجرة إلى فلسطين، وأنهم أمة واحدة. وتأسيساً على ذلك دعا هرتزل إلى عقد مؤتمر صهيوني عالمي، عُقد في مدينة بازل بسويسرا عام 1897م، وحضره مئتان وأربعة من مفكري اليهود من جميع أنحاء العالم، واستطاع المؤتمر أن يخرج بقرارات هامة عُرفت "ببرنامج بازل" وتهدف إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وقرر الخطوات التالية لتحقيق هذا الهدف وهي:
1 – تشجيع الاستعمار الاستيطاني في فلسطين، والعمل على إنشاء مستعمرات زراعية وعمرانية فيه.
2 – إنشاء منظمة تربط يهود العالم ببعضهم، عن طريق منظمات محلية تابعة لهافي كل بلد.
3 – تقوية الشعور القومي عند اليهود.
4 – الحصول على موافقة الدول الكبرى لتحقيق أهداف الصهيونية.
ونقل هذا المؤتمر الجهد الصهيوني وعلى صعيد عالمي، إلى مرحلة جديدة هي مرحلة العمل والإنشاء لترسيخ الوجود الصهيوني في فلسطين، كما أوضح برنامج العمل الاستراتيجية الصهيونية ضمن إطار الآراء المتفرقة داخل الحركة، ووضعت الحركة الصهيونية برنامجاً عملياً يقوم على ثلاثة خطوط: التنظيم، والاستيطان، والدبلوماسية التي اعتمدتها للحصول على الدعم والتأييد الدولي لتحقيق الهدف الاستراتيجي لها، وأن تتركز جهودها على الأتراك العثمانيين أولاً لأنهم كانوا يحكمون فلسطين في ذلك الوقت، وبذل هرتزل جهوداً كبيرة للاتصال بالسلطان عبد الحميد الثاني، ولكن محاولاته باءت بالفشل، فقد رفض السلطان عبد الحميد منح حقوق غير محدودة بالهجرة اليهودية إلى فلسطين، نظير قيام الصهيونية بتسديد الديون العامة للدولة العثمانية. وبعد فشل محاولات هرتزل في الدولة العثمانية، اتجه إلى الدول الأوروبية الاستعمارية للحصول على التأييد الدولي لتحقيق هدف الصهيونية الاستراتيجي.
وهكذا نجد أن الصهيونية التي ادّعت أنها جاءت رداً على التمييز الديني ضد اليهود في المجتمعات الأوروبية، تحولت هي نفسها إلى قوة تكرس هذا الوضع وتعمقه، عن طريق تغذية نزعة الانغلاق العرقي والتعصب العنصري بين اليهود، وألقت الفرد اليهودي وسط دوامة الولاء القومي، أي توزع ولائه بين المجتمع الذي يعيش فيه كمواطن وبين الصهيونية ومشروعاتها وسياساتها خارج حدود مجتمعه.