مستقبل علاقة الإسلام بالغرب رؤية سياسية حول التفاهم مع الغرب
مستقبل علاقة الإسلام بالغرب
رؤية سياسية حول التفاهم مع الغرب
د. الطيب زين العابدين
1 ـ حالة العداء مع الغرب
يكمن أصل العداء الغربي للإسلام والمسلمين من تجربة الصراع التاريخي الطويل عندما فتح المسلمون بلاداً كانت الهيمنة فيها للإمبراطورية الرومانية والكنيسة المسيحية، مثل الشام وفلسطين ومصر وشمال إفريقيا والأندلس وصقلية وبيزنطة.
· قامت الكنيسة على مدى قرنين من الزمان بتأجيج الحروب الصليبية ضد المسلمين في محاولة لاسترداد الأراضي المسيحية من يد المسلمين.
· خلقت الكنيسة والعاملون معها من المستشرقين الأوائل صورة شائهة عن الإسلام والمسلمين: أنه دين مزيف، ذو طابع شهواني، وأنه ما انتشر إلاّ بالسيف، وأن محمداً عدو للمسيح.. أصبحت هذه الصورة الشائهة عميقة الجذور في العقلية الأوروبية إلى يومنا هذا.
· إحساس الدول الأوروبية بخطر الإسلام عليها عندما طرق حدود فرنسا الجنوبية، وجنوب إيطاليا، ودول البلقان، وهيمن الأسطول العثماني على البحر الأبيض المتوسط.
· فترة الاستعمار الأوروبي للعالم الإسلامي في القرنين التاسع عشر والعشرين أغرت الغرب بإمكانية السيطرة على العالم الإسلامي، وإن وجد في ذلك الوقت أن معظم المعارضة التي وقفت في وجهه جاءت من العناصر المتدينة في أوساط المسلمين.
· رفض المسلمين ـ بصورة عامة ـ محاولات التنصير المكثفة التي قامت بها الكنيسة تحت حماية الاستعمار، بل وفشلها حتى على السيطرة على أتباع الكنيسة الشرقية، ومقاومة المسلمين لفرض القيم والقوانين الغربية.
· وفي عصرنا الحاضر وجد الغرب أن كثيراً من البلاد الإسلامية ـ بعد تحررها من الاستعمار الأوروبي ـ تقف مع الكتلة الاشتراكية في حربها الباردة مع الغرب.
· إنشاء إسرائيل بواسطة الغرب في قلب العالم الإسلامي أوجد سبباً مستمراً للنزاع بين العالم الإسلامي والغرب.
· تجربة حظر البترول ورفع سعره في عام 1973، أدى إلى هلع الغرب من إمكانية استعمال البترول الذي يعتمد عليه الغرب استعمالاً سياسياً ضده أو زيادة أسعاره بصورة تضر بالمصالح الغربية.
· تجربة الثورة الإسلامية في إيران وما فجرته من عداء للغرب ولأمريكا.
· ثم الصحوة الإسلامية التي شملت أنحاء العالم الإسلامي، وما يمكن أن تكرره من نموذج التجربة الإيرنية بالإضافة إلى خطورتها كبديل للحضارة الغربية التي انتفشت بعد سقوط الشيوعية وظنت أنها قد وصلت إلى نهاية تاريخ الحضارة الإنسانية.
· رفض الإسلاميين لمشروع السلام والتطبيع مع إسرائيل.
· وما زالت صورة المسلمين في الإعلام الغربي وفي مناهج الدراسة صورة سلبية مشوهة، هم أكثر موضوعية عند كتابتهم عن الأديان الأخرى غير الإسلام.
2 ـ القوى المستفيدة من العداء
· هذا العداء التاريخي والسياسي والاقتصادي والحضاري يجد قوى تؤججه وتعمل على التذكير به كلما خبت جذوته.
· على رأس هذه القوى: الحركة الصهيونية التي تسخر كل إمكانياتها المادية والتنظيمية في توسيع الشقة بين الغرب والعالم الإسلامي، وتستهدف في عدائها الإسلام نفسه كدين متطرف يقف على نقيض من الحضارة الغربية ذات الأصول المشتركة بين اليهودية والمسيحية.
· القوى اليمينية المحافظة في الغرب التي تحنّ لعهد الاستعمار وتفرض الهيمنة الغربية على دول العالم الثالث وخاصة تلك التي تمثل مصالح حيوية للغرب.
· القوى الكنسية خاصة ذات النزعة الأصولية الجديدة في أمريكا التي تخشى منافسة الإسلام لها في إفريقيا وآسيا بل وفي أوروبا نفسها.
· ثم تأتي أنظمة العالم الإسلامي ومن يحيط بها من العناصر العلمانية المستغربة التي تخشى على نفسها من نتيجة الصراع الدائر بين تيار الصحوة الإسلامية والأنظمة العلمانية القائمة، فهي تريد الاستعانة بالغرب ضد من تسميهم بالعناصر الإسلامية المتطرفة التي تهدد هذه الأنظمة بالزوال.
3 ـ الوضع الحالي
نتيجة للعداء التاريخي القديم، وللخوف من بعض التجارب المعاصرة، وللإحساس بالخطر على مستقبل الحضارة الغربية، ولنشاط القوى المستفيدة من تأجيج الصراع، ولممارسة جماعات العنف السياسي، ولضعف كيانات الدول الإسلامية صار الوضع حالياً إلى ما يأتي:
أ ـ إحساس بالخطر لدى الغرب من أي مصدر من مصادر القوة تتاح للمسلمين سواءٌ أكانت القوة عسكرية أم سياسية أم اقتصادية أم علمية. لذلك أصبحت الحيلولة بين المسلمين وبين اكتساب أسباب القوة هدفاً رئيسياً من أهداف السياسة الغربية. لافرق في هذا يذكر بين الدول المسلمة التي تعتبر صديقة للغرب أو تلك التي تعاديه، بحجة أن الحكومات الصديقة اليوم قد تنقلب عليه غداً أو تتغير بأخرى معادية. فالحكمة هي عدم الوثوق بأي بلد مسلم!.
ب ـ فرض هيمنة غربية على البلاد الإسلامية وإضعاف أي تجمع ممكن أن يؤدي إلى وحدة أو تعاون فعّال بين هذه البلاد، والعمل على تأجيج الصراعات الداخلية في كل بلد أو بين بلد وآخر، والاستعانة بمن هو قريب من الغرب على ضرب من هو معادٍ له.
ج ـ استهداف جماعات العمل الإسلامي السياسي حتى لا تكتسب شرعية قانونية في العمل، أو تصل إلى المجالس التشريعية دعك من الوصول إلى تكوين الحكومات أو المشاركة فيها.
ومحاولة دمغ هذه الجماعات بالإرهاب والتطرف والعداء للديمقراطية والحرية. ينظر الغرب إلى هذه الجماعات كنواة للخطر الإسلامي الذي يتخيله معادياً له ومهدداً لمصالحه ولمستقبل حضارته.
يستعين الغرب في كبت هذه الجماعات بالأنظمة الحاكمة في بلاد المسلمين وبالفئات العلمانية المستغربة، ويجري هذا بتعاون مقنن مشهود.
د ـ إضعاف القيم الدينية في مجتمعات المسلمين بغزو ثقافي مكثف عن طريق الإعلام الموجه من الداخل والخارج، وإحلال مناهج التعليم الغربية محل المناهج الدينية، وتهميش علماء الدين وإعلاء شأن الرموز العلمانية، وإضعاف كيان الأسرة إلخ..
4 ـ دواعي الحوار
إن كان العداء مع الغرب يمتد عبر هذا التاريخ الطويل، وأن هناك قوى مستفيدة وتعمل لإشعال نار العداء، وأن ضعف المسلمين يغري بالاستهانة بهم والسيطرة عليهم فهل هناك من جدوى للحوار مع الغرب؟ وهل لديه القابلية للاستماع والاستجابة؟
الإجابة نعم هناك جدوى وضرورة للحوار:
· إن التفاوت في حجم القوة بين العالم الغربي والعالم الإسلامي يجعل خيار المواجهة والعداء مع الغرب أمراً مهلكاً وضاراً بالعالم الإسلامي، وإن المعايشة والحوار هو السبيل المتاح عملياً أمام البلاد الإسلامية، ولعل استعداء الأنظمة القائمة في البلاد الإسلامية تنطلق من هذه الحقيقة الظاهرة للعيان.
· الغرب لا يشكل كتلة واحدة ولا موقفاً واحداً، فللغرب نصيبه من الخلافات والصراعات والمنافسة، وفيه تعددية تسمح باختلاف النظر، وفيه من يؤمن حقاً بمبادىء الحرية والعدالة للناس كافة.
· الوجود الإسلامي المقدر في الغرب في العقود القليلة الماضية الذي يفرض على الغرب قدراً من التفاهم والتعايش مع هذا الوجود.
· المصالح الحيوية للغرب في العالم الإسلامي وضرورة حماية هذه المصالح بعدة وسائل، ومن بينها الحوار والتفاهم، فالغرب ذو عقلية نفعية براجماتية تستجيب لنداء المصلحة وتفهم أسباب القوة.
· الخواء الروحي والاضطراب الأخلاقي الاجتماعي الذي يعاني منه الغرب رغم كل أسباب القوة المتاحة تتيح فرصة للمسلمين أن يتقدموا بعطائهم الرباني لسد النقيص الذي يعاني منه الغرب، وهم أصحاب دعوة يجب أن يبلغوها بأحسن أسلوب للناس كافة. وهناك مؤشرات تدل على إمكانية القبول بالرغم من تعالي الغرب وهوان المسلمين.
· ولأن الغرب أيضاً يملك من أسباب القوة ما يفيد منه المسلمون خاصة في تنظيم الدولة والمعرفة العلمية والتقنية وإدارة الأعمال وغيرها.
5 ـ مقترحات للحوار والتفاهم
أ ـ الاهتمام بعالمية الخطاب الدعوي والسياسي.
إن السمة الغالبة للخطاب الإسلامي هي التوجه للمسلمين وللحركيين منهم وكأنما العالم الخارجي لا يهمنا في كثير أو قليل، وتقل عندنا الكتابات التي تقدم الإسلام لغير المسلمين وهي ينبغي بالضرورة أن تعتمد على الحجة العقلية لا على النصوص الدينية فالنصوص حجة على من قبل أصل العقيدة لا على من هو خارج منها، وأن يكون موضوع الخطاب أيضاً مما يهم غير المسلمين خاصة في الغرب.
ب ـ التعاون الواسع بين الحركات والتنظيمات الإسلامية حول قضية الحوار والتفاهم مع الغرب بقصد الوصول إلى استراتيجية موحدة تتكامل فيها الجهود وتتقارب فيها الوسائل وتتبادل فيها الخبرات والمعلومات.
ج ـ تنظيم المسلمين في الغرب بحيث تكون لهم مؤسسات تتحدث باسمهم جميعاً مع الحكومات والهيئات الغربية، وانفتاح المسلمين على المجتمعات الغربية التي يعيشون فيها وممارسة حقهم كاملاً في العمل السياسي والاجتماعي والثقافي، والاهتمام بمشكلات المجتمع الغربي.
د ـ إنشاء علاقات ثقافية وسياسية مع المؤسسات الغربية وإيجاد مجالات للتعاون المشترك.
هـ ـ الالتزام الواضح بالحرية وحقوق الإنسان والتداول السلمي للسلطة والدفاع عنها بوصفها أساساً من مبادىء الإسلام، ولأنها في مصلحة المسلمين، ولأنها من متطلبات العصر
الذي نعيش فيه، وهذا يعني نبذ العنف في العمل السياسي وعدم خلط ذلك بمفهوم الجهاد بأهدافه وضوابطه المعلومة فإن جماعات العنف السياسي تخلق المبرر والمناخ لضرب العمل الإسلامي وللصد عن الدعوة الإسلامية.
و ـ تكوين مؤسسات مستقلة متخصّصة في مجالات العمل الإسلامي المختلفة سياسية وإعلامية وثقافية وتربوية واجتماعية واقتصاديةإلخ.. هذا يعني الابتعاد عن مفهوم الحركة المركزية الشاملة، إن شمول الإسلام لا يعني شمول التنظيم لكل مجالات العمل الإنساني،وهذا يعني أن تتفرغ تنظيمات للعمل السياسي حسب الظروف والقوانين المتاحة في كل بلد.
ز ـ تطوير العمل الفكري والبحثي ليقدم صورة واضحة عما نعنيه ببناء المجتمع الإسلامي في العصر الحديث خاصة جوانبه السياسية والاقتصادية، وعلاقة هذا المجتمع بغيره من المجتمعات.
ح ـ تكوين عناصر ومؤسسات متخصصة في الحوار مع العقلية الغربية في المجالات الدينية والثقافية والسياسية، وتوفر هذه العناصر على دراسة الغرب دراسة متعمقة من النواحي الفكرية والدينية والسياسية والاجتماعية، آن لنا أن نبدأ علم الاستغراب كما أنشأ الغربيون علم الاستشراق.
ط ـ تشجيع كل محاولة في العالم الإسلامي للتقارب والتعاون لتجاوز حالة الفرقة والشتات وللتفاهم مع الغرب من موقف نسبي من القوة والوحدة.