فذلكات انتفاضية(3)

فَذلكاتٌ* انتفاضيّة (3)

(من وحي انتفاضة الأقصى المبارك ، التي تدخل عامها الخامس)

بقلم : الدكتور محمد بسام يوسف

 (7)

توازن استراتيجيّ حقيقيّ !..

رَحِمَ الله أبطال هذه الأمة ، من مثل الشيخ (عزّ الدّين القسّام) والشيخ (عبد القادر الحسيني) .. رحمهم الله مرّتين : مرةً لأنهم ماتوا ، وثانية لأنهم لم يعيشوا إلى يومنا هذا !.. ليشهدوا أنوار هذا الخِزي المتراكم !.. وجنّات فقدان المروءة والنخوة !.. وسمسرة الدم المسفوك على الطاولات المستديرة ، وفي بورصة الكرامات المهدورة ، على أعتاب أجبن خلْق الله ، من نسل بني (قُرَيْظَة) وحَرْباوات (خَيْبَر) !.. فثلاثون سنةً أو يزيد ، من الدأب والحماسة الهائلة ، والعمل الذي يصل الليل بالليل ، والنهار بالنهار !.. والقوم لم يصلوا إلى حالة (التوازن الاستراتيجيّ) !.. الذي سيوصلهم إلى الساعة الحاسمة ، والنصر المؤزّر !.. وبعضهم مات وابتلعته الأرض غير المتوازنة ، ولم يصل بعدُ إلى تلك الأسطورة المسمّاة : (التوازن الاستراتيجيّ) !.. ومادام التوازن عندهم طائرات ودبّابات ومدافع وصواريخ عابرة ، وأسلحة نووية وجرثومية وكيماوية .. فلن يصلوا إليه ، بغضّ النظر عن وطنيّتهم .. أو قوميّتهم .. أو صِدقهم .. أو جدّيتهم !..

لو كان (جَريرٌ) بيننا ، لما تردّد في نظم قصيدته (التوازنية) ، التي مطلعها :

زَعَمَ التوازنُ أنْ سيهزم (شاروناً)               أبشِـر بِطُولِ احتلالٍ يـا (شُوَيْرِنُ)

أما تحرير (الجنوب اللبناني) ، قبل الوصول إلى تلك الخرافة التوازنية !.. على أيدي بضع مئاتٍ من مشاريع الشهادة ، الذين لا يملكون إلا الإيمان بالله ، والنخوة العربية الإسلامية ، والكبرياء ، وبعض البنادق وصواريخ (الكاتيوشا) ، فهذا هو السخف ، والسذاجة ، والتهوّر اللا محسوب !.. أليس هؤلاء السذّج هم الذين ارتكبوا (خطيئة) التحرير ، قبل أن تقوم (الساعة) ، وينفخَ إسرافيلُ -عليه السلام- نفخته الأولى ؟!..

أيا (طلال أبو رحمة) : لله درّك .. فقد مزّقتَ بفِعلتك ، كلّ فواتير الخرافة التوازنية .. التي دفعناها  وندفعها ، من جيوبنا وعرقنا ودمائنا ، منذ ثلث قرنٍ أو أكثر !.. فكشفتَ زيف النظريات الأسطورية ، التي وُضِعَت لتكون ملهاةً لنا ، وتبقى بموجبها أرضنا وكرامتنا ، تحت نير الاحتلال والاستعباد !.. فقومنا لا يحرّكون ساكناً إلا ببلوغ تلك الخرافة: (التوازن الاستراتيجيّ) !.. والخرافة لن تتحقّق !.. والنتيجة بقاء الأرض والكرامة ، في حالة ذلٍّ وأسْرٍ مستديم!.. فبوركتَ يا (طلال) ، الذي كشفَ اللعبة والاحتيال ، فكانت (الكاميرا) التي تحملها ، هي كلّ ما نحتاجه من أسلحة (التوازن الاستراتيجيّ) !.. وكان المشهد الصاعق ، وحُسْنُ الأداء والإخراج ، وبعض الإيمان والشجاعة والمروءة والنخوة والحسّ الإنساني .. هي كلّ حاجتنا ، لكشف زيف (التمثيلية) اليهودية ، بأنهم من أبناء آدم الطبيعيين، أو من البشر الحقيقيين !.. ولكشف زيف الخرافات والأساطير والنظريات الوهمية ، الخاصة بخدعة (التوازن الاستراتيجيّ) !..

ها هي ذي براكين الغضب تمتدّ إلى كلّ بقعةٍ ، تنتصب عليها مئذنة وقُبّة ومحراب !.. وفجأةً نكتشف أننا وصلنا في لحظاتٍ ، وبحسن تدبيرٍ ، إلى حالةٍ تَفوَّقنا فيها ، على قوّة العدوّ المجرم وأنصاره وحلفائه، وتخطّينا حالة (التوازن) بقفزاتٍ وخطوات ، وأصبح العدوّ هو الذي يلهث وراءنا ليتوازن معنا !.. فهل كان العرب والمسلمون لا يعلمون ، أنّ عدّة (التوازن الاستراتيجيّ) هي : طفل شهيد أغرّ ، من مثل (محمد رامي الدرّة) ، وأبٌ مكلومٌ ، لم يستطع أن يحميَ ابنه الطفل الشهيد ، ورجلٌ شهمٌ شجاعٌ من مثل الصحفي (طلال أبو رحمة) ، أعزل إلا من ( الكاميرا ) التي يحملها على كتفه ؟!..

لماذا هبّ القوم ، لعقد مؤتمراتهم ، وقِمَمهم ؟!.. ألأنهم شعروا باهتزاز عروشهم وكراسيّهم ، وبزيف حلقاتهم المفرغة ، التي وضعونا فيها ، منذ أكثر من نصف قرن ؟!.. فهم مُذ خُلِقوا ، خُلِقَت الفرقة والدسائس ومؤامرات تقطيع الأوصال !.. فلماذا يجتمعون الآن ؟!.. ألِدَعمنا ؟!.. أم لقهرنا ؟!.. وقهر انتفاضتنا ، بل انتفاضاتنا ؟!.. وهل يجتمع هؤلاء إلا علينا ؟!.. وهل يتوحّدون إلا لقمعنا ؟!.. أم تراهم يجتمعون ، لتفعيل نظريات (التوازن الاستراتيجيّ) من جديد ؟!.. وهي في حالتنا الجديدة ، أن يصل العدوّ الصهيونيّ والأميركيّ ، إلى حالة (التوازن الاستراتيجيّ) معنا !..

(8)

إمبراطورية فلسطينية مستقلّة !..

يندهش السّاسة من مشرق الأرض إلى مغربها ، لهذه الانتفاضة المباركة ، كيف تفجّرت بهذا المخزون الهائل من الصمود ، وتحدّي غطرسة المحتلّين وعنجهيّتهم ، وهم مدجّجون بكلّ الأسلحة الفتّاكة !.. ويندهش أصحاب الحسابات الماديّة الرقمية ، والعقول المبرمَجة وفق أحدث تقنيات النظام العالميّ الأميركيّ .. يندهشون كيف استيقظت أمّة ، من المحيط إلى المحيط ، بألفٍ ونصف الألف من الملايين  الهادرة .. دفعةً  واحدة !.. حتى بات هدير الاحتجاجات الغاضبة في إندونيسية ، يُسمَع في موريتانية !.. ورائحة الأعلام اليهودية والأميركية المحروقة في الباكستان ، يشمّها مسلمو السودان !.. وصوت طَرْقات الحجارة في فلسطين ، يُسمَع في كلّ العواصم العربية والإسلامية، من (طنجة) إلى (جاكرتا) !.. وهتاف : الله أكبر ، يتردّد في جنبات الكرة الأرضية وزواياها !.. فالله الله يا قدس الأقداس ، ويا أقصى المسلمين .. كلّ المسلمين ، يا لسحر فِعلك الصاعق ، الذي عجزت عنه كلّ النظريات والتنظيرات !.. فهاهو ذا (شارون) الأحمق ، يقصّ الشريط الحريريّ ، لمرحلة عودة الأمة إلى وعيها ، وغضبتها ، وألَقِها !.. وهاهي ذي (حطّين) الثانية قادمة بإذن الله ، وسيُبعَث (صلاح الدّين) من جديد !.. كما بُعِثَت أمة الإسلام ، بفعل دماء الأطفال ، وحجارة فلسطين .. كلّ فلسطين !.. وقبل كلّ ذلك بفضل الواحد القهّار !..

لقد زعم عرّابو (أوسلو) ، أنهم استطاعوا بناء إمبراطوريتهم الفلسطينية ، بفضل سلسلة الاتفاقيات (العبقريّة) ، التي عوّضت عجز كلّ الجيوش العربية ، في حروبها مع العدوّ الصهيوني اليهوديّ !.. وقُمِع الشعب الفلسطيني المسلم تحت شعار : (لا .. للتشويش) على منجزات (أوسلو) ، وأهل (أوسلو) .. إلى أن ذهبت (السَّكْرة) وجاءت (الفِكرة) !.. فاستيقظ الشعب الأعزل من الوهم والحلم ، ليجد نفسه ضمن جُزُرٍ مقطّعة الأوصال ، محاصَرةٍ بقُطعان التلمود ، وبجبروت الراعي الرسمي (النـزيه) ، لعملية السلام المزعوم !.. إلى درجة الترحّم على مراحل ما قبل (أوسلو) ، وما قبل تلك السلطة المزعومة ، وإمبراطوريتها الهوائية !.. وإذا رائحة الاحتلال تَزكُم الأنوف !.. ويُهدر عرّابو (أوسلو) من الكرامة الفلسطينية ، ما لم تستطع قوّة الاحتلال هدره، قبل بناء تلك الإمبراطورية الوهمية !.. تلك (الإمبراطورية الفلسطينية المستقلّة) ، التي لم يستغرق مَحْوها وإزالتها ، أكثر من ساعتين من الزمن ، وأربع طائرات (أباتشي) أميركية الصنع !.. على أيدي أجبن خَلْق الله من اليهود الصهاينة !..

يحصل ذلك كله ، ورجال المقاومة والجهاد والاستشهاد مكبّلون بالأصفاد !.. أصفادٍ فلسطينيةٍ سلطويةٍ .. مستقلّة!.. وتحت ضغط انتفاضة الأقصى المباركة ، تضطرّ السلطة للإفراج عن الأبطال ، فيحتجّ أبناء القرود ، ويحتجّ الراعي (النـزيه) لمسرحية السلام ، فتسارع جحافل إمبراطورية السلطة ، المهزومة بأربع طائرات (أباتشي) أميركية .. تسارع إلى اعتقال مَن أفرجت عنهم !.. ثم يُسجَن زعيم السلطة بين جدران مكتبه .. المستقلّ !.. لحثّه على (البصم) بالعشرة ، على طلبات مجرم الحرب (شارون) ، ومجرم العصر (بوش)!..

يتبع إن شاء الله

             

* الفَذْلَكَة - كما ورد في المعجم الوسيط - تعني : [ مُجْمَلُ ما فُصِّلَ وخُلاصَتُهُ ] ، وهي [ لفظة محدَثة ].