افهموها (بقى)
افهموها (بقى) *
عبد الله الطنطاوي
يا أهلنا.. يا أحبابنا..
هذا النظام لا خير فيه، ولا يمكن إصلاحه.. يستحيل إصلاحه، لأنه أسس على الفساد والإفساد.
هذا خلاصة رأي المناضل الكبير الأستاذ رياض الترك في النظام السوري.
ولهذا.. ينبغي أن تكون استراتيجيات المعارضة وتكتياتها غير ما هي عليه الآن.. فما هي عليه الآن لا يمكن لها أن تقدم أو تؤخر في زحزحة النظام الفاسد وأركانه عن (ثوابته) المتعفنة.. إي والله متعفّنة، وإزالة العفن لا تكون بما تقوم به المعارضة البائسة التي يضحك النظام عليها ملء أشداقه، وقد سمعت واحداً من (الأصدقاء) الرفاق اللدودين يقول:
- والله إن هذا المعارضة رائعة، وبياناتها يجب أن نعيد كتابتها بماء الذهب، لأنها تخدمنا أكثر مما تخدمنا (أي تخدم النظام البعثي) كل ما يكتب في جرائدنا (البعث، والثورة، وتشرين) وهم (أي رجال المعارضة) أفيد لنا (أي للنظام البعثي) من كل البعثيين.. وقد اقترح أحد رفاقنا على القيادة أن تمدّ هذه المعارضة بمصول الحياة، حتى تبقى حية لا تسعى لقرصنا أو لدغنا، بل تسعى لدغدغتنا ببياناتها ومواقفها التراجيدية الكوميدية (الفارس) التي تميت من الضحك، والتي تجعل واحداً مثلي من أصحاب الضمائر الرفاقية، يأسى لحالها البئيسة.
وقال الصديق الرفيق اللدود:
- سوف نبقى على قلوبكم، وفوق صدوركم، واشربوا ما شئتم من مياه البحر الأبيض، أو الأسود، أو الأحمر –سيان- فهي واسعة، ومياهها غزيرة.. ولذيذة.. ألذّ من مياه البحر الميت.
وقال لي:
- واكتب أنت يا صديقي ما شئت، وبأيّ الأسماء المستعارة تريد، وأدعوك إلى الكتابة باسمك الصريح، ولا تخف على نفسك ولا على أهلك، فكتاباتك وكتابات كل (المعارضين) مسلية لنا، نتندر بها في اجتماعاتنا وسهراتنا، وقبل أسبوع كانت لنا حفلة سمر في بيت رفيق كان من زملائك في الحزب، ثم تحوّل إلى حزبنا العربي البعثي الوحدوي الاشتراكي، ونال ما تمنى من جاه ومال، وبؤت أنت وإخوانك بالسجون والمنافي، وبالتعذيب والفقر، بل والافتقار حتى إلى الوثيقة التي تثبت هويتك وجنسيتك وحتى اسمك.
وقال الصديق الرفيق اللدود:
- تذكّرك زميلك صاحب البيت (القصر) العامر بالموبقات –حسب تعبيراتك المضحكة- ورفع كأسه ونادى:
"يا رفاق.. اشربوا معي نخب المجاهد الشيخ عبود".
وشربنا، وسأل أحد الرفاق: من هو الشيخ عبود؟
فشرح له زميلك القديم حالك بتأثر، وكان بين كل جملتين، يكرع ويعبّ من زجاجة الويسكي الذي يشربه أكثر من الماء.
وضحك صديقي وضحكت معه ضحكاً هو البكاء عينه، وليس كالبكاء.. ثم قال صديقي الرفيق:
- اعقلْ يا صديقي، وكن كزميلك القديم الذي تاب وأناب واتبع مبادئ الثورة، فلم يدع شيئاً تصل إليه يده الطويلة إلا وأخذه، وصارت له مزرعة بجانب قبر الإنكليزي (شمال حلب على طريق إعزاز) وله سيارات (شيك) والأشيك منها سيارات زوجته وأولاده، وأنت هنا –يا حرام- تناضل وتجاهد، وتجاهد، حتى لم يبق لديك ما تناضل أو ما تجاهد به، من مال أو شباب..
وعندما رآني ألتزم الصمت وأنا أنظر إليه وأتأمله، قال:
- لستَ شيخاً صوفياً، ولستُ مريداً لتؤثر عليّ بنظراتك الممتدة هذه.. نحن واقعيون، وأنت، يا صاحبي، خيالي، مثالي، طوباوي، في زمن الدولار.
ثم تحرك صاحبي الرفيق في مقعده، وتحفّز لكلام جديد وقال:
- اسمع يا شيخ عبود.. لا أنتم، ولا الغادري، ولا كل المعارضة الهزلية، بقادرين على سحب البساط من تحت أقدامنا، فنحن لسنا كذلك الغبي الرفيق صدام، ولا كأولئك البعثيين العراقيين الأغبياء.. نحن قيادة ذكية، تجيد اللعب على كل الحبال.. اسمع.. أقولها ولا أخجل، وتقولها قيادتنا ولا تخجل.. أمريكا معنا، ولن يصيبنا منها مكروه، وألف (طز) بالجولان، وبالوحدة، وبالعروبة، وبالحرية، وبالاشتراكية.. ولن ندعكم أيها المتخلّفون، تزيحوننا عن كراسينا، لتحتلّوها أنتم مكاننا.. نحن وأمريكا شيء واحد، وإذا أحسسنا بخطر ما، فسوف نستعين عليكم بكل أبالسة الأرض، من شارون، إلى بوتين، إلى بوش، إلى كل أبالسة العرب والعجم.. فافهموها (بقى) واعرفوا من نحن ومن أنتم، تريحوا وتستريحوا.
وأعتذر لصديقي الرفيق الذي طلب مني أن أنشر كل ما قاله، ولم أفعل، ولا أستطيع أن أفعل وأحقّق له طلبه بحذافيره، وأكتفي بهذا القدر، وأرجو ألاّ يتسبب هذا الكلام بحالة اكتئاب للمعارضة العتيدة، فنحن في مسيس الحاجة إليها أولاً، ولكيلا يفرح صديقي الرفيق أو يشمت.. ثانياً.
* عن الزميلة: أخبار الشرق.