أوباما ونتنياهو معاً

لا للخلاف الاستراتيجي!!

د. أديب طالب / معارض سوري

[email protected]

قال أوباما لنتنياهو: إنني أثق في شبابكم وحكمتكم! قاطعه بيبي: بوسعك، سيدي الرئيس، أن تعتمد على شبابي، أما.. "حكمتي فشيء آخر"، الجملة التي بين مزدوجين من عندنا بالطبع.

ان من قد يظن استناداً لهذا الحوار؛ أن مسار دولة إسرائيل، معاكس لمسار الإدارة الأميركية الأوبامية؛ واهم بعض الشيء، ومتسرع قليلاً في البعض الآخر. ولو قبلنا فرضاً، صحة تعاكس المسارين؛ فهل سنسمي مد اليد الأميركية لإيران أولاً، وعاشراً لسوريا وحماس.. هل نسميه توافقاً؟ من الأفضل أن لا نضيع المسافة بين الاستراتيجية والتكتيك. ومن الأفضل أكثر أن نتذكر جيداً أن ثمة علاقة بنيوية بين الدولتين؛ تكاد أن تكون وجودية بالكامل عند إسرائيل، وفائقة الضرورة للأمن القومي الأميركي السياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي، عندما قال السيد مولن رئيس الأركان الأميركي أن الأمن القومي لبلاده مرتبط بإنهاء الإرهاب في أفغانستان وباكستان ـ وبمساعدة من إيران ـ لم يكن يعني مطلقاً، أن علاقة أميركا بإيران علاقة استراتيجية. وقد يعني أن ثمة عصا في اليد اليمنى الأميركية، وأن ثمة جزرة في اليد اليسرى، ولقد فهم الرئيس نجاد ـ أكثر الإيرانيين عداء لأميركا ـ فهم التكتيك جيداً؛ فضم الى صدره بحنانه البالغ وقلبه العطوف قمة إيرانية باكستانية أفغانستانية على أرض إيران الخيرة المسالمة، وتحت شعار طريف، إذ طرحته إيران، ألا وهو: مكافحة الإرهاب والمخدرات..

أما بالنسبة للخلاف الأميركي الإسرائيلي حول المسار الفلسطيني؛ فلن يتجاوز أن إسرائيل لا تدرك جيداً وجهات النظر الأوبامية، وأنها تريد ثمناً مجزياً لذلك. ولقد حصلت على إلغاء حق العودة لفلسطينيي الشتات، والمقر دولياً فيما سلف، وحصلت على "التطبيع"، الذي لم تحصل عليه بعد كامب ديفيد وبعد وادي عربة، وكل هذا ـ لو تم ـ مقابل إزالة العشوائي من المستوطنات، وإيقاف النمو السرطاني للثابت منها، والإقرار بحل "الدولتين" من حيث المبدأ، وكلنا نعرف أن لا دولتين ولا ما يحزنون طالما أن دويلة حماستان باقية، وطالما أن الممانعة التابعة لبعض بعض العرب قائمة، تنتظر الثمن لتنقلب سلاماً موالياً بسلاسة ويسر..أين إذن تعاكس المسارين الأميركي والإسرائيلي؟ ثمة خلاف بحجم حبة القمح، وعلينا ألا نجعل منه قُبة وتزيد. الأمر الذي تفعله الصحافة الإسرائيلية المجنونة بهدف مزيد من الابتزاز السياسي لليهود خارج إسرائيل، وبهدف مزيد من الهوية القاتلة، إبنة التعصب الديني لدى اليهود الإسرائيليين، وبهدف مزيد من التعصب لدى القوميين الإسرائيليين العنصريين وزعيمهم ليبرمان المجرم، وإن فعلناها، فنحن نساعد العنصريتين اليهودية والإسرائيلية مجاناً، لممارسة مزيد من التضليل.

ورغم أن نتنياهو العدواني أكد في دفاعاته تجاه الطرح الأوبامي، على أن السلاح النووي الإيراني خطر، ليس على إسرائيل والعرب فقط؛ وإنما على السلام في العالم أجمع وعلى أمن الولايات المتحدة وأوروبا معاً.... ورغم، فإن إسرائيل قد لا تتردد في اتخاذ أي إجراء مهما كان شأنه لحماية ليس أمنها بل وجودها نفسه، وهنا لم يجد السيد أوباما بداً من الموافقة على لجنة تتبع شهراً بشهر النشاط النووي الإيراني، إضافة الى أن السيد أوباما حدد أن يده ممدودة لإيران حتى نهاية العام الحالي، وإن لم تجد استجابة فستعيد النظر في طرائق الطرح الأوبامي، إذن أين هو الفرق بين الأميركي والإسرائيلي، ثمة فرق باللغة وليس في المؤدى أو المضمون، لا أكثر. ولم ينف السيد أوباما ضرورة تفاهم أميركي أوروبي عربي إسرائيلي تجاه الأخطار المترتبة على امتلاك إيران سلاحاً نووياً، ويجد السيد أوباما أن حلاً للمسار الفلسطيني، يحظى بموافقة 57 دولة إسلامية كفيل بتعزيز موقف أميركي إسرائيلي واحد من النووي الإيراني، ثمة ترابط في المسارات وترتيبها يكون من باب التبسيط والتسهيل. وما يقال عن خلاف في ترتيب سلم الأوليات؛ فممكن ألا يتحول الى قضية خلافية جوهرية. وممكن أن تتحرك مسارات السلام كلها دفعة واحدة، ولا يمنع إن اقتضى الأمر نقل بعض الملفات من فوق الطاولة الى تحتها، ونقل بعض الناس من القعود الى الطاولة الى خارجها ظاهراً. وإذا تم اعتبار المبادرة العربية أساساً لسلام شامل وعادل في المنطقة؛ وهذا مقبول أميركياً وأوروبياً وعربياً، ومحتمل قبوله إسرائيلياً إذا كفّ الحديث عن حق العودة.... إذا تم إذن، فإن المسارات تسير معاً.

أما إيران وهي جزء رئيس في الحل، لأنها جزء رئيس أيضاً من المشكلة، هذه الإيران، فأميركا الأوبامية بقفازاتها الحريرية وقبضتها الحديدية، هذه الأميركا لن تعجز عن أن تكون كفيلة بحل ما لا يحل ظاهراً، ومن كان في تاريخه النصر على النازية والشيوعية والعسكاريتاريا اليابانية.. من كان كذلك فلن تعجزه ـ سلماً أو حرباً ـ هذه الإيران، علماً أنها ليست نمراً من ورق، ان علينا أن نأخذ في الاعتبار؛ أن النووي الإيراني كما هو جزء من العقيدة الإيرانية، فإن إيقافه جزء من العقيدة الإسرائيلية، وهذا مما قد يساعد على الحل بالقدر الذي يبدو معه أنه يساعد على الحرب إن استعصت الأمور وبلغت حائطاً مسدوداً. وهي في الحالة هذه حرب مبررة عادلة، هذا إن جاز لنا أن نصفها كذلك.

ليس ثمة تعارض استراتيجي بين أميركا وإسرائيل، وعلينا ألا تركبنا الأوهام، لئلا نخسر ما لم نخسرْه بعد وهو قليل.