قضايا ساخنة، ورؤية إسلامية (1)

قضايا ساخنة، ورؤية إسلامية (1)

 

د.محمد بسام يوسف

مدخل

دأبت بعض وسائل الإعلام العربية والعالمية، على مناقشة الأحداث الساخنة في العالَم انطلاقاً من رؤىً متعددة، وقد كانت الرؤية الإسلامية شبه غائبةٍ (أو مُغَيَّبةٍ) عن ساحات الحوار، وربما يكون هذا من الأمور المتوقّعة، إما لانعدام رؤيةٍ إسلاميةٍ موحَّدة لما يجري في العالَم من أحداث، أو لأن ذلك يعكس تهميشاً مقصوداً للآراء الإسلامية، بهدف إفراغ الساحة السياسية والإعلامية -بكل ما تحمله من أهميةٍ- من قوّة التأثير الإسلامية الفاعلة، ما أفرغ الساحة تقريباً لعبث القوى الكبرى في تفسير الأحداث وتحليلها، بما يخدم وجهة النظر اليهودية الصهيونية، أو الغربية الصليبية .. الأمر الذي شكّل عبئاً نفسياً عظيماً على كل مسلمٍ في الأرض، وكان ذلك أحد أبرز مسارات الحرب النفسية الصهيونية-الغربية الصليبية، ضد عالمنا العربيّ والإسلاميّ، خاصةً فيما يتعلّق بالحملة الأميركية الصهيونية ضد الإسلام والمسلمين، تحت غطاءٍ مزيّفٍ هو : محاربة ما يسمى بالإرهاب .

تشكّل القضايا : العراقية والفلسطينية والأفغانية .. أهم القضايا الساخنة التي تَفَاعل معها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها خلال الأشهر الأخيرة، وهذا لم يعكس وحدة الدِّين والمشاعر والمصير لدى المسلمين في الأرض وحسب .. بل عكس أيضاً عمق المأساة التي يصنعها أعداء الإسلام والمسلمين لهم، وعمق الصراع التاريخيّ العقديّ بين المسلمين.. وأعدائهم بقيادة أميركة الصليبية والكيان الصهيونيّ، الأمر الذي عرّى وجه القوة الأميركية العظمى، وفضح ما تكنّه من حقدٍ دفين على ديننا العظيم، فكانت حربهم المعلنة السافرة على الإسلام عقيدةً ومنهجاً وأخلاقاً وحضارة .. نتيجةً مباشرةً لهذا الحقد الأعمى!.. وقد غلّفوا كل حقدهم ذاك بنسيجٍ من الأكاذيب والادعاءات المزيّفة، ضمن أكثر الحروب النفسية شراسةً شنّوها علينا وما يزالون!..

في ظل هذه الأجواء، نجد أنه من المهم عرض وجهة نظرٍ سياسيةٍ إسلامية، لبعض ما كان مثار جدلٍ ونقاش، من قضايا ساخنةٍ في الساحة السياسية والإعلامية، التي تمثّل في حقيقتها الساحة المهمة للحرب النفسية التي يمارسها العدوّ على الإسلام والمسلمين، مستذكرين قول الله عزّ وجلّ في محكم التنـزيل :

( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ )            

(آل عمران:173)

 

(1)

أحداث نيويورك وواشنطن، وانعكاساتها على سياسة الإدارة الأميركية

لقد حاولت الماكينة الإعلامية الغربية، إقناع المسلمين بأنّ الإدارة الأميركية تعاني من الانقسام على نفسها، ما بين مؤيّدٍ لشنّ الحرب الظالمة على العالَم الإسلاميّ باسم الحرب على الإرهاب، وما بين معارضٍ لذلك، وأنه تلوح في الأفق بوادر تغيّرٍ في سياسة الإدارة الأميركية تجاه الكيان الصهيونيّ (سلبياً) من جهة، وتجاه الشعوب المسلمة (إيجابياً) من جهةٍ ثانية!.. لكن الذي يتوجّب على المسلمين إدراكه، هو أنّ هذا التباين ليس مبعثه التغيّر في السياسة الأميركية .. فهذا التباين يعكس أمرين اثنين : أولهما : التخبط غير المسبوق في السياسة الأميركية، وكأن الإدارة الأميركية لم تَصْحُ بعد من آثار زلزال نيويورك وواشنطن !.. وثانيهما : وهو نتيجة حتمية للأمر الأول، هو الخلاف العاصف داخل الإدارة الأميركية حول تحديد الأهداف بدقةٍ ضد المسلمين، وقد عمّق ذلك الخلاف، العجز أو الفشل الذي ما يزال حليف الحملة العسكرية الأميركية على العراق العربي وأفغانستان المسلمة حتى الآن، وهذا الأمر يحصل دوماً للقيادات المتغطرسة التي لم تتعرض للهزات سابقاً، من نوع هزّة الحادي عشر من أيلول 2001م .. فكما هو معروف، أنّ الإدارات الأميركية هي التي تسبب للعالم الكوارث، وهي التي تبادر دوماً للعدوان على البلاد والأوطان والعباد في هذه الدنيا، من غير رقيبٍ أو حسيب .. أما أن تتعرض هي لذلك، وتشرب من نفس الكأس المرّة، فهذا لم تعرفه أية قيادةٍ أميركية، من عادتها ارتكاب الفظائع بحق الشعوب والأمم، كالذي يجري الآن في العراق وأفغانستان.

(2)

هل موقف الشيخ (ابن لادن) من الغرب وأميركة، هو سبب تعاسة المسلمين ؟!..

يزعم الزاعمون (أميركة والغرب وأبواقه) بأنّ كل ما يصدر عن الشيخ (أسامة بن لادن) من تصريحاتٍ وأقوال، إنما يضرّ بمصالح المسلمين، إذ أنّ أميركة والغرب يضطرّون للدفاع عن أنفسهم، أو يُستَثارون فيشنّون حرب الإبادة ضد المسلمين!.. بينما حقيقة الأمر أنّ أميركة والغرب بشكلٍ عام، لا ينتظرون تصريحات (ابن لادن) ليشنّوا حربهم الشعواء الإرهابية على المسلمين والدول العربية والإسلامية، وهذا ما أكدته الأحداث التي ما تزال جاريةً حتى الآن .. لذلك فتصريحات (ابن لادن) لا يُنظر إليها بميزان النفع أو الإضرار بالقضايا العربية والإسلامية .. فالعرب والمسلمون سيبقون عرضةً للذل والإهانة والاتهام من قبل الغرب، بتصريحات (ابن لادن) أو من غيرها، وبوجوده أو من غيره .. وقضية القاعدة وابن لادن وطالبان ليست إلا ذريعةً يتترّس خلفها الغرب وأميركة لممارسة الظلم والقهر والاستعباد على الشعوب العربية والإسلامية، بهدف تحقيق المصالح الغربية، بغض النظر عن الأسس الأخلاقية أو الحضارية أو الإنسانية.. وعلى العكس، فربما موقف الشيخ (ابن لادن) من أميركة والغرب، وما تبع ذلك من جرائم حرب ارتكبها هؤلاء .. كشف القناع عن الوجه الحقيقيّ الإجراميّ غير الأخلاقيّ لهم (أميركة والغرب) تجاه العرب والمسلمين!..

(3)

محاولات لا تهدأ، لتشويه صورة المسلمين واتهامهم بارتكاب الجرائم

يقوم الغرب وأميركة بخطواتٍ جادّةٍ لقلب الحقائق والتمويه على شعوب العالَم، بأنهم متحضِّرون مظلومون، ويعانون من الهمجية التي يمارسها المسلمون (الإرهابيون) بحقّهم!.. لذلك فهم يطالبون بعض الدول الإسلامية وغيرها في كل مناسبة، بتسليم بعض الأشخاص المتّهمين إليهم، على أنهم إرهابيون مجرمون ينبغي محاكمتهم، وخير المحاكم التي تراعي العدل هي محاكمهم الديمقراطية كما يزعمون!.. متجاهلين أنّ المجرم ينبغي أن يُقتَصَّ منه كائناً مَن كان، ومهما كانت الجنسية التي يحملها .. وذلك بما لا يتعارض مع سيادة الدول أولاً، وبالتعامل مع كل القضايا الإجرامية بمكيالٍ واحدٍ ثانياً .. ثم هل الدول الغربية وأميركة مستعدّة لتسليم كل من ارتكب جريمةً من مسؤوليها وجنرالاتها، إلى الدول التي ارتُكبت تلك الجرائم بحق شعوبها ؟!.. فأين كل المجرمين الغربيين إذن، الذين ارتكبوا الفظائع في فيتنام وكمبودية وكورية والعراق وفلسطين وأفغانستان و..؟!.. وأين الذين احتلّوا بلادنا العربية والإسلامية وابتكروا فيها جرائم الحرب ومجازرها ؟!.. وأين مصداقية أميركة والغرب من جرائم الصهاينة في فلسطين ؟!.. وإذا كانت أميركة ومعها الغرب كله، يعتبرون حركات المقاومة المشروعة للاحتلال إرهابية، واحتلال الأرض وإبادة كل أشكال الحياة عليها أمراً مشروعاً .. فأين النـزاهة ؟!.. إنه النفاق والاحتكام إلى القوّة الغاشمة وليس إلى العدل!.. فأميركة والغرب يريدون لهذا العالَم أن يسير على رأسه وليس على قدميه، وهي جريمة أخرى تُضاف إلى جرائمهم الكثيرة، التي ينبغي أن يحاكَموا عليها قبل كل الناس، وقبل أن يتشدّقوا بزعمهم المفضوح، أنهم يرومون البحث عن العدل والعدالة والقصاص والنـزاهة!..

 (4)

هدوء شعبي إسلاميّ، على الرغم من العدوان الأميركيّ الغربيّ المستمرّ

بعد الأسابيع الأولى من الحرب الصليبية الأميركية الظالمة ضد أفغانستان المسلمة ثم ضد العراق العربيّ المسلم.. صوّرت الأبواق الغربية والأميركية هدوء الشارع في الدول الإسلامية، على الرغم من العدوان العنيف المتواصل للبلدين المسلمَيْن .. بأنه دليل أكيد على تراجع تأييد الشعوب الإسلامية للمسلمين في أفغانستان والعراق، وبأنّ ذلك يدلّ على تأييدهم للحملة الأميركية الغربية ضد ما يسمى بالإرهاب الإسلاميّ، انسجاماً مع المواقف الرسمية المخزية للأنظمة الحاكمة في الدول العربية والإسلامية!.. وهذا في الحقيقة يثير السخرية والاشمئزاز من ذلك الانحطاط الأخلاقيّ والقِيَميّ!.. أما أنه ليس هناك أي ردّ فعلٍ رسميٍ، فهذا ينسجم تماماً مع حقيقة ضلوع الجهات الرسمية والأنظمة الحاكمة في معظم البلدان الإسلامية بالمؤامرة على المسلمين في أفغانستان والعراق، إضافةً إلى الاستخذاء للجبروت الأميركيّ والغربيّ .. لكن بالنسبة للجهات الشعبية، فبالعكس تماماً، هي في حالة غليانٍ شديدة، لكنها مكبوتة بالقمع والاستبداد من أنظمتها، وهي الحلقة الأخرى لهذه المؤامرة (هجوم خارجيّ واستبداد وكبت داخليّ) .. والقيادات الإسلامية لا تستطيع أن تفعل شيئاً آنياً إزاء هذا القمع والسحق الذي تعاني منه هي والشعوب، كما ليس من الحكمة بالنسبة لها أن تسكت على ذبح أي شعبٍ مسلم، لذلك فهذه الحال لن تدوم طويلاً، خاصةً إذا طال أمد العدوان على الإسلام والمسلمين، بل إنّ ما جرى ويجري سيشحن النفوس لتتحرك ضد أميركة وحلفائها ولو بعد حين، فما يزرعه هؤلاء سيحصدون منه علقماً في قابل الأيام، بشرط أن يعرف الإسلاميون كيف يستثمرون نقمة الشعوب ويقظتها الاستثنائية، ضد العدوّ الصليبيّ الغربيّ الأميركيّ، الذي يسعى للقضاء على كل ما يتصل بالإسلام وأهله !..

يتبع إن شاء الله