ماذا حدث للعرب

ماذا حدث للعرب؟!..

فؤاد الحاج

مما لا شك فيه أن عددا من الأنظمة العربية تحمل ضغينة تجاه سياسات الاحتلال الصهيوني وممارساته ضد الفلسطينيين، وتتعرض لضغوط شعبية لكي تفعل شيئاً.. ولكن العنصر الغالب على تحديد الوجهة السياسية للأنظمة العربية هو ارتباطهم شبه التبعي لإدارة الشر الأميركية بقيادة الغبي "بوش"..

ولكي لا نحمّل إدارة الشر الصهيو-أميركية الحالية تبعات ذلك لوحدها، يجب التذكير هنا بأن كافة الإدارات الأميركية المتعاقبة، وعلى امتداد عقود من الزمن، قد نجحت في تجويف الوضع العربي الرسمي.. على الرغم من أنها لم تتوصل إلى جعل الأنظمة العربية خاضعة للإملاءات "الإسرائيلية" مباشرة!!، ولكنها تعتبر أنها على

مشارف ذلك، وهو ما أعلن عنه أكثر من مرة على لسان (باول) و(رامسفيلد)، إن هذا "الإنجاز العظيم" بات قريب المنال!!. لذلك تبدو واشنطن غير معنية بما يصدر عن حلفائها من الأنظمة في بلاد نجد والحجاز أو في الخليج العربي أو المغرب العربي من تلك الجامعة العربية من احتجاج علني حول فلسطين والعراق!!.

وقد برز هذا التوجه الأميركي بعد 11 أيلول/سبتمبر 2001، وتم تكريسه بعد غزو العراق واحتلاله، لذلك فإن إدارة الشر الأميركية تعتبر أن الرأي العام العربي لا أهمية ولا وزن له، وليس وارداً أخذه في الاعتبار عند اتخاذ القرارات، خاصة بعد نجاح الأنظمة الحليفة لأميركا في ضرب الشارع العربي الذي استعاد بعض نبضه في الفترة الأخيرة، لأن إدارة الشر في واشنطن تعرف متى وكيف تغض النظر عن الحريات المقدسة وحقوق الإنسان طالما أن الهراوات هي جواب تلك الأنظمة العربية على مطالب شعوبها بتضامن فعال مع الفلسطينيين.

ماذا حدث للعرب؟..

ماذا حدث للعرب؟.. هل ماتت الشهامة والمروءة؟.. أم هل مات العرب ولم يعد لهم وجود؟!. إن الأحوال المأساوية في فلسطين تجعل الحجر ينطق والجبل يبكي، فلماذا لم نعد نتأثر بدموع الثكالى واستغاثات الأرامل واليتامى؟.. لماذا نتصنع العمى والصمم والخرس؟.

لم يشهد التاريخ جيشا مسلحا بأحدث الترسانات العسكرية يحارب شعبا أعزل ويهدم البيوت ويقوم بإعدام الشباب والرجال ويدمر سيارات الإسعاف والنجدة ويجرف الأرض الزراعية، والعالم كله يشهد الجريمة ويصمت صمت القبور!!.. لو حدث هذا في أي مكان آخر بالعالم لما شهدنا ذلك الصمت المريب.. ألم يحارَب العراق بحجة ضرب المدنيين من الشيعة والأكراد؟!!.. ألم يُمنع بالقوة من تحليق طائراته في الشمال والجنوب بهذه الحجة؟.. ألم يتدخل الغرب ضد يوغوسلافيا لمنع قتل المدنيين العزل كما قيل حيث تم تمزيق هذا البلد الاتحادي إلى مجموعة دول لا حول لها ولا قوة!!..

ألم يتدخل العالم ضد إندونيسيا ويرغمها على فصل شرق تيمور وإقامة كيان صغير جديد هناك بإشراف ما يسمى بهيئة الأمم المتحدة؟.. ترى لماذا لا يتدخل العرب لحماية الشعب الفلسطيني؟!! ولماذا لا تمنع الأنظمة العربية طائرات الكيان الغاصب لفلسطين من عبور أجوائها؟!.. ولماذا لم ترسل الأنظمة العربية جيوشها لوضع حد لجيش الاحتلال الصهيوني، على الأقل تلك التي أرسلت جيوشها لمحاربة العراق بقيادة إدارة الشر الأميركية عام 1991 من أجل "تحرير الكويت" كما أعلنوا آنذاك؟!!.. فأين هم اليوم من تحرير فلسطين وإقامة دولة على جزء من فلسطين المحتلة بناء لقرار التقسيم على الأقل أو كما يقولون من أجل تحرير الأراضي التي احتلت عام 1967؟!!..

لقد ظلت الأنظمة العربية تخدع الشعب الفلسطيني لأكثر من خمسين سنة حتى اكتشفت الجماهير العربية أن تلك الأنظمة لن تحرر فلسطين بل كانت تعمل في السر على تكريس الكيان الغاصب ليصبح "قطر شقيق"!!.. بحجة "تحقيق السلام القائم على العدل"!!.. ولا زالت تطالعنا وسائل الإعلام العربية حتى اليوم نقلا عن هذا الرئيس أو ذاك الملك أو الأمير كما عن رجال الدين من الجانبين الإسلامي والمسيحي كلهم يقولون "إن السلام في خطر" دون أن يشير أي منهم إلى السبب الحقيقي الكامن وراء ذلك، وكلهم يعرفون أن دعم إدارة الشر الصهيو-أميركية بقيادة "بوش" هو الذي أعطى الضوء الأخضر لاستمرار السفاح (شارون) في غيه في فلسطين المحتلة!!..

ولو أن رئيس عربي أصيل يمتلك جزءا من الحمية ومن الكرامة العربية أمر بتحريك جيش بلده أو بإعلان حالة الاستنفار على الأقل، أو أمر بفتح حدود بلده للمتطوعين لنصرة قضية فلسطين التي كانت قضية العرب الأولى دون خوف من نتائج تلك الخطوة التي لن تكون أسوأ مما هو الحال عليه الآن، حتى لو أدى ذلك إلى إعلان حرب، فإن الدول الأوروبية وغيرها ستتسابق لوقف الحرب مما سيؤدي إلى تغيير هذا الواقع المأساوي لشعب فلسطين.. وطالما أنه لا يوجد ضوء في نهاية النفق فأن الصهاينة بقيادة أميركا سيواصلون طريقهم في تهجير الفلسطينيين واستباحة الأرض والعرض!

إلى من يضعون الأوراق كلها في سلة إدارة الشر الأمريكية:

هولاكو القرن الحادي والعشرين الأمريكي أعطى الضوء الأخضر لربيبه السفاح الصهيوني لإبادة الشعب الفلسطيني وترحيله من أرضه، ويدافع هولاكو الأميركي عن جرائم الإبادة الصهيونية المنظمة في كافة المحافل الدولية ويمنع اتخاذ أي قرار في ما يسمى هيئة الأمم المتحدة ومجلسها الأمني ويمنع تنفيذ أي قرار في أي محفل دولي علنا وعلى مرأى ومسمع العالم كله، وآخرها قرار محكمة لاهاي الدولية حول "جدار العزل"!. وفي المقابل نجد الأنظمة العربية المتواطئة تلتزم الصمت وتسعى إلى زيارة البيت الأبيض لأخذ البركة والتعطف لمنحهم بعض المعونات المادية والعسكرية!!.. (المعونات المادية ربما نتفهم أنها ستقيهم العوز، أما العسكرية فلماذا وضد من ستستعمل؟! سوى لحمايتهم من غضب الجماهير.. والحفاظ على عروشهم وعدم وضع أسمائهم في سجل الدول التي تدعم "الإرهاب"!.. ترى ألم يسمعوا ما أعلنه أكثر من مرة وما صرح به (كولن باول) بأن الإجرام الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني يعتبره "دفاع شرعي عن النفس"؟!!..

اليوم نعيد ونكرر أنه بعد أن أعلن السفاح "شارون" ورقة نعي عرفات المحاصر في رام الله منذ عدة سنوات، فإننا نسمع بين حين وآخر عصبة البيت الأبيض بقيادة بوش الصغير كما من المرشح الرئاسي كيري "أن عرفات لم يعد يصلح"!!.. مع العلم أننا نعتقد أن عرفات على الرغم ما هو معروف عنه من حنكة سياسية فقد وقع فريسة خدعة كبرى من بعض المقربين منه أولاً ومن بعض الأنظمة العربية ثانياً بضغوط منها حيث قدم لقوى الشر تنازلات لم يكن يحلم بتحقيقها حتى أعتى عتاة الشر في اللوبيات الصهيو- أمريكية، وبذلك أعطى الحق للصهاينة في أرض فلسطين.. وعلى الرغم من ذلك نسمعهم يرددون أنه "لم يعد صالحا للتفاوض معه" ويطالبونه بالمزيد من التنازلات، ومن يعيد لذاكرته صوت التسجيل الصحفي الذي تم فيه توقيع اتفاقية القاهرة (4/5/1994) الذي سمي اتفاق غزة-أريحا أولاً يعرف ما هي الضغوط التي مورست وماذا قيل فيها، وكذلك من يعيد إلى ذهنه ماذا حدث خلال زيارة عرفات إلى البيت الأبيض في عهد كلينتون وماذا قالت العجوز الشمطاء (أولبرايت) يعرف نوعية الضغوط!!.. والحكام العرب يغمضون العين عن المجازر التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني ويتبارون في الهرولة إلى واشنطن لتقديم فروض الطاعة لأسياد البيت الأبيض!!. فعرفات اليوم ليس هو المحاصر وحده في رام الله، وليست سلطة حكم الذات هي التي تتم تصفيتها!!.. لأن الأمة العربية كلها تحت الحصار، والنظام العربي بكامله ينتقل من حالة العجز إلى حالة التصفية، فمن لهذه الأمة غير المقاومة الوطنية لينتشلها من هذا الواقع المؤلم؟!.

كل ذلك يؤكد أن سياسة إدارة الشر الأميركية "من ليس معنا فهو ضدنا" تعني بأن كل من لا يوافق على سياسة الصهاينة وطروحاتهم نهايته ستكون على يد الإدارات الأميركية لا يهم "ديمقراطيين" كانوا أم "جمهوريين"!!.. من هنا نتفهم أسباب جري الأنظمة العربية إلى البيت الأبيض كي لا يكون مصيرهم مصير عرفات وقبله مصير شاه ايران وغيرهم!!..

فإلى متى سيبقى العرب بحالة انعدام وزن؟ وإلى متى ستبقى القوى والتنظيمات والأحزاب العربية محشورة بين مطرقة الحكومات العربية وسندان شارع الغضب العربي؟!.

إعتقالات في أرجاء الأراضي الفلسطينية المحاصرة، حيث يقتل للأطفال والنساء والشيوخ والشباب بدم بارد.. وتقطع الماء والكهرباء عن المدن والقرى الفلسطينية المحاصرة.. وتمنع سيارات الإسعاف من نقل الشهداء أو إسعاف الجرحى.. ويتم احتلال المستشفيات، وتدمير وتفجير دور السكن، وتجريف الأراضي الزراعية والسكنية، ومحاصرة أماكن العبادة المقدسة المسيحية والإسلامية، وغير ذلك من جرائم الصهاينة التي لم تتوقف منذ عام 1948.. إضافة لمنع الإعلاميين من نقل حقيقة جرائمهم..

وفي المقابل نسمع عن مناشدات رجال الدين الفلسطينيين والقيادات الفلسطينية إلى العرب والعالم، وكلها لم تؤد سوى إلى مزيد من العنجهية والغطرسة الأميركية "راعية السلام"!.. والأمم المتحدة ومجلسها الأمني لم يصدر عنه سوى نصوص جوفاء لا تغني ولا تسمن مرفوضة علناً من الكيان الصهيوني حتى قبل أن تصدر!!..

كلام من هذا النظام العربي أو ذاك يعلن أنه يرفض ما يقوم به الوحش الكاسر (شارون) ويدعوه إلى رفع الحصار ووقف إطلاق النار!!..

نظام عربي هنا ونظام آخر هناك يرفض قطع العلاقة الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني بحجة أن ذلك سيؤدي إلى تفاقم مأساة الفلسطينيين!!.. وكأن هناك وضع مأساوي أسوأ مما هو الحال عليه يمر به شعب فلسطين البطل!!.. وعلى الرغم من المأساة المستمرة لم نجد لا رجال دين مسيحيين ولا رجال دين مسلمين ولا أية مرجعيات دينية تنادت إلى عقد مؤتمر لكل المراجع الدينية الإسلامية والمسيحية لمناقشة الخطوات العملية لوقف تلك المجازر في فلسطين المحتلة وللدفاع عن الأماكن المقدسة ومنها المسجد الأقصى وكنيسة المهد!!..

لذلك يمكن القول بأنه إذا بقيت الأنظمة العربية على موقفها الراهن، دون أن تتجاوب مع الحالة القتالية الفلسطينية أو مع غضب الشارع العربي، فأن حتمية التطور التاريخي كظاهرة متحركة لن تستثنيها.. وأن الجماهير العربية كلها فقدت إيمانها بكل رجال الدين على مختلف طوائفهم ومذاهبهم، لذلك نجد أي شخص يلبس عمامة هنا أو هناك ويدعو لصد العدوان وحماية الأماكن المقدسة في فلسطين المحتلة وإلى مقاومة الصهاينة والأميركان يجد الآلاف المؤلفة من الجماهير تؤيده!.. ورغم ذلك نقول إذا كان لا بد من دور تاريخي لرجال الدين المسلمين والمسيحيين معاً عليهم أن ينزلوا إلى الشارع ليقودوا التظاهرات الشعبية في أرجاء البلاد العربية ويدعوا الأنظمة لتغيير سياساتها ومقاومة الاحتلال في فلسطين والعراق كما حدث في بدايات القرن المنصرم في عدد من البلدان العربية؟!.. فهل هم فاعلون؟!..

وفي المقابل نجد أن مؤيدي وأعضاء الأحزاب والتنظيمات غير الدينية في تراجع مستمر لأن الجماهير فقدت ثقتها بهم لأنهم تحولوا إلى تجار كلام مثل المراجع الدينية الإسلامية والمسيحية على حد سواء!.. فمتى تعي القيادات السياسية المختلفة أننا بحاجة إلى خبرة الشيوخ وهمة الشباب؟ لأن دور تلك القيادات يكمن في العمل، في كل المراحل كما في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ العرب، على إفساح المجال أمام الشبيبة للوصول إلى المراكز القيادية في هذا الحزب أو ذاك، لأن الشبيبة هي عماد المستقبل ولكل جيل رأيه وأسلوبه في التعاطي مع القضايا المختلفة التي تصب في نهاية المطاف في خدمة الوطن والأمة، بدلاً من خسارة تلك الأجيال وانزلاقهم في متاهات اللهو والمخدرات والهروب إلى "سوبر ستار" "والأخ الأكبر" وغير ذلك من برامج الفضائيات الصهيو-أمريكية الناطقة بالعربية التي غزت الأفكار وفككت العوائل تحقيقاً لأمركة العالم؟!.

لماذا يكرهوننا؟!!..

يبدو، اليوم، كم هو ساذج السؤال الذي تظاهر الأميركيون بطرحه على أنفسهم غداة 11 أيلول/سبتمبر 2001 (لماذا يكرهوننا؟) وكأن العرب والمسلمون هم المعنيون بذلك وهم فعلاً كذلك!.

وتبدو، اليوم، كم هي ساذجة الأجوبة التي ارتأى بعض الأميركيين تقديمها ومعظمها يقول أن لا سبب عقلانياً لهذه الكراهية.

لنحاول وبسرعة أن نستعرض ما فعله ساسة أمريكا منذ ذلك الوقت.. إن إدارتهم للحرب والعدوان على أفغانستان تستحق الإدانة.. وأسلوب التعاطي مع أسرى (غوانتانامو) وأسرى سجن أبو غريب زرعت حقداً لا يمكن أن تمحوه السنين.. والتعاطي مع الحلفاء الأوروبيين، أثار حقداً أوروبياً لكل سياسة أمريكا الخارجية وعلاقاتها الفوقية مع أقرب المقربين.

إضافة للدعم المطلق والاستفزازي "لإسرائيل" رغم كل الجرائم التي ترتكب علناً ويومياً ضد أصحاب الأرض الأصليين، والأكاذيب والافتراءات ضد العراق وعدوانهم عليه عام 1991 ومن ثم فرض حصارهم البشع ضده لحوالي (13) عاماً وقصفهم شبه اليومي وإحراقهم للأراضي الزراعية وتدميرهم لمستودعات الأغذية طيلة تلك الفترة.. وسياسة المكيالين التي تكيل بها إدارة الشر الأميركية، وغزوها لباناما، وحصار كوبا، والتدخل في شؤون الدول الداخلية لدول العالم، ومحاولة تغيير النظام في فنزويلا وغيرها من الدول..

وكي لا نطيل الكلام نقول أن أي كاره للسياسة الأميركية يعاني من تخمة في الأدلة والوقائع، لا تبررها ولا بأي شكل، تفجيرات نيويورك وواشنطن التي هي صناعة أمريكية داخلية..

وللإنصاف نقول أنه بقدر ما يكره العرب والمسلمون مواقف أميركا السياسية فهم يكرهون كذلك مواقف حكوماتهم التي لا يبررها لا منطق ولا فلسفة ولا أي علم في التاريخ القديم والحديث..

al-Moharer 191
 مواضيع مهمة