العرب الهائمون في ديار الآخرين
العرب الهائمون في ديار الآخرين
د. علي محمد فخرو
عندما يتجوّّّّّّّّّّّّّل المراقب العربي في مدن أوروبا الكبري يواجه بظاهرتين مثيرتين تعكسان الواقع السياسي المريض للحكم العربي في كثير من أقطار الوطن.
الظاهرة الأولي تتمثل في المشهد الحزين للألوف المؤلّفة من
المهاجرين العرب الذين لفظتهم بلدانهم، طوعاً أوكرهاً، وهم يتجمعون في الأحياء
المتواضعة من تلك المدن حيث يعيشون عيش الكفاف والمذلة. ويا ليت السفراء العرب
الذين يستقبلون كبار المسؤولين من بلدانهم ينصحون هؤلاء بأن تعرج مواكبهم الفخمة
علي تلك الأحياء ليروا بأعينهم ما فعلت سياساتهم وحماقات بعضهم بهؤلاء الألوف من
ضحايا الحروب الأهلية والصّّّّّّّّّّّراعات العبثيٌّة والاعتداءات البوليسية ونهب
ثروات الأوطان بالباطل وهم إذ
يرون كل ذلك يا ليتهم يتذكرون المفارقة المتمثلة في وجود الملايين من اليد العاملة
الأجنبية في بلدانهم وهي تنعم بخيرات تلك البلدان التي حرم المهاجرون والمطرودون
منها إما قسراً أو عن طريق سياسات الإقصاء والتمييز والتهميش.
أما الظاهرة الثانية فتتمثل في مشهد الألوف الآخرين من
المحظوظين المترفين وهم يتجمعون في أرقي وأغلي أحياء تلك المدن، يصرفون الأموال
بسفه ويعيشون المحرمات ببلادة متناهية. هؤلاء تراهم يمشون في الأسواق والخادمات من
ورائهم يحملن بضائع الذي لا يشبع، بينما تنتظرهم السيارات الفارهة في كل الزوايا
لتنقلهم الي حياة العبث الذي لا ينتهي. هذا بينما العرب المُهجًّرون يلبسون الأرخص
والأدني ويمشون حاملين أكياساً رثة تحتوي علي الأرخص والأدني من حاجيات الفقر الذي
يكابدون.
كيف يستطيع وطن واحد أن يُفرز هذين النقيضين دون أن يرف
للمسؤولين فيه جفن؟ وهو وضع يكاد أن يصبح ظاهرة عربية ـ إسلامية تنفرد بها أوطان
العرب والمسلمين في عصرنا هذا. والتفتيش عن أسبابه
المفصلية ليس بالصعب، بل هو باد للعيان يتمثل في حكم الأقلية المستبدة للأكثرية
الخاضعة، إن لم نقل الراضية.
فهذه الأقلية بممارستها للحكم خارج العدالة وحقوق العباد هي
التي فجرت الصّّّراعات الداخلية والحروب الخارجية، وهي التي حكمت بالبطش والسجون
والتعذيب، وهي التي وأدت الحريات، وهي التي نهبت الثروات. وهي بالتالي التي اضطرت
النازح للهجرة طلباً للسلامة لنفسه وعائلته، والعاطل عن العمل للذهاب
هائماً علي وجهه يطلب الرزق والسٍّتر، والمفكر المحتاج للحرية
الابتعاد بنفسه
عن تدخلات الجهلاء وقصيري النظر. وهي نفسها التي سهّلت للبعض من
المتعاونين
معها أو الساكتين عن ظلمها في اقتناء ثروات هائلة، عن طريق
الهبات والأنظمة
الإدارية الفاسدة، يصرفونها في حياة البذخ الذي أصبح صفة ملاصقة
للسائحين العرب
في بلدان الأرض كلها.
وهكذا يجد العربي الذي خرج في إجازة قصيرة
ليبتعد مؤقتاً عن هموم وآلام وأحزان الحياة في بلاد العرب، يجد نفسه أمام مظاهر بؤس
الحياة السياسية العربية التي فاضت الي خارج الوطن العربي لتملأ الكرة الأرضية
كلها. السؤال الملح هو فيما إذا كان العرب سيخرجون من حلقة الاستبداد الجهنمية التي
يدورون في فلكها ليل نهار، قرناً بعد قرن، أم أنهم يفضلون الأخذ بما قاله شاعرهم
المتنبي الأشهر حين
أكدْ في نشوة القبول بالذل:
فما في سطوة الأًرباب عيب
ومافي ذلة العبدان عار