معركة الأمعاء الخاوية
معركة الأمعاء الخاوية
|
رمضان عمر |
لا يفصلنا عن سنا الشموخ العبقري سوى عالم ملائكي غريب من المد الأسطوري في معركة الموت الشريف ... ولا يثقل- منا- الكواهل سوى بون شاسع يبعدنا عن مسارح العزم والسؤدد؛ فنرى أنفسنا نكرع القذى في دعة العيش، وعمالقة التحدي يشمخون فوق الجراح هناك في الغيهب اليوسفي حيث يقبع الموت بجلاله الرهيب ولعبته العتية المؤلمة خلف ستار الظلم المتراكم... خلف ديجور السحق والتعذيب تشرئب أعناق مؤمنة صائمة .. تتحدى بصومها الكفاحي المتواصل كل سياسات الإذلال والتغييب وتقف على عتبة الانكسار والهزيمة صارخة في كل مذاقات العيش الذليل :
لا تسقني ماء الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس الحنظل
وكيف يقاس فضل الحنظل المسعف في لحظات الردى في سد حاجة المفجوع لو أدركه الهلاك مع اختيار فصل من فصول لعبة الموت البطيء ، وأي موت وفي أي مكان!! .
كلا وألف كلا لا يستوي المسير في صحراء النقب القاحلة مع بضع لقيمات يقمن أودك ، وقليل من القطرات يشفين ظمأك ثم تخلد لنوم قد يأتيك أو لا يأتيك فتتامل في سماء صافية تكون لك لحافا وأرض قاحلة تكون لك مهادا وبين ان تشق لك طريقا عتية في دهاليز سحيقة تسرج عتمة الليل-فيها- من دمك ولحمك وتدفع في غير دعة ضريبة العز لا ضريبة الملل في خندق جهادي متقدم أسوة بنبيك يوسف وإمامك أبي حنيفة وقائدك العز بن عبد السلام .
شتان شتان، بين صحراء النقب وسجن النقب ، شتان شتان بين من عقد نية الصيام في الصباح الباكر فأعد السحور وأيقظ اهله فأكل مما لذ وطاب ثم قضى يوما ينتظر فيه مساءا يأتيه بفطور لا كأي عشاء يتلوه سمر وحلوى وشراب وطرب وبين معركة الأمعاء الخاوية معركة الموت حيث يشتد الصراع والصداع ويطير النوم مع رابع يوم وتأتي التساؤلات والتداعيات والعجز والكسل وخمول الهمة .
الإضراب المفتوح صراع عنيف بين الإرادة وفتنة الطعام والشراب ، وأرضه صحاري الأمعاء القاحلة فوق جدباء النقب وعزل نفحة وعفن هدريم ؛ حيث لا نبات ولا ظل ولا معين على البلوى غير الله . الإضراب المفتوح جبهة اسطورية متقدمة مع الحقد الصهيوني الدفين، والتأمر العالمي اللعين.
الإضراب الذي نتحدث عنه لا يمكن وصفه بمقامرة عبثية تلفعها وشاحات سنمائية اسطورية تدبلج في هوليوت لتفبرك مثالية لبطل اسطوري شكلي في روايات دكنز أو ترجل ايلنت أو قصة الين بمبرد ونظرية الشهيرة في العيش وسط البحار .
الإضراب المفتوح يعني فتح معركة شرسة عدتها الموت مع اعداء لا يرقبون في اسير إلا ولا ذمة و لا خلقا ولا أعراقا ولا قوانين انسانية، ولكنه إعلان لنمط جديد من يو توبيا ) التسامي على الجراح والقفز عن الهموم الذاتية ونوع من التطوير الإبداعي لطبيعة الخطاب السياسي حينما تنعدم السبل التقليدية وتوصد الطرق الرسمية أمام هؤلاء العظام من أن ينالوا حقهم الطبيعي في الحرية والعيش الكريم فتصبح المعادلة غير التي ارادتها دولة النكران والقيد؛ لأن الحرة في عرف كل مناضل تموت ولا تأكل بثدييها
ومن هنا الإضراب من خلال هذه الطبعة الثورية التمردية نوع من الإبداع السياسي في ربط الداخل بالخارج مهما ضاقت حلقات القيد وعلت أسوار التعتيم ليصل هذا الصوت المخنوق المعزول في زنازين القهر في عزل الرملة والنقب ومجدو وعزفر وحواره ونفحة وما أدراك ما سجن نفحة ، سجن نفحة هذا الذي افتتح في قلب الصحراء وبهندسة إجرامية خبيثة ، وعندما افتتح خضع إلى عملية تجريبية تنبؤك عن حقيقة وضعه وفضائع سره ؛ حيث قام خبراء الإجرام بوضع مجموعة من المواشي في احدى زنازينه لمعرفة مدى قدرتها على التكيف مع مناخه الصحراوي القاسي حيث الطقس المتقلب من الحار جدا إلى البارد جدا، ويحتاج الأسير في فصل الشتاء أن يلبس كل ما لديه من لباس ويغرس نفسه تحت كومة كبيرة من البطانيات قد تتوفر له وقد لا تتوفر ليبدأ بعدها بمقارعة البرد الشديد والرجف الأشد واسطكاك الأسنان وقرص الأطراف وأن له بعدها أن ينام .
معركة الأمعاء الخاوية تذكير للأمة حتى تقوم بدورها العاجل والمسئول تجاه شريحة واسعة من خيرة شباب الأمة؛ فالمتواجدون في سجون الاحتلال ينيف عددهم عن سبعة ألاف وهذا العدد قابل للزيادة والنقصان ؛ لأن عملية الاعتقال اليومية مستمرة حيث تجاوز عدد الذين اعتقلتهم سلطات الاحتلال منذ 28 من أيلول 2000 أربعين ألفا
معركة الأمعاء الخاوية تذكير للأمة بحقيقة ما يجري في سجون الاحتلال وتحت سوط الجلادين في أقبية التحقيق حيث الشبح المتواصل والهز العنيف والمنع من النوم ومن قضاء الحاجة والصعق بالكهرباء والتعرية من الملابس والضرب والركل والشتم .
معركة الأمعاء الخاوية تذكرنا بقادة لنا أعزاء وبأسماء طال غيابها ( علاء الدين البازيان 24 عام في زنزانة مظلمة ) و( سعيد العتبة اعتقل عام 1978) و ( نائل البرغوثي اعتقل 78 ) و( ماهر يونس أعتقل 83 ) و( سمير القنطار اعتقل 79) و ( محمد أبو طير أمضى 23 عاما في المعتقل ولا يزال معتقلا ) ومحمد أمين الرازم اعتقل عام 81 ) و ( وحسن سلمة اعتقل عام 82 ) و ( عثمان علي مصلح اعتقل عام 82 ) و ( كريم يونس اعتقل عام 83 ) وأكرم منصور اعتقل عام 79 ) و ( ومحمد محمود ابراهيم 80) و ( وفؤاد الرازم اعتقل عام 80 ) وكلهم حكم عليهم بالمؤبد ولا يزالون في غياهب السجون.
معركة الأمعاء الخاوية تذكرنا بالأطفال المعتقلين والنساء المعتقلات بالعائلات المعتقلة كعائلة الشيخ سعيد بلال الذي يعاني من مرض السرطان اللعين وأولاده الخمسة يقضون فترة السجن المؤبد في عزل الرملة وشطة ونفحة وهيدوريم حتى عبادة الضرير لم تغفر له هذه الإعاقة البصرية.
فألف مرحى إلى صناع مجد العزيمة .. أساتذة التمرد الإبداعي في وجه سياسات الإجحاف ولا سقى الله أوردة لا ترق لأكباد نازفة وأمعاء خاوية نبحث عن لذة العيش الهنيء لأمة ديست كرامتها ومرغت عزتها فباتت تستجدي من عدوها هواء تتنفسه وأديما تطؤه ، ألف مرحا لكم يا صناع الحرية وأعانكم الله وخفف بلاءكم وجعل صبركم على الجوع والألم في ميزان حسناتكم وفك قيدكم بإذنه فهو على كل شيء قدير