نانسي عجرم و المحجبات
نانسي عجرم و المحجبات
أمير أوغلو
البارحة عرضت الفضائية السورية حفلة للآنسة المحترمة نانسي , وأنا عادة لست من المتابعين للفضائية السورية لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها هنا, ولست من محبي الفن الهابط الجديد الذي ابتلتنا به الفضائيات العربية , ولكن استوقفني في هذا الحفل لباس الآنسة المحترمة والذي لن أصفه في هذا المقال حتى لا يتحول إلى مقال جنسي ممنوع من النشر على أكثر المواقع وفي أكثر البلدان .
عندما تحولت الكاميرا إلى الصالة تبين لي أن الحفل منقول من مطعم من مطاعم دمشق العامرة يتسع لحوالي مائتي شخص وربما أكثر والمطعم ممتلئ تقريبا بالزوار أو هذا ما ظهر من التصوير , ما أدهشني حقا ودفعني لكتابة هذا المقال هو نوعية الجمهور الذي كان يحضر الحفل , فعلى كل طاولة كانت هناك إمرأة محجبة أو أكثر وبعضهن حتى تحمل طفلا صغيرا على يدها وبجانب كل امرأة محجبة رجل يبدو على الأغلب أنه زوجها أو أخوها أو أبوها .
كل المحجبات تقريبا كان حجابهن هو الحجاب التقليدي الشامي السوري وليس مجرد قطعة قماش تغطي نصف الرأس أو ثلثه , أي أنهن بحسب العرف السائد هناك من النساء الملتزمات , وهذا في الحقيقة ما زاد من عجبي .
ماذا تفعل هؤلاء النسوة مع أزواجهن في مثل هذا الحفل ؟ هل دخلت عليهن نانسي فجأة دون سابق إنذار أم أنهن دفعن الكثير من المال أيضا لرؤيتها ولعرضها على أزواجهن ؟ إذا كان نظرالمرأة المحجبة وجلوسها في مثل هذا الحفل جائزا فما حكم وجود زوجها معها ؟ وماذا سيكون حالها مع زوجها بعد هذه السهرة الممتعة وهل سيقارن بينها وبين الآنسة نانسي وما هي نتيجة المقارنة يا ترى ؟ لقد شاهدت بعض المحجبات الحاضرات في الحفل أيضا يصفقن ويتمايلن مع تمايل المغنية على المسرح وكأنهن يردن أن يثبتن لأزواجهن أنهن قادرات على فعل ما تفعله الراقصة المغنية المتخلعة أمامهن , ولكن مع الفارق أن المرأة المحجبة تفعل ذلك أمام الآخرين وهي تمثل بحجابها شيئا ما وتوجها ما ودينا ما , فما هو هذا الدين الذي تمثله هذه المحجبة ولماذا ترتدي الحجاب أصلا إذا كان الحجاب الذي هو رمز العفة والطهارة لا يردعها عن ارتياد مثل هذه الأماكن وعن مشاهدة مثل هذه الخلاعات وعن ترك زوجها يزني بعينيه أمامها ؟
قد تقول بعضهن إن زوجي أكرهني على الحضور معه , ولكن الحال الذي كان سائدا في الحفل كما وصفته من قبل يكذب هذا القول وقد تقول بعضهن : وهل الأفضل أن أترك زوجي ليذهب وحده أو مع رفاقه دون رقيب أو حسيب فأقول لها نعم دعيه يذهب بعد أن تنصحيه وتذكريه بالله والحساب بين يديه بعدها سيكون هو مسؤولا عن نفسه وعن عمله ؟ وماذا غير ذهابك معه يا سيدتي ؟ ألم تحسي بنفسك وكأنك شيء ملقى على الكرسي بجانبه مقارنة بالتي دفعت مالك لرؤيتها مع زوجك العزيز أو على الأقل ألم يكن هذا شعور زوجك وهو يقارن بينك وبينها في أعماق نفسه ؟ وأنت أيها الرجل المؤمن الذي أصر على الزواج من امرأة محجبة ألا تشعر بمسؤوليتك عنها وعن بيتك وأبنائك فتقوم باصتحابها مع أولادك وبناتك إلى مثل هذا الحفل ؟ ماذا سيفعل أبناؤك من بعدك إذا كانت هذه هي القدوة أمامهم وهذه هي حدود الحلال والحرام ؟
أنا أعرف أن في سوريا وفي كل بلاد الإسلام محجبات صادقات مؤمنات هن مثال لكل امرأة طاهرة في الكون ترتفع الواحدة منهن لتعدل بعلمها وعملها وورعها أفضل رجال الأمة وقد تتجاوزهم أيضا بمراحل , ولكن هذا المنظر البارحة أجج في نفسي سعار نار كانت تضطرم كجمرة في أعماق فؤادي وفتح جروحا كان لابد من الحديث عنها فالظاهرة لها دلالات وهي ليست فردية ولا خاصة ببلد أو بفئة أو بشعب .
إن التطور السريع الذي يمر به الإسلام في بلادنا العربية , وتحَوُلَ الدين الإسلامي إلى مظاهر واستعراضات وبرامج فضائية واستشارات تلفونية وهذا الزخم الديني الذي يطالعنا من الفضائيات على اختلاف أنواعها ومشاربها وأهدافها له كله هدف واحد واضح تمام الوضوح لمن فهم هذا الدين وفهم خطة العدو لإضعافه ومحاولة القضاء عليه , هناك دين جديد يرسم له الإعلام الغربي ويحققه الإعلام العربي وهو دين بلا حدود ولا ثوابت ولا ضوابط يقول فيه من يشاء ما يشاء يتعلم فيه الناس التطاول على العلم والعلماء بحجة إبداء الرأي والرأي الآخر , يفتقد فيه الناس الموجه والمربي والمعلم وأسلوب العلم والتعلم , يركز على تناقضات العلماء ويدس السم في الدسم , هذا إذا كان هناك دسم أصلا , ويظهر أناسا ويرفعهم لفترة ثم يهوي بهم في مدارك الفضائح الإعلامية المدروسة </
هذا التوجيه الجديد بدأت آثاره تظهر للعيان , والمصيبة أننا نسمي هذه الآثار صحوة إسلامية, إمعانا في استهزائنا بهذا الدين واستهزائنا بأنفسنا , فأعداد الشباب التائب العائد إلى المساجد كثيرة والحمد لله وأعداد المحجبات في ازدياد والحمد لله والزوج أصبح يشترط في امرأته أن تكون محجبة والحمد لله , والفتاة أصبحت تشترط في خطيبها أن يكون مصليا والحمد لله . ولكن ماذا بعد الحجاب والصلاة والصيام وحضور جلسات التلفزيون الإسلامية الممتعة والمسلية ؟ هذا هو السؤال الذي يطرح نفسه ؟ هل نذهب إلى حفلة لنانسي أم شيرين ؟ هل نشاهد فلما أمريكيا أم نتابع سوبر ستار ؟ هل نشارك في انتخاب ملكة جمال مصر أم لبنان ؟ وهل نشارك في سوبر ستار بيروت أم سوبر ستار الكويت أم العالم العربي ؟ وهل تذهب المرأة لتمثل الإسلام في برنامج ستار أكاديمي أم يذهب الرجل ؟
لقد بدأنا نفقد التوجه حتى داخل التيار الإسلامي , وحتى داخل التيار الملتزم , وقد أضاع الربان الدفة , واختلطت الأمور على الكثيرين , ولا بد من توحيد للأهداف وتحديد للأولويات وترشيد للصحوة وتقعيد للثوابت , وهذا كله منوط بعلماء الأمة وباتحاد كلمتهم ووقوفهم معا صفا واحدا في وجه هذه الهجمة الشرسة ضد ثقافتنا وحضارتنا وعروبتنا وديننا . فهل نطمع أن نرى موقفا موحدا لهؤلاء العلماء في المستقبل القريب ؟