الإخوان المسلمون وحدويون يرفضون الانفصال
الإخوان المسلمون وحدويون يرفضون الانفصال
التنظيم السوري نموذجاً
مصطفى إبراهيم عبد الله
مرت بنا ذكرى الانفصال بين سورية ومصر في 28 / أيلول / 1961 ، حيث تم إجهاض أول وحدة عربية تتم في القرن العشرين . وقد كانت الآمال بأن تتوسع هذه الوحدة لتضم دولاً عربية أخرى ، ولكن الذي حدث غير ذلك ، فلم تقم وحدة بل أصبحت هذه الدول عاجزة عن عقد أي قمة عربية على الرغم من أن القمم العربية السابقة تضاءلت فاعليتها حتى غدت قمماً بروتوكولية .
نعود بسبب كتابة هذا المقال إلى أكثر من سنة حيث عرض برنامج الاتجاه المعاكس على قناة الجزيرة ، الذي يقدمه الدكتور فيصل القاسم ، وكان عنوان الحلقة " مرور 70 عاماً على جماعة الإخوان المسلمين " ورغم تحيّز الدكتور فيصل ، إلا أن اللافت للنظر أن السيد حسين عودات من دمشق بسبب تهجمه على الإخوان قال : إن الإخوان المسلمين أيدوا الانفصال . فقلت في نفسي ، رغم محبتي لهذه الجماعة ، إن هذا خطأ فادح إن كان حقاً ارتكبته الجماعة ، رغم مطالعتي وقراءتي أنه جرى ما جرى بين الجماعة والرئيس جمال عبد الناصر ، وما صنع الحداد – كما يقال – والتجاوزات التي كان يحدثها الضباط المصريون في سورية فليس هناك أي مبرر للانفصال فالأشخاص تذهب ، وتبقى الوحدة ، وهذا ما أثبته التاريخ ، فرحل عبد الناصر ، ولم تقم حتى الآن وحدة رغم أنه مضى على الانفصال 39 عاماً . فأخذت أبحث وأطالع لعلي أجد الحقيقة ، فوجدت :
1- نشرت المستقبل العربي التي يصدرها مركز دراسات الوحدة العربية 3/1985 ندوة " الصحوة الإسلامية " ، التي أقيمت في تونس 29 – 30 /10/ 1984 من قبل جامعة الدول العربية ، ويهمنا من هذه الندوة قول أحد المحاضرين ، وهو الدكتور الحبيب الجنحاني :
" … ولذلك كانت الجماعة من القوى التي أيدت الانفصال … " طبعاً كان يتكلم عن الحركة الإسلامية في سورية وهي جماعة الإخوان المسلمين السوريين .
2- جاء في كتاب الإخوان المسلمون في كتابات الغربيين ، للأستاذ زياد أبو غنيمة في ص 82 " كما يلاحظ أن الدكتور ريتشارد هرابر دكمجيان في كتابه – ثورة الإسلام … الأصولية في العالم العربي . قلب الحقائق حيث زعم أن الإخوان في سورية أيدوا انفصال سورية عن الجمهورية العربية المتحدة نكاية برئيسها جمال عبد الناصر عدوهم اللدود ، والحقيقة عكس ذلك تماماً … " . ولا ننسى أن الدكتور دكمجيان من مواليد حلب 1933 وهو محاضر في معهد الخدمات الخارجية بوزارة الخارجية الأمريكية .
3- طالعتنا جريدة العرب اليوم الأردنية في الحلقة الأخيرة رقم 15 تحت عنوان أضواء على تاريخ سورية المعاصر للأستاذ الدكتور غسان حداد ، الذي أغفل فيها دور الإخوان في الوحدة ، حيث عدَّد الفئات السياسية التي أخذت تسعى لإعادة الوحدة ، ولم يذكر الإخوان المسلمين ، حيث يقول : … منذ نكسة الانفصال في 28 / أيلول / 1961 بدأت كافة الفصائل الوحدوية من مستقلة وبعثية وناصرية بالتخطيط لإعادة الوحدة ، وقد شمل التحرك أساساً :
1- الوحدويين المستقلين .
2- البعثيين : اتجاه القيادة القومية ( ميشيل عفلق – صلاح البيطار …) ، اتجاه اللجنة العسكرية – اتجاه القطريين .
3- الناصريين : اتجاه الوحدويين الاشتراكيين – اتجاه الاتحاد الاشتراكي ( أكرم حوراني ) – اتجاه القوميين العرب …
نود أن نقول بداية للدكتور الحبيب الجنحاني ، والدكتور دكمجيان ، أن يعطونا أو يدلّونا على المرجع الذي اعتمدوا عليه في رأيهم أن جماعة الإخوان المسلمين أيدت الانفصال ، ولعلهم ينشروه في صحيفة الزمان ، التي تستوعب جميع الآراء .
أخي القارئ ، سوف ننقل لك الحقيقة التاريخية
الناصعة ، وهي أن جماعة الإخوان المسلمين السوريين لم يؤيدوا الانفصال ، ولم يفعلوا
ذلك تاريخياً ، بل لقد كان موقفهم عكس ما ذكر ، حيث رفضوا وحدهم التوقيع على وثيقة
الانفصال ، لأن لديهم يقيناً بأن نهضة الأمة بوحدتها ، ويد الله مع الجماعة .
وإليك ما يؤيد هذا الكلام :
أولاً : يقول خالد العظم في مذكراته ( المجلد الثالث صفحة 202 ) ما يلي : " وأعلمني صديق لي ركبت إلى جانبه بأن قيادة الجيش ، فضلاً عن الحكومة ، يلحان على السياسيين في إصدار بيان واضح بتأييد ما جرى ، وأن المجتمعين الآن في دار الشرباتي يمثلون الأحزاب اليمينية واليسارية فيما عدا الإخوان المسلمين … وأريد أن استخلص ما جرى في هذا الاجتماع الأمور التالية :1- كان جميع الحاضرين موافقين بالإجماع على إنهاء الوحدة وإقامة الجمهورية العربية السورية …" .
ويقول في صفحة 441 من نفس المجلد " فإذا رجعنا إلى 28 / أيلول / 1961 نجد أن الإخوان المسلمين رفضوا أن يلبوا الدعوة إلى الاجتماع بدار أحمد الشرباتي ، وحيث كان جميع العاملين في الحقل السياسي مجتمعين بمن فيهم صلاح البيطار … وانتهت هذه الريب كلها إلى اليقين ، في تأييدهم عبد الناصر ، عندما أبرق العطار إلى عبد الناصر برقية تأييد وذلك غداة انقلاب 8/3/1963 " مع العلم أن السيد خالد العظم قد استلم 5 مرات رئاسة الوزراء في زمن الانفصال .
ثانياً : يقول الفريق زهر الدين قائد الجيش في زمن الانفصال في مذكراته ، ( صفحة 99 ) وفي نفس الصفحة صورة للتوقيعات : " عقد اجتماع في دمشق ضم عدداً من العاملين في الشؤون القومية … أجمع الرأي على تأييد القوات المسلحة السورية في ثورتها المباركة … والتوقيعات :
( أحمد قنبر – أحمد الشرباتي – أسعد هارون – أكرم الحوراني – بشير العظمه – حامد الخوجة – حسن مراد – خالد العظم – رشاد جبري – سهيل الخوري – صبري العلي – صلاح البيطار – فؤاد قدري – محمد العايش – نجيب الأرمنازي – هاني السباعي " ، والقارئ المطلع يعرف أن ليس بينهم أي رجل إخواني .
ثالثاً : ولنعد إلى التاريخ الحديث ولنقرأ في كتاب ( الأحزاب والحركات والجماعات الإسلامية ) الذي صدر مؤخراً عن المركز العربي ، للدراسات الاستراتيجية ي دمشق عام 1999 ، الذي يرأسه الرئيس السابق لليمن الجنوبي علي ناصر محمد ، وافتتحه الرئيس حافظ أسد عام 1996 ، ورغم ما جرى بين الإخوان والحكومة السورية عام 1980 لم يمنع سطوع الحقيقة ، حيث جاء في صفحة 263 من المجلد الأول : " الإخوان والانفصال والناصرية : حدث الانفصال السوري في 28 / أيلول / 1961 ، ووقعت على وثيقته جميع الأحزاب السياسية في سورية ، باستثناء الإخوان المسلمين الذين عارضوه منذ اللحظة الأولى … ولم يتمكن خالد العظم هذا الإقليمي السوري أن ينتزع أية إشارة من العطار ضد عودة الوحدة ، بل عارض العطار محاولة الشيخ مكي الكتاني رئيس رابطة العلماء الذي كان من أوائل مؤيدي الانفصال لتشكيل حركة تضم الإخوان وبعض السياسيين وأرباب الفعاليات الاقتصادية ضد الناصرية ، مع أن هذه الرابطة شبه إخوانية … شاركت بعض قيادات الجماعة عملياً في التنسيق السري مع الأجهزة المصرية ضد الحكومة الانفصالية … ومن هنا استمرت ( صحيفة اللواء ) بالصدور إثر ثورة 8 / آذار / 1963 ، ولم يشمل قانون العزل السياسي ، الذي أصدره الفريق لؤي الأتاسي ، رئيس مجلس قيادة الثورة ، قادة الإخوان بوصفهم قوة وحدوية أي معادية للانفصال … "
بعدما بينا سابقاً ، كل هذه الوقائع الحقيقية ، فهل من الإنصاف والمروءة أن تنقلب الحقائق ، وتُشوّه الصورة على غير حقيقتها ؟ ولمصلحة مَن قلب الحقائق وهذا التجاهل ؟ هل هذا يخدم الوحدة العربية ؟ لمصلحة من يطالعنا بين الحين والآخر من القوميين كلما تم التقارب بين الإسلاميين والقوميين مَن يتجاهل الطرف الإسلامي ؟
ولكن من يقرأ التاريخ لا يستغرب ذلك الظلم والافتراء حيث يقول الشهيد حسن البنا مخاطباً أبناء جماعته : " إنكم ستتعرضون لمتاعب وإلى فتن ومحن ، وسوف تلصق بكم تهم باطلة ، وسوف تحاربكم الحكومات ، وتسجنون وتقتلون … " هذا الكلام مضى عليه أكثر من سبعين عاماً .
وفي الختام نقول لهؤلاء المتحاملين كما يسميهم الإمام الشهيد ، ويقول لهم : ( وإما شخص ساء فينا ظنه وأحاطت بنا شكوكه وريبه ، فهو لا يرانا إلا بالمنظار الأسود القاتم ، ولا يتحدث عنا إلا بلسان المتحرج المتشكك … فهذا ندعوا الله لنا وله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ، وأن يلهمنا وإياه الرشد . ندعوه إن قبل الدعاء ونناديه إن أجاب النداء ، وندعوا الله فيه – وهو سبحانه أهل الرجاء – ولقد أنزل الله على نبيّه الكريم في صنف من الناس : ] إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء [ القصص . وهذا سنظل نحبه ونرجوا فَيْئَه إلينا واقتناعه بدعوتنا ، وإنما شعارنا معه ما أرشدنا إليه المصطفى e من قبل : " اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " .