تعريف برابطة الأدب الإسلامي

تعريف برابطة الأدب الإسلامي

إعداد نعيم الغول 

في الوقت الذي يرى بعض الذين ينطلقون من مواقع تمتزج فيها الطائفية الغريبة على بلدنا الحبيب بالتوجهات اليسارية التي فقدت معناها وصارت ضربا من الرجعية التي كان يعيب  أصحابها الآن على غيرهم بها، تقوم رابطة الأدب الإسلامي بدور الداعم والداعي إلى المحبة والتآلف بين الإنسان وأخيه الإنسان دون النظر إلى لونه وعرقه ولغته وجنسته.

ولئن برز فرد  يدعو إلى حل الرابطة معتمدا على  نظرة دفينة في قلبه مفادها أن الاسم له مدلولات دينية ،وانه يسوغ لاتباع الديانات الأخرى العمل بالمثل فان من الحق القول إن طرح الحل لا يخطر بالبال إلا على من كان يعاني من مشكلة . والرابطة لا تعاني من مشكلات أبدا. فالحضور يفوق دائما ما عليه الحال في مؤسسات ثقافية أخرى. ولا توجد صراعات داخلية تحول وعمل الرابطة ؛ فلجانها تعمل وتنجز دون توقف على عكس غيرها ممن عطل فيها الموتورون عمل الجادين المخلصين ، ولا يوجد فيها طرف خسر مواقعه ،أو يخشى أن يخسر مواقعه فيقوم بالتخريب على أعمال الرابطة. كما أن ارتباطات أعضائها راسخة بهذا البلد وولائها وانتمائها له لم ولن تشوبه شائبة فلم يعرف عن أي عضو أن وقف مدافعا عن بلد آخر لمصلحة خاصة كان قد حصل عليها من نظام ما ،كما أن أعضاءها معروفون من خلال الأوساط الثقافية والأكاديمية الجادة التي لا تنتمي إلى قبائل تدعي الثقافة وتمارس القهر والقمع والكبت ضد أقلام أخرى لأنها لا تنتمي إلى هذه القبيلة أو تلك. وبالتالي فان وصول إبداعات أعضائها وتبوئهم مراكز ثقافية هنا وهناك لم ولا يستند إلى دعم نظام من الأنظمة، لان الرابطة وأعضائها هم مواطنون منتمون ، ولا يبيعون ولاءاتهم من اجل حفنة دولارات أو مقود سيارة ولا منصب في أي مكان في العالم.

ومن زاوية أخرى ما الذي يمنع أن تكون هناك رابطة أدب مسيحي ويهودي وسيخي ؟ هل يعني ذلك تشرذما وطائفية أم تنوعا جميلا وتعددية ادعى إلى الاحترام؟

لقد رأينا الفن الشركسي الرائع وسمعنا موسيقاهم الجميلة التي تخلق في سامعها حماسة الفروسية. ورأينا أدبا قدمه مسيحيون عربا كان رمزا للإبداع المبني على دعوة خلقية رفيعة ورص للصفوف، وان كانوا لم يسمونه أدبا مسيحيا فلأنهم اختاروا ألا يسمونه ولو فعلو لرحب بهم الجميع ،لأن العبرة ليست في تسمية الأدب بل في مضمون رسالته التي يقدمها. فان كان أدبا إسلاميا يحض على الطائفية البغيضة التي تشتم من المواقف المعادية لرابطة الأدب الإسلامي فبئس الأدب هو. وسيكون الرابطة وأعضاؤها والأردنيون والناس (الأسوياء) جميعا ضده. وان كان معبرا عن خصوصية وتنوع وينطلق من محبة ودعوة إلى التالف والسلام والمحبة فمرحبا به أدبا يلم أبناء البلد الواحد والأمة الواحدة والإنسانية كافة.

إن الناظر إلى  النشاطات الإنسانية كافة من أدب وفن وسياسة وعمل اجتماعي ليجد أن الوضع السليم هو أن تعبر كل فئة وكل جماعة وكل قومية عن خصوصيتها،  وان قمع تلك الخصوصية لا يختلف عن القمع السياسي. إن نسبة الاسلامي إلى ألدب أو الفن أو النشيد أو الأحزاب لا يعني  إقحاما لشء خارجي غريب على أي من هذه الأمور بل إنه يحدد المنطلق في كل منها. ولنا أن نسأل ألا توجد موسيقى أردنية ومصرية وخليجية وإفريقية وصينية ؟ ألا يوجد أدب أمريكي وأدب روسي ؟ ألا يوجد أدب رجعي و أدب تقدمي ؟ أدب شوفيني وأدب إنساني؟  ألم يكن في حقبة الاتحاد السوفيتي الهالك ما يسمى بالأدب الاشتراكي وكان أذنابه في عالمنا العربي يروجون له كأنه من ثمرات إبداعهم الخاص؟ ألا يوجد رقص غربي وشرقي؟ ألا توجد عمارة إسلامية ومسيحية وصينية ؟ ألا توجد أحزاب ديمقراطية مسيحية تحمل ذات الاسم؟ إن التقسيم والنسبة موجودان بصورة طبيعية ،ولا يُلتفت إليهما إلا حين يأتي من لا يجد ما يقول في زاوية صحفية مُرهِقَة لمن جفت الينابيع لديه ولم يبق في قاعها إلا ما ترسب  من غل لا مبرر له فبات يجتر ما كتبه منذ سنوات ويبصقه كل سنتين أو ثلاث حين يطمئن أن الناس نسوا ، أو لكأني به يعرف أن أحدا لم يعد يقرأ ما يكتب فيعيد عرضه لعل أحدا يخطئ ويقرأ ما يظل يعتمل في الصدر.

ولمثل هذا نقول  ما اجمل أن ينام المرء وقلبه منشغل بالمحبة للناس كافة لا يمنعه عن ذلك إلا  فعل اقترفته يد حمراء بشعة لا تطيق النفس مصافحة صاحبها مع علمها انه ممن لا يرعوي. وما اجمل أن يمد يدا بيضاء نقية تتعاون على ما فيه المصلحة للناس ، ولا تنبش عما يفتت ويفرق. فالأ سرة في هذا البلد واحدة، ومتماسكة فَلِمَ نحسد أنفسنا ونثير البغضاء بيننا؟ولهذا أرى أن الحل ليس في حل الرابطة التي كما قلنا تزدهر ولا تعاني من المشكلة، بل الحل في ان يجلس هؤلاء مع أنفسهم جلسة هادئة ويسألوا أنفسهم لماذا يقبلون أية تسمية دينية أو سياسية أو قومية أو وطنية  لأي شيء آخر ويصيبهم مرض جلدي حين يذكر الإسلام؟ أين نمضي بإرث القرون الطويلة من التعايش والمحبة في وطن ضم الجميع كما يضم الجفنان بياض العين وحدقتها وماءها ؟ ماذا يتطلب منا أن نفعل كي نزيل هذا الصدأ العالق في قلوبنا الذي ما كان ليكون لو كان فكرنا، وتطلعاتنا ومبادئنا إنسانية، أو لو كنا أمناء حقا لأفكارنا ومبادئنا. فمن عاش مناضلا ضد التعصب والقمع هل يتحول في أيام ذبوله وخفوت ضوء سراجه إلى أداة قمع وإثارة أحقاد . لا أظن اللهم إلا إن كان الخَرَفُ قد زحف.

أسوق هذه المقدمة الطويلة لأبين أن رابطة الأدب  الإسلامي هي امتداد لدعوة الإسلام النبيلة لمد الجسور بين الناس على كلمة سواء، وعلى مبادئ أخلاقية، وقيم نبيلة موجودة في الأديان كافة وخاصة في الدين المسيحي الذين أهله اقرب الناس مودة للمسلمين . قيم يرجى لها أن  تنعكس في أدب يدعو إلى الإيمان لا الإلحاد ، وإلى الفضيلة لا الرذيلة ، ويحث الإنسان على أن يدرك موقعه في هذا الكون، وموقعه من أخيه الإنسان ،ويعبر عن آماله وطموحاته ومعاناته وشواغله بضوابط  هو ينضبط بها فعليا في نشاطاته الأخرى. نعم هذا ما تعنيه إضافة كلمة إسلامي إلى الأدب. أي الأدب المنضبط بضوابط إسلامية وليس المنفلت لا باتجاه الفوضوية والحرية البوهيمية  والإلحاد والانحلال ، ولا باتجاه محو الآخر أو الانتقاص منه، وهو ما سيتضح من جملة الأهداف التي نسردها لاحقا في هذا التعريف.

نشأة الرابطة

مر إنشاء رابطة الأدب الإسلامي بمراحل عديدة. فقد بدأت فكرة راودت أذهان عدد من الأدباء الإسلاميين من مختلف الجنسيات، ثم بدأت تتجسد في لقاءاتهم التي بدأت عام 1980 حيث قرروا تكوين هيئة تأسيسية لدراسة جوانب وأبعاد الفكرة ، ومراسلة الأدباء في سائر الأقطار الإسلامية. بعد ذلك دعا الشيخ أبو الحسن الندوي رحمه الله إلى ندوة عالمية للأدب الإسلامي في مدينة (لنكو) بالهند عام 1981 حيث تمت التوصية بإقامة رابطة عالمية للأدباء الإسلاميين. أعقب هذه الندوة ندوة حوار حول الأدب الإسلامي عقدت في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام 1982، ثم ندوة أخرى للأدب الإسلامي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في عام 1985.

وقد انبثقت عن الهيئة التأسيسية لجنة تحضيرية تولت  في 24/11/1984 الإعلان عن قيام رابطة الأدب الإسلامي. في عام 1986 دعت الهيئة التأسيسية إلى المؤتمر العام الأول للرابطة  فعقد في جامعة ندوة العلماء في (لكنو)  بالهند. وفي هذا المؤتمر وضع النظام الأساسي للرابطة وانتخب مجلس أمنائها كما انتخب الشيخ أبو الحسن الندوي  رئيسا للرابطة وتم الترخيص الرسمي للرابطة في مقرها الرئيسي آنذاك في مدينة( لكنو ) ثم نقل إلى مدينة الرياض التي تحتضن أيضا مقر مكتب البلاد العربية.  ويرأس الرابطة حاليا  الدكتور عبد القدوس أبو صالح.

نشأة الرابطة في الأردن

بمباركة من سمو الأمير الحسن بن طلال بعد لقائه بالشيخ أبى الحسن الندوي  أقيم مكتب إقليمي للرابطة  في عمان  بتاريخ 27/2/1989واستضافت مقره  مؤسسة آل البيت إلى حين توفر مقر خاص بالرابطة وذلك بعد أن حصل على الموافقة المبدئية من وزارتي الثقافة والشباب والداخلية وحصل على الترخيص القانوني من وزارة الثقافة بتاريخ 11/2/1996 .

أهداف الرابطة

تهدف الرابطة إلى تعريف الأدباء الإسلاميين على اختلاف لغاتهم وأجناسهم بعضهم ببعض ليتعاونوا  ليكونوا قوة إسلامية سلاحها الكلمة الأصيلة الملتزمة بالإسلام. وتهدف كذلك إلى تأصيل نظرية الأدب والنقد الإسلاميين، ورسم منهج إسلامي مفصل للفنون الأدبية الحديثة من قصة ورواية ومسرح، وتحقيق مبدأ عالمية هذا الأدب، وإعادة كتابة تاريخ الأدب الإسلامي من وجهة نظر إسلامية، وتوضيح صلة الأدب الإسلامي الحديث بالأدب القديم . وهناك أهداف أخرى  تتعلق بتشجيع فئات وقطاعات هامة كتشجيع أدب المرأة المسلمة والشباب والأطفال. ولعل أهم الأهداف هو التصدي للدعوات الأدبية المنحرفة والمشبوهة التي تسعى إلى دس مفاهيم علمانية. وأخيرا تهدف الرابطة إلى الدفاع عن حرية الفكر والتعبير بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية.

مبادئ الرابطة

يتعلق المبدأ الأول بتعريف الأدب الإسلامي: فهو التعبير الفني الهادف عن الإنسان والحياة والكون في حدود التصور الإسلامي لها. والمبدأ الثاني يتعلق بالالتزام النابع من الالتزام بالعقيدة الإسلامية ورسالة الأدب الإسلامي جزء من رسالة الإسلام. والثالث ان الأدب من طرق بناء الإنسان الصالح والمجتمع الصالح وهو وسيلة للدعوة إلى الله. والرابع أن الأدب الإسلامي يساهم في إنقاذ الآمة الإسلامية مما هي فيه. والخامس أن الأدب الإسلامي قديم جديد وكما شارك في المعركة ضد كفار قريش يساهم حاليا في محاربة أعداء الإسلام والفضيلة من علمانيين وشواذ ومنحرفين. والسادس انه أدب الشعوب الإسلامية كافة وخصائصه تجمع خصائصها الفنية المشتركة. والسابع انه يقد يعكس التصور الإسلامي للإنسان والحياة .والثامن انه لا يقر بقطع الصلة بين الحديث والقديم تحت أية دعوى. والتاسع انه يرفض من المذاهب الأدبية ما يخالف التصور الإسلامي ويرفض الأدب العربي المزور والنقد الأدبي المبني على المجاملات المشبوهة أو الحقد الشخصي كما يرفض لغة النقد التي تتعمد الغموض و تفشو فيها مصطلحات دخيلة ورموز مشبوهة ، فهو يدعو إلى نقد واضح بناء. وأخيرا لا يرفض الأدب الإسلامي أي جنس من الأجناس الأدبية ولكنه أيضا يوازن بين الشكل والمضمون ويعتبر الأخير دالة الشكل ومناط الأداء الملائم. (1)

المفاهيم الأساسية

هناك عدد من الأسئلة تطرح دائما حين الحديث عن الأدب الإسلامي ومن أهمها: كيف نميز بين أدب إسلامي وغير إسلامي وبين أديب إسلامي وغير إسلامي ؟ وهل يضيق الأدب الإسلامي حرية الأديب ؟ وهل يمنعه من خوض غمار التجارب الأدبية ؟

  ربما كان هناك نوع من الاختلاف في تعريف الأدب الإسلامي وحدوده وبالتالي في وضوح نسبة هذا الكاتب أو ذاك إليه، ولكن هذا الاختلاف قد انتهى لدى معظم الملتزمين بتعريف الرابطة للأدب  إسلامي، ولدى معظم نقادها بعد أن انتهى الأمر إلى تقسيم النتاج الأدبي وفق تعريف الرابطة له إلى الأقسام المتمايزة التالية وهو ما أطلق عليه بعض النقاد نظرية الدوائر الأربع:

1)     دائرة الأدب الإسلامي وهو الأدب الذي ينطبق عليه التعريف السابق للأدب ، إذ يجمع بين فنية الشكل وبين الالتزام الأدبي مع صدور الأدب عن التصور الإسلامي السليم. وهذه الدائرة لا تقتصر على ما يسمى بأدب الدعوة بل تتسع لتشمل أي موضوع يدور حول الإنسان والحياة والكون، وقد تتجاوز الحياة الأولى إلى الآخرة وقد ترقى من المخلوق إلى مناجاة الخالق سبحانه وتعالى.

2)      والدائرة الثانية وهي دائرة الأدب المباح وهو أدب لا يخالف التصور الإسلامي وإن لم يلتزم به. وتتسع هذه الدائرة للأدب الجمالي المحض أو لأدب التسلية والترويح عن النفس.

3)      وأما الدائرة الثالثة فهي دائرة الأدب الذي يخالف التصور الإسلامي ويعد التصدي له من أول واجباته ومهماته لأنه أدب العقائد والمذاهب المنحرفة عن الإسلام ، أو أدب العبث الهدام، أو أدب الجنس والانحلال، أو أدب الحداثة الفلسفية المدمرة لا أدب الحداثة بمعنى التجديد في المضمون والشكل.

4)      وهناك دائرة رابعة أيضا تشمل ما يسمى بالأدب "الموافق" وهو الأدب الذي يوافق قيمة إسلامية أو إنسانية سامية، ولكن قائل هذا الأدب ليس مسلما ، فتأتي الموافقة هنا من باب الفطرة أو من باب شمولية الأدب الإسلامي للقيم الإنسانية الرفيعة.(2)

ولعل في هذا التقسيم إجابة على التساؤلات التي طرحها الدكتور عز الدين المناصرة رافضا بها مصطلح " الشعر الإسلامي" (وبالتالي الأدب الإسلامي) من حيث ظنه أن ما يحدد إسلامية الأدب هو الموضوع بصفته دعوة عقائدية مما يجعله يستوي مع غيره من الدعاوى العقائدية كالشعر القومي والشعر الطبقي. إذ إن من الواضح أن الأدب الإسلامي لا يتعامل مع الموضوع من حيث انه ترديد للمقولات الإسلامية دون النظر إلى درجات الفنية (أو درجات الشعرية في حالة الشعر) بل يدعو إلى المواءمة بين الشكل والموضوع. وإننا لنا أن نسأل كما سأل الدكتور : كيف نسوي بين شعر يتمتع بدرجات شعرية متفوقة ومضامين هابطة وبين شعر آخر يضارعه التفوق الفني ويختلف عنه في إنه يبرز قيما إنسانية سامية  لا يختلف على سموها وضرورتها اثنان ذوا قلب سليم؟ إن الجواب الصحيح في رأيي يجد مستقره في  مبدأ الملاءمة بين الموضوع والشكل وهو ما يدعو إليه الأدب الإسلامي. وتعمل على تحقيقه رابطة الأدب الإسلامي(3)

وإذا عدنا إلى تعريف الأدب الإسلامي كما ارتضته رابطة الأدب الإسلامي وهو :" التعبير الفني الهادف عن الحياة والإنسان والكون وفق التصور الإسلامي لها"  سنجد أن الأدب الإسلامي لا يضيق حرية الأديب  ولا يضيق مجال التجربة ولا يحد آفاقها التي تبدأ من الإنسان وحياته لتنتهي بالكون كله كما جاء في التعريف ذاته.(4)

 إن الخلط الذي يقع لدى البعض من حيث الفهم أن الأدب بصفة عامة تعبير فني فقط ولا علاقة له بعقائد واديان وأخلاق وقيم  هو فهم علماني للأدب يفصله عن الدين فصلا قسريا . ولكن يجب التفريق بين ما يريده هؤلاء وبين حقيقة الأدب عبر العصور. لم يكن للأدب قط أن يكون  حاضنا للمشاعر والأفكار والآلام والتجارب الإنسانية بغرض التغيير أو التعبير لو اقتصر الأمر على مجرد القفز في فضاء لغوي تصويري. دون مضامين تلهب الوجدان الإنساني لن تفلح كل الحركات البهلوانية اللغوية في الوصول إلى شيء. ومما يدل على أن القول بانفصال الأدب عن الدين ما هو إلا وهم نبت في أذهان بعض جيوب العلمانية العربية التي تتلقف بألسنتها المصطلحات والمفاهيم المستوردة "أن الأدب الإغريقي الذي يعده البعض قمة الآداب الإنسانية قام عليه المذهب الكلاسيكي وكلنا يعرف أن الأدب الإغريقي قائم على عقيدة  الإغريق الوثنية المبنية على تعدد الآلهة والصراع بين الإنسان وبين الآلهة وبين الإنسان وبين الكون" (5) وفق التصور الديني الإغريقي. والأمثلة على ذلك ارتباط المسرح الإغريقي القديم بالطقوس الوثنية ومن بعدها كمسرحيات سوفكليس و اريستوفان واسخيلوس وهناك ملحمتا هوميروس. ثم انظر إلى الأدب الإنجليزي القديم ، وانظر كذلك إلى الرومانسية التي قامت على المسيحية مما جعل الأدب الغربي حتى اليوم مطبوعا بالطابع المسيحي بدلا من الطابع الوثني.(6) وباختصار لا ينفصل الأدب عن الأيديولوجيا مهما كانت تسميتها.

شمولية الأدب الإسلامي

يظن البعض أن الأدب الإسلامي هو أدب الوعظ المباشر ولا غير ذلك. ويظنون أيضا أن أسلمة الأدب تعني إلغاء كل الآثار الأدبية العربية وغير العربية، وهذا مفهوم قاصر  للأدب الإسلامي الذي ينطلق من التصور الإسلامي. والتصور الإسلامي تصور شامل لشمولية الإسلام الذي شمل جميع نواحي الحياتين الدنيوية والأخروية . وهو تصور متوازن لتوازن نظرة الإسلام للإنسان التي جمعت بين المادة والروح. والتصور الإسلامي لا يأخذ جانبا من الوجود ويدع جانبا كما في المذاهب الأدبية الأخرى. (7)

ويقودنا هذا إلى مفهوم الأدب في التصور الإسلامي :

" إن الأدب أو الفن المنبثق عن التصور الإسلامي أدب أو فن موجه بحكم أن الإسلام حركة تجديد وترقية مستمرة للحياة فهو لا يرضى بالواقع في لحظة أو جيل، ولا يبرره أو يزينه لمجرد أنه واقع ، فمهمته الرئيسية هي تغيير هذا الواقع وتحسينه والإيحاء الدائم بالحركة المنشئة لصور متجددة من الحياة. كذلك ليست وظيفة هذا الأدب او الفن هي تزوير الشخصية الإنسانية  أو الواقع الحيوي وإبراز الحياة البشرية في صورة مثالية لا وجود لها إنما هو الصدق في تصوير المقدرات الكامنة أو الظاهرة في الإنسان والصدق كذلك في تصوير أهداف الحياة اللائقة بعالم من البشر لا بقطيع من الذئاب."(8)

رابطة الأدب الإسلامي والمرأة (9)

لأن المرأة - على قدم المساواة مع الرجل- لبنة هامة من لبنات المجتمع كان من أهم المبادئ التي قامت عليها الرابطة:

"تشجيع الأدب الذي يهتم بقضايا المرأة المسلمة وتشجيع نتاج الأديبات المسلمات."

فمنذ تأسيس الرابطة عام 1984 وافتتاح مكتبها الإقليمي في عمان 1989 انخرطت المرأة الأديبة  في عضويتها ولم تكتف بالمواظبة على حضور اللقاء الأدبي الأسبوعي الذي تقيمه الرابطة حتى اليوم بل شاركت في كافة أنشطة الرابطة.

وللأديبات الإسلاميات واقعهن الأدبي ،كما لهن منشورات مطبوعة ومشاركات في الصحف والمجلات الدورية. ولم تكد تمر مناسبة لم تعتل الأديبة الإسلامية  المنصة لعرض نتاجها الأدبي على الأدباء والشعراء والنقاد مما كان له مردوده الإيجابي في رفع المستوى الأدبي لنتاجها واكتسابها الخبرة.

ولقد أقامت الرابطة سبعة مؤتمرات أدبية دولية في كل من الهند وتركيا والمغرب و مصر بواقع مرة كل ثلاث سنوات. و شاركت المرأة في جميع هذه المؤتمرات من شتى أقطار البلاد الإسلامية بما فيها الأردن. ولم يقتصر نشاط المرآة ومشاركتها على اللقاءات والمؤتمرات العامة للرابطة ،بل تعدى ذلك إلى عقد أول مؤتمر خاص للأديبات المسلمات في القاهرة عام 1999 تحت رعاية رئيس جامعة الأزهر الدكتور عمر هاشم وشيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي. وقد شارك عن الأردن خمس أديبات إسلاميات هن: الدكتورة الباحثة والعضو المؤسس في الرابطة سميرة فياض الخوالدة والقاصات :نافذة الحنبلي وهيام ضمرة وخولة العناني وتغريد أبو الرب. وقد أقمن عددا من اللقاءات الأدبية على هامش المؤتمر وكن خير سفيرات للأردن وللأدب الإسلامي الأردني في هذا المؤتمر الذي شاركت فيه زميلات لهن من المغرب والجزائر وموريتانيا ومصر  واليمن والسعودية والهند وباكستان وتركيا وغيرها من البلاد العربية والإسلامية. وكانت غالبية المشاركات أكاديميات مشهود لهن بالكفاءة في جامعات بلادهن. وقد نال المؤتمر تغطية إعلامية جيدة من محطات التلفزة المصرية والفضائيات العربية والصحف اليومية والأسبوعية والمجلات الدورية العربية إلى جانب التغطية الإعلامية الأجنبية.

وهناك عدد من أديبات رابطة الأدب الإسلامي في الأردن فزن في عدة مسابقات أدبية عربية ودولية منهن: الشاعرة المبدعة نبيلة الخطيب التي فازت بجائزة أغنية الطفل في الأردن مرتين متتاليتين وفازت بالجائزة الأولى عن ديوان للشعر في مسابقة رابطة الأدب الإسلامي وبالجائزة الأولى عن قصيدتها( صهوة الضاد) في جائزة البابطين. ولها مشاركات في مهرجانات محلية مثل جرش والفحيص.

وهناك الروائية والقاصة  المبدعة جهاد الرجبي التي فازت بالجائزة الأولى في مسابقة رابطة الأدب الإسلامي في الرواية عام 1993 عن رواية ( لن أموت سدى) ،و   بجائزة  الأرض المقدسة الأولى عن قصة (صوب الوطن) عام 2001 . وفازت بجائزة القصة القصيرة عن قصة ( البحار تسأم لونها) من دمشق عام 1991 وبجائزة القصة البيئية (محاكمة في الغابة) في مسابقة الجمعية الأردنية لمكافحة التلوث عام 1993.

وهناك أيضا الأديبة تغريد أبو الرب صاحبة رواية صمتا يجيء الرصاص فقد فازت بجائزة القصة القصير (الأردن).

وكذلك الأديبة هيام ضمر الناشطة الاجتماعية والعضو في هيئات اجتماعية و ثقافية و فكرية مثل منتدى الوسطية للفكر والثقافة و جمعية العفاف ونادي صديقات الكتاب الثقافي. ولها عدد كبير من المعالجات والكتابات الاجتماعية والثقافية والنقدية المهمة منشورة في الصحف والمجلات والمواقع الأدبية على الإنترنت. وكان من بين جهودها تنظيم أول نشاط لعرض أدب الطفل بإشراف لجنة الأديبات الإسلاميات في الشهر الأول من العام 2004 والذي تم بالتعاون مع لجنة العفاف  الخيرية بحضور عدد كبير من الأطفال. وكان في هذا النشاط قراءات من قصص لجهاد الرجبي ونردين أبو نبعة وشعر لنبيلة الخطيب وأدارت ة هيام ضمرة حوارات مع الأطفال لتعزيز القيم الإيجابية التي نحرص عليها كمجتمع أردني.

وبادرت لجنة الأديبات أيضا إلى إقامة نشاط أدبي نسوي في الشهر الثاني من العام 2004 بهدف إشراك الأديبات الواعدات الإسلاميات وعرض إبداعاتهن جنبا إلى جنب مع الأديبات المتمكنات.

إن رابطة الأدب الإسلامي بموقعها ومبادئها وأهدافها ونشاطاتها نابعة من وجدان المجتمعات العربية والإسلامية الغائرة في التاريخ وهي الأمينة على الثقافة  العربية والإسلامية واللغة العربية أمام محاولات التغريب المحمومة والعمياء في آن واحد. والرابطة عنصر من عناصر خلق الشخصية الإيجابية الفاعلة في كل مجتمع تعمل فيه لأنها تنهج منهج الاعتدال والصدق ولا تقحم نفسها في قضايا تفتت الجهد العربي والإسلامي بعيدا عن قضايا الأمة المصيرية التي تقف الرابطة قلبا وقالبا معها.