دعوة إلى الاعتراف بالآخر قبل الحوار معه

دعوة إلى الاعتراف بالآخر قبل الحوار معه 

علاء الدين ال رشي

[email protected]

حكايتنا مع الآخر والحوار معه تحتاج إلى فرصة أكثر لاكتشاف مساحة مضيئة تنتقل بنا من حيز التصورات والانفعالات والسلوكيات التصفوية والتشهيرية إلى تفكير أكثر مسؤولية وحكمة يؤمن بان الآخر مهما تباين عنا فهو من حكم الله في الحياة وضرورة لإثراء ذواتنا, وتنمية قدراتنا, وتحفيز مواهبنا وبعد هذا الإيمان بقداسة الآخر نكلله بالحوار معه والتبادل السلمي للأفكار والاعتراف بضرورة وجوده.

 إن الحوار مع الآخر هو ثمرة لقناعة فكرية بأهمية الآخر وهو سلوك يدل على تحضر القائمين عليه .

 ولذلك فان أي خطوة تسبق إيجاد قنا عات_ وليس مداهنات أو مواقف آنية تدعو إلى الحوار _فلن يكون هناك أي   جدوى من هذه الدعوات   فقبل الحوار لابد من الاعتراف بالآخر  .

فجذر مشكلتنا ليس في التأكيد على أهمية الحوار وإنما في رؤيتنا للأخر الذي نحن في قطيعة متعددة المظاهر معه فالآخر لا نعترف به إلا في حالات اضطرارية لا اختيارية   وبشكل (بانورامي ) مخيف ومفزع فمن اختلف عنا أيدلوجيا فهو بالتأكيد إما أصولي متزمت أو علماني متفلت وحتى بين أبناء الدين الواحد فالآخر المختلف معنا في تفسير النص الديني فلابد أن ينال حظه الوافر ونصيبه من مفردات قاموس الشتائم الديني التي تبدأ (بالاعتزال وتمر بالفسوق والضلال وتنتهي بالتكفير ) وفي أحسن الحالات نتجاهل هذا المختلف عنا ونهمشه .

وأما الآخر ممن اختلف عنا بيولوجيا في_ التكوين العضوي_ فهو من أكثر أهل النار موردا وهو مصدر الشهوة والفتنة والإغواء فأغلب الذكور ينظرون إلى المرأة كأنها مفردة جنسية وحسب لا تقرأ حروفها إلا على السرير وكذلك نظرة الإناث   إلى الذكور محكومة بالموروث الشعبي الشهير لا أمان للرجال.

و في حياتنا الفكرية لم نتعود البتة على شئ اسمه الآخر فرأينا صواب مئة بالمئة يحتمل وجود الخطأ ولكن ما أندره والنادر كالمعدوم فلاخطأ إذا عندنا وأما الآخر فرأيه خطأ مئة بالمئة قد يحتمل الصواب ولكن لا وجود للصواب لديه وبهذه المعادلة فلا آخر في عقلنا لانتفاء الحاجة إليه ولكونه مخطئا أصلا.

كما أن مظاهر العجز في التعامل مع الآخر تتعدى حدود المشهد الاجتماعي والفكري الى السياسة   فالمعارضة يعترف بها في محاكم أمن الدولة حيث هي عناصر تخريب وإرهاب

 والسلطات تعترف بها المعارضة بأنها وحش ينبغي قتله

 ويتحول البلد الكبير الى حلبة صراع دموية يدفع ضريبتها المجتمع بأسره

 وهكذا العنف سيد الأحكام في التعامل مع الآخر الذي نختزل علاقتنا به بالثنائيات القاتلة (مع أو ضد ) أو تلك الثلاثية الخادعة إلا أنها سلوكية واضحة الهوية في تعاملاتنا (وافق أو نافق أو فارق )

ولو انتقلتا في نظرتنا إلى رؤيتنا للآخر ولكن خارج نطاق بلادنا وحدود العالم العربي والإسلامي

 فالآخر هو من تسيطر على مخيلتنا في كثير من الأحيان أنه سبب هزائمنا ونكباتنا وسرقة خيراتنا وهو شر مطلق لاخير فيه ومستبيح بكل ما تعني هذه الكلمة من الدلالات

كما ان الآخر في الخارج لا يسلم من وجه عابس كالح   ويد طويلة تدميرية وفكر إقصائي قهري نقابله به

  ويغذي هذه التوجهات المأزق الكبير الذي وقع فيه الإنسان العربي اليوم فوعيه بالآخر تطحنه لقمة هاربة معيشية وسلطة سياسية باطشة فالحالة الاجتماعية اليوم من فقر وانتشار البطالة والأمية الفكرية حولت وعيه بالآخر الى ارض خصبة للتصورات الساذجة والمضحكة يمليها عليه القهر السياسي الذي يقبض على أنفاس الشعوب ويحبسها في  إعلام مزيف مأجور للسلطة  يحشو  عقول الجماهير بالحديث عن المآثر والمناقب الخالدة للقائد وللمسيرة وللمنجزات والأمن والاستقرار ولكن عندما ينتقل هذا  الإعلام الموجه  المزيف الكذوب   للحديث عن الآخر فالأمر مختلف تماما فالآخر في ذاكرة شعوبنا العربية محتل ومغتصب ولعنة حلت من السماء وعلينا أن نقاطع  بضائعه وأن نهجر وده.

 هكذا يرسخ إعلام  الكثير من الأنظمة العربية مفهوم الآخر لدى  شعوب المنطقة .انه موجود ليقتلنا أو لنقتله ليسرقنا أو لنكف يده عنا ويقوي هذه الدعايات المركزة والمكثفة والمختصرة أدعياء الثقافة ورجال الدين من أجراء السلطات التي أرادت أن تصرف نظر شعوبها إلى الآخر الخارجي  بدلا من النظر في العيوب الداخلية والقرار الذي اتخذ منذ عقود طويلة في تحويل العربي الى متفرج مشاهد مصفق لا يجيد سوى الهتاف بأمجاد الزعيم و النظر الى الآخر  الخارجي بنظرة العداء وفي سبيل تكريس هذه النظرة وتعميقها في العقل الجمعي للشعوب ألهت الأنظمة العربية الشعوب بمثقفين نضاليين تغلب عليهم مسحة التهييج وإثارة العواطف .

 كما نلحظ نتيجة لهذه الهيمنة الإعلامية والتزييف المتتالي   أن علاقة المثقف بالشعوب تزداد عمقا واطرادا   كلما تهجم وانتقد الآخر ونعته بشتى الشتائم وعزى إليه أسباب تخلفنا وارتكاسنا ولكن في المقابل نجد   هذا المثقف ينام ملء جفونه على أخطاء الداخل والمقابح الكبيرة والذنوب والمعاصي السياسية ويصحو ليحدث الناس عن فظاعة سجن أبو غريب ويغرق الناس بفتوح و أمجاد الماضي والحضارة التي ولت ويغمض عينيه على الانتهاكات المتواصلة لأبسط حقوق الإنسان في الوطن العربي وأن بعض السلطات العربية جلست تضحك على ما سمي بفضيحة سجن أبو غريب حيث تجاوزت هي هذه الخطوط وزادت عليها بكثير ويكفي لو أن قناة عربية تفسح لأي معتقل رأي عربي ليحدثكم عن أهوال تفوق بكثير ما عرض علينا .

ان الغرب لن يقيم لحوارنا معه أي وزن ما لم ننجح نحن في تجسير الهوة والمعافاة من الندوب الكثيرة والقبيحة في مسرح حياتنا واذا نحن نجحنا في هذا فسوف يمكن أن يحترم الغرب حوارنا معه ويمكن أن يقيم للحوار معنى وقيمة.