حصاد المسلمين
حصاد المسلمين
الدكتور الشيخ: علاء الدين زعتري
www.alzatari.org
خطبة الجمعة في جامع أبي بكر الصدِّيق – حلب سورية
اتقو الله عباد الله، واعلموا أن مشروع الشرق أوسط يقتحم المنطقة نهاراً جهاراً، بعد أن كان يحاول التسلل خفية وإسراراً.
نعم إنه الشر أوسط الجديد، ولا تلوموني فلم أخطأ في الكلمة، فغياب قوة الإيمان المسلمين قد أسقطت في طريقها (قاف) الشرق فأضحى المشروع (الشر أوسط).
يا أمة الحق والآلام متى يعود إلى الإسلام مسجده أكلَّ يوم يُرى للدين نازلة |
مقبلة
|
متى تفيقي ونار الشر متى يعود إلى محرابه عمر وأمة الحق لا سمع ولا بصر |
تستعر
عباد الله: يقول تعالى: (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز؛ الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، ولله عاقبة الأمور )[الحج/40-41].
فيا أمة الإسلام أفيقي، ومن غفلتك فانتبهي، فلينصرن الله نصراً عزيزاً لِمَن ينصر دينه، ويؤيد شريعته، ويعمل بكتابه ويتبع سنة رسوله.
وفي المقابل يكون الخزي والعار، والذل والهوان لِمَن يهمل شريعة الله.
هذه سنة الله في عباده الذين ارتضوا لأنفسهم الإسلام.
إخوتي في الله: يعيش المسلمون اليوم زمناً عصيباً، ووقتاً دقيقاً، وجرحاً مميتاً، وألماً فظيعاً، وجراحاً مذففة، وجثثاً متفحمة، وسيارات مفخخة، وأشجاراً مقتلَعة، وبيوتاً مهدمة، وأسراً مشردة، وأطفالاً ميتمة، ونساءً ثكلى، وقد لا تسعفك الكلمات في القواميس عن وصف حال المسلمين التي لا تُسر صديقاً، ولا تجعل العدو حاسداً؛ مشاكل تستهدف الأمة بتدمير مستقبلها، وتدنيس حاضرها، وتغييب ماضيها.
ويأتي السؤال: فماذا نفعل، ومن المنقذ، وما سبيل النجاة، ما درب السلامة مما نحن فيه؟.
أقول: لا خلاص للأمة إلا بانقيادها لكتاب ربها، واتباع سنة نبيها محمد صلى الله عليه وسلم، فلقد كُتب لهذه الأمة حين تحيد عن الشرع أن تتقلب في الإهانات والمذلات، وأن تنتقل من هزيمة إلى هزيمة.
كما كُتب لهذه الأمة حين تعتصم بحبل الله المتين أن ترتفع رايات نصرها، وتعلو أبراج سؤددها.
هذه حقيقة لا ينبغي أن تغيب عن الأذهان، ولا أن تُمنع عن سماعها الآذان، ولا أن نحجب عن رؤيتها العينان.
فلنرفع الغطاء عن أنفسنا، ولنكشف الغشاوة عن أبصارنا، ولنفتح بالوعي أذهاننا، ولتكن حياتنا ملؤها التواصي بالحق والمصارحة، والتناصح في الله والمكاشفة، كفانا نكبات تجرح مشاعرنا، كفانا كوارث تهز كياننا، كفانا نكسات تسود وجوهنا.
أما يئسنا من تلمس النصر عند البشر من دون الله، ألم نتعظ من استجداء النصر من مجلس الأمن.
قتل وتشريد وهتك وحشية يقف الخيال أمامها أين النظام العالمي أما له أين السلام العالمي لقد بدا يامجلس الخوف الذي في ظلـه أوما يحركك الذي يجري لنا |
محارم
|
فينا وكأس الحادثات متضائلا ، وتمجها الأذواق أثر ، ألم تنعق به الأبواق كذب السلام وزاغت الأحداق كسر الأمان ، وضيع الميثاق أوما يثيرك جرحنا الدفاق؟ |
دهاق
قالت:
أنا أيها الأحباب مسلمة أخذوا صغيري وهو يرفع صوته ولدي ، ويصفعني الدعي ويكتوي |
طوى
|
أحلامها الأوباش ((أمي)) وفي نظراته إشفاق قلبي ويُحْكِم بابي الإغلاق |
والفساق
أضافت:
أنا لا أريد طعامكم عرضي يدنس أين شيمتكم |
وشرابكم
|
فدمي هنا يا مسلمون يـراق أما فيكم أَبِيٌّ قلبه خفاق |
أجيبت
أختاه ، أمتنا التي مدي إلى الرحمن كف تضرع |
تدعونها
|
صارت على درب الخضـوع تساق فلسوف يرفع شأنك الخَلاَّق |
كفانا استعطافاً من مجلس الأمم الظالمة، ولتعمل بإسلام ربنا الذي يبني مجتمعات وأمم عادلة.
كفانا عن كتاب الله بعيدين، كفانا عن سنة رسوله حائدين؛ فإن الحق تبارك وتعالى أرادنا أن نكون مؤمنين مؤمنين، وهو القائل: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله)[التوبة/71].
هذه موازين تـنزل الرحمات إن أردتموها أيها المسلمون، هذه مقاييس مَن يستحق الرحمة من الله إن رغبتم بها، فيا مَن تطلبون الرحمة من الله والعناية والرعاية، هل بذلتم أسبابها؟ أم تراكم زرعتم بذوراً تعطي عكس الرحمة من الغضب والنقمة؟!!
فما الرحمات الإلهية والعنايات الربانية، وكذا السخط الرباني والغضب الرباني إلا صنيع أعمالكم، وزرع قدمتموه تنتظرون حصاده، فماذا تتوقعون مما تفعلون؟
قولي بالله عليكم:
ما نتيجة إقرار الناس على الجرائم والمنكرات؟
ما نتيجة سكوت الناس عن الفواحش والضلالات؟
ما نتائج تقديم العصاة في المسؤوليات وتأخير المؤمنين والمؤمنات؟
ما نتيجة ترك الصلوات وإهمال الزكوات؟
ما نتيجة تسهيل المسكرات وتعاطي المخدرات؟
ما نتيجة سماع الأغاني الماجنات، والترويجِ للغانيات الفاسقات؟
ما نتيجة إطلاق العنان لإرواء الملذات والجري وراء الشهوات؟
ما نتيجة الركون إلى الذين فسقوا، ومداهنة الذين كفروا، وموالاة الذين ظلموا ؟
وماذا تنتظرون بعد المجاهرة بكل أصناف المعاصي والمنكرات، والفواحش والسيئات؟
إن ما تمر به الأمة اليوم ما هو إلا حصاد زرع سابق، ونتيجة سلوك ماض، والنتيجة يراها الناس بأم أعينهم:
فالأمور قد اختلت، والقيم قد تغيرت، والبركة قد نـزعت، والنقمة قد حلت، مع أن القرآن قد حوى قصة مماثلة، وحكاية معبرة عن أقوام فعلوا في الماضي ما وقع فيه المسلمون اليوم، ولكن للآسف جعلنا القرآن للموت والموتى، ولم نشعر به عملاً وسعادة وتجاه الحياة والأحياء.
اقرؤوا قول الله تعالى:( لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون* كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون)[المائدة/78].
واليوم يُلاحظ كل مسلم أن المنكرات في حياة المسلمين ظاهرة للعيان، فالزنى قد انتشر، ودور الخمر قد فشت، وقطيعة الرحم قد ذاعت، والغش والتدليس والكذب قد استفحل، والموبقات قد عمت، والفجور رائحته فاحت، والمعاصي راياتها ارتفعت، فهل يستحق النصر مَن هذا حاله؟!!.
انظروا حولكم: أما انتشر الفحش وعم الفساد!!، أما استبدلت الأغاني بالقرآن!!، أما ضُيعت الصلوات!!، أما أحييت الليالي على الماجنات من المغنين والمغنيات بدل إحياء الليالي بالقيام والركعات!!، أما أُكل الميراث ومُنع من أصحابه، وضاعت أموال الناس بالباطل؟!! فهل يتحقق نصر والحالة هذه؟!!.
أمراض وعلل، وأوبئة أوصلت إلى الشلل؛ تعصف بجسد الأمة فتضعفه، وتنخر في إيمانه فتذيبه وتمحقه، وتنال من شموخ الأمة لتلها.
وفي المنطق السليم، والعقل الرصين والفكر الرشيد: أن المريض يبحث عن الدواء، وأن المعلول يفتش عن الاستشفاء.
فوالله لا دواء للأمة إلا بشرع ربها، ولا شفاء إلا بكتاب بارئها، ومَن عرف الدواء استعمله، ومَن انتفع به نصح به غيره باستعماله.
وهذا هو أوان الاستشفاء، وهذه زمان أخذ الدواء، وهذا وقت التناصح، وميعاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله)[التوبة/71].
أيها المسلمون: مَن يأمر با لمعروف إن لم تأمروا به أنتم؟، ومَن ينهى عن المنكر إت لن تنهوا عنه أنتم؟.
ألا واعلموا أن الأمر با لمعروف والنهي عن المنكر على الطريقة المحمدية؛ بالحكمة والرفق واللين، بالشفقة والرأفة والرحمة، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، فما هو إلا دواء يعطيه الطبيب للمريض.
فلا ندعو لضرب المخطئين وإيذائهم، ولا لشتم المذنبين وسبهم، ولا لكسر خواطر العاصين وجرح مشاعرهم، ولا للتشهير بالفاسقين وتكفيرهم.
بل ندعو إلى إنقاذ الناس من الضلالة، وإدخالهم إلى ساحة الرحمة والهداية، ندعو إلى أخذ الناس بمراكب النجاة، وإيصالهم إلى بر السلامة والأمان.
فالدين النصيحة: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، ونبهني الله وإياكم من نومة الغافلين، اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.