نحــو مؤتمــر وطنـي
نحــو مؤتمــر وطنـي
أ. حسن اسماعيل عبد العظيم
حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي ( المعارض) يطرح رؤيته لضرورة عقد مؤتمر وطني شامل في سورية وموضوعاته للبحث عن مخارج للأوضاع الراهنة في سورية .
نص المحاضرة التي ألقاها الأستاذ حسن عبد العظيم الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي الناطق باسم التجمع الوطني الديمقراطي في سورية في منتدى جمال الاتاسي للحوار الديمقراطي يوم 1-5-2004 والتي أعلن في التقديم لها أنها تمثل موقف حزبه .
تمهيـــد: تحقق الشعوب والأمم ، التقـدم المتواصل ، والاستقرار والازدهار ، من خــلال مشروع وطني أو مشروع قومي ، تشارك فيـــه جميع القوى السياسية ، والفعاليات الثقافية والاجتماعيــــة وتلتف حولـه أوســع الجماهير باعتباره مشروعاً للنهوض الوطني أوللنهضة القومية ووحـدة الأمـة ..
من هنا كانت فكرة المؤتمر الوطني هامــــة و ضرورية لمعالجة قضايا و مشكلات
وطنية قديمـة و مستعصية ، و أزمة شاملة سياسية و اقتصادية و اجتماعية ، جذورها عميقة ، وقــد
تفجرت وعبـرت عن نفسها في بدايـــة الثمانينات ، و لا تـزال آثارهـا وعواقبهـــا مستمـرة حتى اليوم
على الرغــم مــن الجهـود المتواصلة والمبادرات التي تطرحها حركة المعارضــــة الوطنيـة الديمقراطيـة
بكــل أطرافها وأطيافها ، وفي مقدمتها التجمع الوطني الديمقراطي ، لحـل المشكلات ، وتفكيــــك عوامل
الأزمة ومسبباتها ، وتصفـــية آثارهـــــا ، وتجاوزها بشـــــكل نهــائي ، والالتفـــــاف إلى بنــاء الحاضر
واستشراف المستقبل ، و التأسيس لصياغتـــه لصالــح المجتمع والأمــة ، بالجهــــد الجماعي ، تفكيراً
وتخطيطاً ، و إنجازاً ، ومتابعــة ..
- 1-
إن السؤال المشروع الذي يتبادر إلى الأذهان أو يطرح هـو هل هناك من ضــــــرورة تستدعي عقد مؤتمروطني
شامل في سورية ؟ أم أن الأمورعلى ما يُـرام؟ وبالتالي تكون الفكرة والدعوة ترفاً ليس هـذا أوانه ؟ وهل هناك
فعلاً مشــكلات مستعصية على الحـل ، لم تتمكن السلطة السياسية من حلهــــا في الماضي ، ولا في الحاضر، ولا
تستطيع لوحـدها - بحكم بنيتها و تركيبها- أن تحلها ؟ مع أن حل هـذه المشكلات المتراكمة شـديــد الأهمية
على الصعيدين الداخلي و العربي و الدولي ، في مرحلة تتعرض فيه سورية و المنطقة للخطر الشــديد الذي
يهدد الوجود و المصير ذاتـه ..
الجـواب على هـذا السؤال جـاء في رسالة وجهت للسيد رئيس الجمهورية ، منذ بضعة أشـهرمن مثقفين
وسياسيين ، و ناشطين في العمل الوطني، يشرحون فيها الظـروف والأسباب التي تتطلب عقد مؤتمر وطني
على وجـه السرعة ، ويطالبونه بأخذ المبادرة في هـذا الاتجاه .
ومن الملفت للنظر، أن أجهزة الإعلام السورية لم تكـتـف بعدم نشر الرسالــة أو الإشارة إليها من قريب أو بعيد
مع أنها موجهـة لرئيــس البلاد ، وإنما عمدت أجهزتها الرقابية الى منع توزيع صحيفــــة " السفير" الشهيرة
لأنها نشرت نص الرسالة ..!
أي أن أجهـــــزة إعلامنا تصـرعلى " حجـب الشمس بالغربال " في عصرالقنوات الفضائية العابــــــرة للحدود
والأجــــــواء .
وهكـذا ورد الحديث عن الرسالـــة بعــــد فترة في حديـث تلفزيوني ، للسـيد رئيـس الجمهورية مع مندوب
قنــاة العربية .
إن الحديث عن ضرورة المؤتمر الوطني ، وأهمية انعقاده في هــذه الظـروف ، لابد أن يتضمن عرضاً مكثفاً للأوضاع السياسية ، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تتطلـب المعالجة وإيجاد الحلول ، لتكون مدخلاً للحوار والنقاش التمهيدي للمؤتمـــر قبل انعقاده ، لأن تشخيص الـــداء بشـــــكل صحيح ، يُمهــد وصف الدواء الناجع ، ولأن وعي المشكلة نصف الحل .
- 2 -
لقد كان لسوريــــة مشروعها الوطني ، بعــد الاستقلال الـــذي تحقق في 17 / نيسان 1946 وكانــــت القوى الوطنية التي ناضلت لتحقيقــه و الجماهير التي شاركــت في ثــورات عديدة ضد المستعمر، في مناطـــق عديدة كانت ملتفــــة حـــــول المشروع الوطني ، وحــــــول المشروع القومي للوحـــدة العربيــــة ، لأن سوريا الطبيعية المسماة بلاد الشام تعرضت للتقسيم الاستعمـاري باتفاقية - سايكس بيكو – بعـــد الحرب العالمية الأولى ، وجـلاء الحكم العثماني عنها .
ذلك المشروع الوطني قطعته الانقلابات العسكـرية في أجواء نكبــــة فلسطين عام 1948 ، ثم اسـتؤنف من جديد في عام 1954 بعد إســــقاط ديكتـاتورية نظام الشيشكلي ، على يـــد ائتلاف القــــــوى الوطنية الموجودة حينذاك ومن بينها حــــزب البعــث العربي الاشتراكي ، استطاع هذا التحالــــف العريض إقامـــــة نـــظام وطني ديمقراطي يقــــوم على التعدديـــة والتمثيل النيابي وفصل السلطات والتوازن فيما بينها وفق أحكام الدستور ، وأن يصمد في وجــــــه الضغوط الخارجيـــــة و مواجهـــــة الحصــار الاقتصادي والعسكـــري ، و أن يرفـض انضمام ســــورية إلى حلـــــف بغـداد ( الحلف المركزي ) والى مبدأ أيزنهاور ..
ثم استطاع ان ينقل سورية من خلال المشروع الوطني إلى آفــــاق المشـــروع النهضوي القومي للأمـة ، بتحقيق الوحدة مــــع مصر الناصرية ، في ربيــع عام 1958 ، وكان ذلــك الإنجاز خطــــوة هامة في طريق تحقيق الحلم القومي لأجيال الأمـة ، وقد أحدث متغيرات عاصفة في المنطقة أدت إلى قيام ثـــورة 14 تموز 1958 في العراق وسقوط الحلف المركــــزي البريطاني الأمريكي ومن ثـم تحريــــرالجزائــــر و المغــرب ، وتحقيـــق الاســــتقلال القومي للمنطقة ، من الوجود الأجنبي ، ومن الهيمنة الخارجية .
- 3 -
جاءت مؤامرة الانفصال على نظام الوحـــدة هجوماً مضاداً شـاركت فيه القـوى الاستعماريـة والقوى المحافظـــة والإقليمية المعادية للوحدة ، غير أن معارضة الشعب السـوري الواسـعة والعنيدة لنظـــــام الانفصال ، استطاعت زعزعة استقراره ، وإسقاطه خلال 18 شهراً ، ومع أن منطق الأمور هـو عودة الوحدة أو تجديدها ، كما طالـبت القوى السياسية والشعبيــة الواســـعة التي أسقطت الانفصال ، فإن حـــــزب البعث الذي كان أحــــــد هــذه القوى رفع شــــعار الوحــدة المدروسة والأسس ، لكسب الوقــت ، وعلى الرغم من أن محادثات الوحـدة ، أسفــرت عن
ميثاق 17 نيسان ، للوحدة الاتحادية ، وعن قــــيادة سياسيــــة تعددية في الإقليــم السـوري تضم البعث وحركــة الوحدويين الاشتراكيين ، وحركة القوميين العـــــــرب ، والجبهـــة العربيــة المـتحدة ، فقد صمم البعث على عدم الالتزام بالميثاق لاتحاد الأقطار الثلاث ، بهـــدف بناء تجربـــة البعــــــث الخاصة في سورية ، وفي غيــرها من الأقطار العربية ، لمواجهـــة تجربـــــــة ثــورة يوليــو وشــــعبية عبد الناصـرالواسـعة في سورية وعلى امتداد
الوطـن العربي ..
- 4 –
من هـذه البدايـة انطلــــق النهــج الشمولي الاستبدادي لحزب البعث ، نهـــج الإ نفـــراد بالسـلطة والاستئثار بها وإقصاء الآخـر ، والقوى الأخرى التي تحالـــــف معها من قبل ، والعمـل على بناء تجربة خاصة بالبعث ، وإقامة دولة البعث ، ويقتضي ذلـــك ، تصفية القــــوى الأخــرى مهما بلـغ حجمها أو شأنها أو دورها ، وإبعاد عناصرها وأنصارها ، من كل مواقع العلم والعمل والإنتاج من هنا انطلــــقت الخطــــــوات الأولى لتبعيث الجيش ، والتعليـم والإدارات ، والمؤسسات والجامعات والمدارس ، ولبناء المنظمات التي تمهد لذلـــك من طلائــــع وشبيبة واتحاد طلبة كمنظمات ملحقة بالحزب والنظام ، وكذلـــــــك الهيــــمنة على المنظمات الشعبيــــة كاتحاد العمال والفلاحين والحرفيين ، والاتحــاد النسائي ، ومن ثم جـاء دور النقابات العلمية والمهنيــة
للمحامين والمهندسين والصيادلة ، واتحــــــــاد الكتاب خلال أزمــة عـــام 1980 حيث تم اعتقـال قياداتها وحلها وتعيين مجالس بديلة ، وتوفيــــــر الظروف المناسبة لحصر نشاطها والسيطرة عليها .
إذن فالمسألة ليست محصورة بنهج شمولي لفرد أو أفراد داخل النظــــــــام أوالحـــزب ، وإنما هي قناعة وذهنيـة عامـة نتج عنها ثقافة خاصـة ، ونظرة عامـــة متعالية على الغيـــــر والآخـر، تتصورأنها تملك الحقيقــــة وحدها ولا تقبل الحوار ، وترفض المشاركـة ، وتريــــد الهيمنــــة والسيطرة على المجتمع وتدجينــــه ، ولا تقبل النقـد والمناقشة، والمحاسـبة ، وتعتبــرنفسها فــوق القانون والمساءلة والحساب ..
هـذه العقلية لم تبعد القـوى المغايـرة لها فكرياً وايديولوجياً وسياسياً فحسـب ، وإنما أبعدت القوى الحليفــة التي تحمـل ذات الأفكــاروالأهـــداف على المستوى الوطني والقومي ، ونفس المشروع ، إلا أنهــــا ليســـت منضـوية في حـــزب البعث ..
وقد أدى الانفراد بالسلطة وإبعاد تلك القوى ، إلى انقطـــاع المشروع القومي الــذي بـــدأ بالوحـدة النواة ، والى تحويل المشروع الوطني إلى مشروع فئــوي ضيق ، معــــــزول ومحاصـر، لايستنـد إلى حامل اجتماعي عريض حتى من القـوى الشعبيـة التي يدعي تمثيلهــا وقيادتها قــوى العمال والفلاحيـن .
- 5-
لاح في الأ فـق بصيص ضـوء ، بعد الحركة التصحيحية ، من خلا ل دعـوة قـــوى معارضة للمشاركة في السلطة التنفيذية ، ومجلس الشعب ، وفي تأسيس الجبهة الوطنيـة التقدمية وميثا قها، ونظامها الأساسي اللذين يشكلان الحـد الأدنى للتعددية، والوحدة الوطنية ، والنهج الديمقراطي ، غير أن الاصرارعلى حظر تنظيم الطلاب ومن ثم على حشر المادة 8 في مشروع الدستور الدائم ، خلافاً لمضمون الميثاق ، كان مؤشراً على استمرارتلك العقليــة الضيقة ، عقلية الإقصاء والإلغاء ، واحتكار السلطة ، وأن التغيير الذي جـرى ، ينحصر في أســـلوب التعامل مـع الآخر ، عن طريق الاحتواء والإغــراء بالمكاسب والإفساد والتفكيك بدلاً من أسـلوب القمع والاعتقـال .
وهكذا انتهت الجبهة عملياً ، بعـــد اقرارالمادة 8 من الدستــور في ربيـــع عام 1973 وانتهى دورها ، إذ تحولت إلى صيغة شكلية ملحقـة بالنظام ، وتحـت هيمنته المطلقة بما في ذلــــك الحزب ، وبدأت القـــوى السيـاسية الحية تهجـرها وتهاجر إلى صفوف المعــارضة من جديد ، واستغرق الوقـــت بضع سـنوات ، حتى تم تأسيس التجمــــع الوطني الديمقراطي في أواخرعام 1979 وجاء ذلك في أجواء بوادرأزمة وطنية حادة سببها الانسدادالديمقراطي
والاستبداد والفساد ، وتزييف الوحـــدة
الوطنيـــة ، وتزويـــر إرادة الناخبيـــن فــي انتخـــابـــات لمجلــس الشعب
والمجالس المحلية لصالح قوائم الجبهة المعينة سلفاً عبر انتخابـات شكليــة
هجرها الناخبون لعـدم جدواها ، ولم تنجح مبـــادرة النظـــام فـــي تشكيــــل
لجنة الكسب غير المشروع لوقـــف ظاهــــرة الفساد المستشرية بعـــد أ ن عجزت
اللجنة عــن التحقيــق مـــع كــبــــار المسؤولين النافذيـن ، مما أبقى
ظاهــــــرة الفساد مفتوحة ومرشحة للتصاعد والامتـــــــداد ، الى جانـــب
ظاهــــرة الاستبداد ، وإلغـــاء الحريات الديمقراطيـة وحقوق المواطنة ، في
هـــــــــذه الأجواء برزت ظاهــــرة جديــــدة ، هي ظاهــــرة العنف ،
باشرتها مجموعــــــــــــات مسلحــة متعصبة ، تمردت على السلطـــــة ، وعلى
المجتمــــع ، بل وعلى قيادتهــا السياسيـــــة أيضـــــــاً وحاولـــــت
الوصول إلى السلطة بالقوة ، ومع أن مفتاح حل الأزمة ، ومحاصرة ظاهـــرة العنف
كان ممكناً ومتيسراً ، في حـــال الاستجابة لمطالب التجمع الوطني الديمقراطي
والمطالب التي رفعتها النقابـــــات المهنيـــة ، وتتــلخص في
توفيـــرالحريات والنهـج الديمقراطي والتعددية السياسية ، وتوسيع قاعدة
المشاركـــة ، وإلغـــــــاء حالــــة الطــــوارئ وإطـــلاق سراح المعتقلين
وإلغاء القوانين والمحاكم الاستثنائية ، إلا أن الرؤوس الحامية في
الســـــــلطة ومــراكـــزالقوى أصرت على الحل الأمني للأزمـــة الضـــــرب
بيد من حديـــد ، ولم يقتـــصر عنــف الســـلـطـــــــة وأجهزتها على مجموعات
العنف ، ولاعلى تيارها السياسي فحسب ، وإنما طـــــال دعاة
الخـــــيارالديمقراطي السلمي في التغيير من أحزاب التجمع ، ومن مجالس
النقابات المهنية ، وفروعها كما طال المجتمع كله الذي غـــــــدا تحت السيطرة
الأمنية الكاملة .. وتوفرت لدى النظـــام القناعة بأنه حقق بذلك
الاستقراروالاستمرار، ولم يعد يفكر بأية مراجعــة أوعودة للحلول السياسية
للبحث عن جذور المشكلات وأسبابها وسبل حلهـا .
في ظل هــذه الظروف والأوضاع ، انعدمت الحـــــياة السياسيــــة وتوقفت ، على
صعيد أحزاب الجبهــــة الموالية للنظام وسياساته ، أو على صعيد قــوى
المعارضة ، وتيارها السياسي ، فحالــــة الطوارئ والاعتقـال ، والبطش
والتواري ، والفرار إلى المهاجـروالمنافي شملت عشرات الآلاف ، وحالـة الطوارئ
القائمـــــة والمطبقـة ، تُـشكل سيفاً مسلطاً على رقاب البشـروهي تحـرم
وتجـرم أي اجتماع أولـقـــاء ، أوحفـل ، أوتشكيل أيـة جمعيـــــة خيرية
أوأهلية ، أوتوظيف فرد ، إلا بموافقة أجهزة الأمن وإشرافها ..
وفي ظل هـذه الظروف وخلال عقدين تفاقمت ظواهر الفساد والرشـــوة والمحسوبية ،
وتجاهل القانــون وسيادته وتصاعـــد الخلل الاقتصادي والإداري ، والقضائي ،
إلى حالات غيرمسبوقة إلى المدى الذي بات يهدد النظام ذاته
مما أدى لإعطاء الإشارة إلى أجهــــزة الإعــــلام الرسمية للإشــــارة إلى هـذه الظواهر ، والى توقيـــــف بعض المسؤولين والوزراء ومحاكمتهم وإدانتهم ، ثم ما لبث الحماس المعلن لمكافحة الفساد أن توقـف لئلا يمس كبار المســـــؤولين ..!
- 6-
في بدايـة عهـد الرئيس بشار الأسـد ، وانتقال السلطـة إليه ، شعر البعض بالتفاؤل والأمل بعـــد خطاب القسم في أواسط تموز لعام 2000 ، وذلـــك من خــــــلال إشارته الواضحة للأزمــــة بجوانبها الاقتصاديــــة والاجتماعية والسياسية ، ومن خلال اعترافــه بالرأي الآخر الذي لا يمكن أن يكون سوى المعارضة الوطنية ، وإشــارته إلى ضرورة مشاركة الجميع بمسؤولية الإصلاح والتحديث والتطوير التي لا يمكن أن تقوم بها السلطة لوحدهـا .
غير أن الآمال ما لبثت أن خابت وتبددت ، بعد إغلاق المنتديات التي تأسست في عهــده ، وبعد موجة الاعتقالات والمحاكمات والأحكام الظالمة التي صدرت بحق مثقفين وعضــــــوي مجلس الشعب لتجرئهم على نقـد الأوضاع والتعبير عن آرائهم و قناعاتهم ، وأظهرت هذه الواقعـــــة مدى خطورة بقـــاء القضاء الاستثنائي ، كما أظهرت مدى هيمنة السلطة التنفيذية وأجهزتهـا الأمنية على القضاء العادي .
لم تكن واقعة الاعتقال هي الظاهرة السلبية الوحيــــدة المخيبة للآمال ، فقــد تلاها وقائع اعتقال ناشطين في حلب وإحالتهم إلى القضاء العسكري استناداً لقانـــــون الطوارئ وإصـدار أحكام بحقهم ، لمجرد نيتهم حضور محاضرة في مكان خاص ، وهم في طريقهم إليها ، ولم تتم .
وفوق ذلك يجري فصل طلاب جامعــة بسبب تعبيرهم عن احتجاج مطلبي لصدور قانــون يمس بحقوقهم ، وأخيراً وليس آخراً اعتقـــال طـــلاب من جامعــــــة حلـــب ودمشق ، بســـبب التفكيــــر في احتجاج مطلبي يتعلـــق بذات الموضوع ، وكلها إجــــراءات أمنية سلبية ، تتعارض مع الحريات الديمقراطية، وحقــــوق الإنسان ، المنصوص عليها في الدستورالسوري بنصوص واضحـة، يتم تعطيلها بحالــــة الطوارئ المعلنة باستمرار .
ثمة واقعة أخرى تتعلق بالمواطنين من الأكــــراد السوريين كادت تشعل حريقاً كبـيراً في البــيت الوطني ، اندلعت شرارته على هامش مباراة كرة قـدم قبل حصولها ، من جـراء الاحتقان والتوترالسائــــــدين في المجتمع ، بسبب تجاهل مطالب المواطنين ، والمماطلة والتسويف في حل المشكلات المزمنة العالقـــة ، وعلى وجــــــه الخصوص مشاكــــل الجنســــية والبطاقات الشخصية ، وجـــــوازات السفر ، وحقوقهم الثقافيــــة من لغــــة وعادات وأعياد وحقوق المواطنة والمساواة ، في إطـار الحرص على الوحدة الوطنية ، ووحدة التراب الوطني ، ومــع أن حركـة المعارضـــة الوطنية الديمقراطية ، ســارعت للمساهمة في بذل الجهود ووقـــف التداعيات ووأد الفتنـة ، وإعـادة الأ مـور إلى نصابها ، عبر أسلوب الحـوار، غير أن استمرار إجــــراءات الاعتقـــال والتعذيــــــب ، ومايسببه من خطـرعلى حـــياة البعض ، كما حصل ، يؤدي إلى استمرارا لكبــت والتوتـر، مالم تتم المبادرة للحلول السياسيــــة
للأزمـة سواءً على المستوى الوطني بشكل عام ، أم على مستوى المواطنين الأكــــــــراد .
- 7 -
في مناخ الأزمــــــة الوطنيــــــة الشاملـــــة التي تعيشها ســــــورية منذ الثمانينات- واستمرارها وعــــدم توفـــر
الإرادة السياسية الجدية لتجاوزها ، وتصفيــــــة ملفاتها ، بوصفها تمثــــل تحدياً داخلــياً أساسيا ،تأتي التحديات الخارجية ، القديم منها ، والجديـــــد ، كقضيـــــة فلسطين ، وقضيــــــة العراق ،ومشروع الشرق الأوســط الكبير والضغوط والاملاءات الخارجية التي تمهد لتحقيقه بما فيها ملف الإصلاح السياسي لـــــدول المنطقة ، وفي هــذا الســـياق جاء انعقاد مؤتمرين لما يسمى بالمعارضة السورية في واشنطن وبروكسل ، ومن مقررات المؤتمرين المطالبة لتطبيق قانون محاسبة سورية ، وتغيير النظام ، ومع أن المعارضـــة الوطنـية الديمقراطية السورية في الداخل والخارج أجمعت على رفض التهديدات الخارجية ، والاستقراء بالخارج إلا أنه لاينبغي التهوين من مخاطر هـذه المؤتمرات والمحاولات .
لقد أضاف احتلال العراق واقعاً جديداً يهــــــدد سورية ويشـــــكل خطـــراً جدياً عليها ، عــبرت عنـــه تصريحات المسؤولين وإقرار قانون محاســــبة سورية ، وتحريك المطالبة بإخراجها من لبنان ،وليس ضرورياً أن تنفــــذ التهـــديدات بغزو أمريكي ، كما حصل في العــــراق ، وإنما بعــــــدوان إسرائيلي مباشـــرأويستهدف القـــــوات الســــورية في لبنان ، مالم تخضع سورية تماماً لجميــــع المطالب الأمريكيــــة والإسرائيلية ، على الرغــــم من المرونـــــة الشـــديدة التي أبداها النظام بالاستجابة للكثير من المطالب الأمريكية ، ومع أن سورية بحكم موقعها بين فلسطين والعراق ولبنان في المشرق العربي ، وبحكم الدورالذي ينسجم مع هـــذا الموقع مطالبــــة بمساندة شعب فلسطين ، وانتفاضتـــه المستمرة الصامـــدة ، ومقاومتـــه الباسلــــة ، ومطالبـــة في ذات الوقت بمساندة الشــــعب العراقي ، ومقاومتـــــه العنيــدة الآخـــــذة في الشـــــمول والاتساع ، فضـــلاً عن مساندتها للمقاومــة اللبناني الوطنيـــة والإسلامية سابقاً وفي المرحلــــة الحالية ، إلا أن كثافة الضغوط الخارجيــــة وثقـــل الاحتلال المجاور في العراق وفلسطين وقدراته الاستراتيجية ، يتطـلب التعبئة الشاملــــــة ، والحشد الواسع لكل القدرات والقوى والإمكانيات وتوحيــــد الجهود الرسمية والشعبية للقــيام بهــــــذا الـــدورالمركزي ، المهـــدد بالانكفـاء والمحاصرة ، والإلغاء وفقــــدان المصداقية إذا لم يستند إلى وحـــــدة وطنيـــة عميقة ، وجبهــة داخلية حصينة لايمكن اختراقها بدلاً من ترك الأمور للتداعيات ومشاريع الإصلاح الخارجية ، التي تُـطرح في سياق مكافحـــــة الإرهاب بعد أحداث 11 أيلول 2001 والعوامل المسببة له من غياب الديمقراطية ، والانغلاق الديني ، والبرامج التعليمية ، وثقافـــة الكراهيـــــة للولايات المتحدة والغـــــرب حسب التقرير الأمريكي ، مــــع تجاهل تام لمواقــف الإدارة الأمريكيـــة ، وانحيازها الأعمى للعـــــــدوالاسرائيلي وممارساته الإجراميــــة ، وحصارها الطويل للعراق واحتلالها ، واستهدافها للسيطرة على النفط ، ومخزونه ، والعمل على إعادة تقسيم المنطقــة ، وتفتيت شــعوبها وإدماج " إسرائيل " في بنيتها ، كقوة إقليمية متفوقــــة ومهيمنة بشـــكل نهائي ، على حساب الفكــــرة القومية كرابطة جامعة ، وماتؤدي إليه من ترسيخ وشائج التضامن والاتحــــاد والوحـــدة ، وتعزيــــزعوامل قوة الأمة ونهضتهـــا .
- 8 -
قـد يُـقال انه ليس من المنطق رفض الإصلاح المطلوب ، لأنــه مشروع أمريكي ، مطروح على الاتحــــاد الأوربي للموافقة عليــــه وتبنيــه وفرضه ، على دول المنطقة ، في ظـل وضع عربي مفكك ومنهار ، إلى درجة العجز عن عقـد القمة السنوية المقررة في موعــدها بسبب الرضوخ للإدارة الأمريكية .
إن الهـــــدف من الاصلاح السياسي المطلوب أمريكياً ، ليس التغييــــــرالديمقراطي ، والاحتكــــام للارادة الشعبية وإنما هو إصلاح من نوع آخـر يصب في مصلحة التحالف الاستراتيجي الأمريكي الصهيوني ، ومحاولـــة تحقيــق نموذج على هذا الطريق ، بدأت في فلسطين بحكومـــة محمود عباس وأفشلهــــــا الشعب الفلسطيني ، بمــا يشبه الإجماع ، لن ماهـــو مطلوب منها كان الرضوخ للاملاءات الأمريكية الاسرائيلية ، بوقــــف الانتفاضة ، وضـرب البنية التحتية لمنظمات المقاومة بوصفهــــــا ارهاباً، ويجــــــري الآن العمــــل على تكــــرارالمحاولة في العراق المتعددالتكوينات المذهبية والأعراق، بالعمل على تكويـــــن نظـــــام سياسي جديـــــد قائــــم على توازنات عرقية ومذهبيـــــة ، عبر عنها مجلس الحكم الانتقالي ، والحكومـــــة التي قامـــــت على شـــــاكلته ، وكلاهمـــا يخضع لارادة الاحتلال ، ويمهد للموافقة على ترتيبات مستعدة للتعاقد معه على البقــــاء في العـــــراق لأمـد غير منظور وحماية مصالحه ، غير أن وعي الشـــــعب العراقي الشديـــــد وأصالتــــه التاريخيــــة قلبت السحر على الساحر وأسس لقطع الطريق على مخططــــــات الاحتلال وترتيباته للعراق وللمنطقة كلها .
على هـذا الأساس لم يجد مشروع الإصلاح الخارجي ومؤتمرات مايسمى بالمعارضة السورية في الخارج ترحيباً في أوساط المعارضة الوطنية الفعلية في الداخل والخارج .
وهكـذا يبقى المؤتمر الوطني في الداخل هـو الاطـار المطلوب لإحـداث نقلة نوعيـــة في الحياة السياسية ، تؤسس للمرحلة المقبلة بكل تعقيداتها ومخاطرها .
ثمة في السلطة من يستنكر الدعوة الى المصالحــــــة الوطنيـــــــة ، معللاً ذلـــك بأنه لم يحدث في سورية مايدعو للمصالحة ، فلم تحدث حرب أهلية ، كما جرى في لبنان والجزائر ، وفي ذلك تجاهل تام لما وقع في الثمانينات من خـــلال أحــــــداث العنف والعـــنف المضاد ، والتي طالت المجتمع والقــــــوى السياسية ، وحصــــــلت مجازرفي بعض المدن ، والأحياء ، وفي سجن تدمر وهناك آلاف المفقودين ، وآلاف المعتقلين الذين قضوا زهرات شبابهم في السجون ، والآلاف في المنافي ، والجميع فقدوا أعمالهـم .
ليس المقصود بالمصالحة " تقبيل اللحى " لتجاوز اعمال الثأرعلى الطريقة التقليدية، العائلية والعشائرية ، غير أن المطلوب مصالحــــــة وطنيــــــة سياسية تنطلــــــق من تجـــــاوز الماضي بعــد اســــتيعاب دروســــــه وبناء الحاضروالمستقبل ، والاعتراف المتبادل بين قــــوى الحكم ، وقوى المعارضة ، والاقراربحق الاختلاف والخلاف في الرأي ، وأهمية الحـــوار الوطني الديمقراطي وغير ذلـــــك من أمــــور لتحقيـــــق المصلحة الوطنية العليا والمصالح القومية .
- 9 –
لم أقصد من هــــــذا العرض المجمل ، العـــــودة إلى الماضي ، اوتقييمه ، اوتحميل المسؤولية لطـــرف ، فذلك موضوع آخر ، يحتـــــــاج إلى بحث أومحاضرة أخـــــرى ، ولكني وجــــدت ضرورة الإشــــارة إلى نقطة البداية ومنطلــــق الفكرة التي راودت أذهان قيادة البــــعث في سورية والتي تتلخص في إقامة تجربة ونظــــــــام خاص بالبعث في سورية ، وفي الوطـــن العربي ، موازية لتجربة عبد الناصر ، لاسيما وأنها تتربـــع على قمـة حـــزب على المستوى القومي ، له فروعــــــــه في أقطــــــارعربيــــة عديـــدة ، وتجربتــــه التنظيميــــــة ، في حين أن جمال عبد الناصرلايتوفر له مثل ذلك الحزب .
من هنا جاءت كل المواقف التي تتعارض مع أهـــــداف الحزب ، مثل توقيـــع بعض قادته على وثيقـــــة الانفصال والتوجـــــــه للانفراد بالسلطة والتصادم مــــــع التيارالوطني الوحدوي والتيار القومي والعزلة الشديدة والحصار والاغتراب .
كما أثرت هـذه الفكرة على حزب البعث في العراق وشعبيته الواســــعة في الستينات وانعكست على موقفـــــه من الوحدة والتيار الوحدوي التقدمي العريض ، فانعــــزل بدوره واغترب واضطر الى فرض هيمنته بالقوة والقهـــر وارتكـــاب الأخطاء القاتلـــــة في مناخ الاستبداد ، وغياب الالتفاف الشعبي ، ومهـــــــد ذلــــك لاستمرار حالـــــة الحصار الطويلة على العراق ، والى سهــــولة العـدوان والاحتلال ، والمطلـــــوب الاستفادة من هــــذا الــــدرس والتخلص من عقليــــة السيطـــــرة والاستئثار ، حرصاً على الحــــــزب وعلى الوطن ، وســــيادته ، وكرامـــــة مواطنيه ، ومــع أن المحاولات التي جرت أخيـــــراً بهــــدف إصلاح الحــــزب ، وتطويـــره ، كالفصل بينه وبين السلطة بعد التطابق والتماهي الشديد ، والمديـد بينهما ، وكالمناقشة التي تدور في صفـوفــــه حــــــول المبادئ والأهداف وسبل التطوير ، إلا أن ذلك لايمكن أن يحقق أي نجاح مالم يتخلص من فكرة الحزب الواحـــــد والقائد ومن عقلية الاحتكار والاستئثار ، والوصاية ، والنظــرة المتعالية على الناس والآخــــــر ، ومالم تترسخ قناعات ديمقراطية لــــــدى أعضائه ، وقياداته عبــــر تيارجديد ويتحـــــول إلى حـزب في المجتمع والسلطــــة ، بدلاً أن يكــــــون حزب السلطة ، ومالم يأخـــــذ في اعتباره الدفاع عن المجتمــــــع وقضاياه بدلاً من الدفاع عن السلطة وأجهزتها وأخطائها .
إن محاولات الإصلاح الاقتصادي ، أولاً في ظل نهــــــج شمولي لم تنجـــح ، وكذلــــك محاولات الإصلاح الاداري لن تنجح في ظل هذا النهج ، كما أن محــــاولات إصلاح الجبهة حينا ، لبعث الحياة فيها ، لم تحقق لها أية فاعلية والمحاولات الأخيـــــرة لإصلاح الحــــزب ، بمعـــــزل عن الأوضــــاع العامـــــة ، لن تثمـــــر ، ويبقى المؤتمـــر الوطني - هو المدخل والطريـق ..
- 10-
أولاً- أهمية المؤتمر الوطني :
إن أهمية المؤتمر الوطني في هذا الوقت تستند إلى أسباب ثلاثــــة :
الأول: انه ضرورة داخلية لإصلاح شامل يتطلبه إعادة بناء الوحدة الوطنية على أسس راسخة تؤدي إلى
تماسـك النسيج الاجتماعي ، في ظروف إقليميــــة جديدة واحتلال أمريكي للعراق كمنطلق لإعادة
صياغة خرائـط المنطقة ، على قاعدة التفتيت والتقسيم ، لتسهيل السيطرة على ثرواتهـا ، ولتأمين
التفوق الإقليمي لإسرائيل ..
الثاني: انه يعيد بناء الدولة وقدراتها الدفاعية الاستراتيجية ويؤمــن جبهتها الداخليــــة ويحصنها لحماية
أمنها الوطني ، في مواجهة احتمالات العدوان الإسرائيلي أ وتداعيات الاحتلال الأمريكي .
الثالث : انه يستبق مشروع الإصلاح الخارجي ، الـذي يهــــــدف إلى إقامـة نظــــم أكثرخضوعاً للمشروع
الأمريكي الشرق الأوسطي ، اكثر استعداداً للتعامــل مع الكيان الصهيوني ، والتطبيع معـــــه وفق
شروطه باعتباره جزءاً من المنطقة .
من هنا كانت المبادرة بالدعوة للمؤتمــرالوطني ،لابد أن تكون موجهة من السيد رئيس الجمهورية
المسؤول الأعلى في الدولـــــة ، باعتبارها دولــــــة لجميع المواطنين .
ثانياً- التمهيد للمؤتـمــــر:
من الضروري أن تتم مبادرات وإجراءات أساسية تؤسس للانفراج وتعيد بناء الثقة تتمثل فــــي :
1- إصدارعفـــــوعــــــــام عن جميــــــع المعتقلين السياسيين والإفــــــراج عنهم ، بما فيهـــم الزميل
أكثم نعيسة- رئيس لجان الدفاع عن الحريات وحقــــــوق الإنسان ، كمايشمل الحكـم الجزائي بحق
الناشـطين ، والإفراج عن الطلاب الجامعيين المعتقلين فـي الأسبوع الماضي .
2- السماح بعودة المنفيين ، طـــوعاً أو قسراً ، ومنحهم جوازات سفر من سفارات
بلدهم .
3- إلغاء قرارات منع السفر خارج القطر التي تعطل حرية التنقل .
4- إلغاء حالة الطوارئ تأكيداً للثقة بوطنية الشعب وفعالياته وقوى المعارضةالديمقراطية ، والغاء
القانون 49 المتعلــق بالسياسيين جماعـة الإخوان المسلمين .
5- إصدار قانون الأحزاب ، وتعديل قانون المطبوعات بما يتيح حريـة العـمـل السياسي والإعــــلام
الحزبــــي .
ثالثاً- المبادرة إلى تشكيل لجنة تحضيرية بقرار رئاسي ، تمثل كافة قوى المجتمع وفعالياته السياسية ، والثقافية
والاقتصادية والاجتماعية ، تعمل على التحضير المسبق لأعمال المؤتمر ، والموضوعات الأساسيـــة التي
تطرح عليه ، والمساهمة في إعداد مشاريع الموضوعات وأوراق العمل وجدول أعماله ، واختيـار ممـثلي
القـوى والفعـالـيات بالتشاور مع قياداتها ، وينتهي عمل اللجنة بانتهاء أعمال المؤتمر .
رابعاً- إن إطار المؤتمر الوطني لابد أن يشمل ممثلين عن جميع القــــــوى السياسية الفعليـــة التي تعــمل للتغيير
الديمقراطي و الإصلاح ، وتنبذ العنف كأسلـــــوب للتغييــر، سواء منها القوى المشاركـــــة في السلطــــة
أوالقوى الموجودة في المعارضة ، ومن القـــوى السياسية المطلوب دعوتها للمشاركة ، ممثلي الأحـزاب
الكردية في سورية التي تتضمن برامجها الالتزام بالوحدة الوطنية للشعب الســـــوري ، وبوحــــدة الوطن
وكذلك ممثلي المعارضة السورية الموجودة في الخارج بحكم الظروف ، والتي طورت خطابها وأساليــب
عملها ومرجعيتها العامــــــة ، في ميثـاق عمـل ، وأكدت نبــــذ العنــــف والتزامها بنهج التغيـــيرالسلمي
الديمقراطي ، ويلزمها هــذا الحضور بما يتم التوافـــــق عليه ، ولابـــد من تمثـــــيل فعاليـــــات المثقفين
والعلماء ، ورجال الدين ، واتحاد العمال والفلاحين ، والاتحاد النسـائي ، وغرف التجـــــــارة والصناعة
والزراعة ، و الإدارة ، ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان ، وبذلــــك يمثل المؤتمرإطـارا جامعاً
لكل فعاليات الدولة والمجتمع .
خامساً- موضوعات المؤتمـر:
إن الموضوعات المطروحة على المؤتمر علـى درجة كبيرة من الأهمية لأنها ستكون منــــاط التوافق
والإجماع الوطني ، والتعاقد الاجتماعي ، والإرادة المشتركة لممثلي الدولــــــة والمجتمع، تتبلورفي
ميثاق عمل وطني مماثل لميثاق العمل الوطني الذي أقرته القوى الشعبيـــــة في الجمهورية العربية
المتحدة في عام 1962 واتفقت على إعادة النظر فيه وتجديده بعـد عشـــر سنوات ، ويمكن اقتراح
موضوعات المؤتمرالمنشود على سبيل التعداد لا الحصر بالأمور التاليـة :
1- الاستقلال الوطني : ويدخل في هذا الموضوع وحدة الوطن والدفاع عنه وعدم الاستقواء بالخارج
2- الوحدة الوطنيـــــــــة : وما يمهـد لتحقيقها من اعتراف الجميع بالجميع والإقرار بالتعددية وحق
الاختلاف ، وأهمية الحوارالوطني في الاتفاق على المشاكل والقضايا الوطنية والقومية .
3- إقرارالخطوط العامة لتعديل الدستور ، بتحديد السيادة للشعب وإلغـــاء المادة8 منه التي تحصر
السلطة في حزب واحد ، و تؤسس لاحتكارها ، و تقطـع الطريـق على الحق الدستوري بالتداول
السلمي للسلطة ، عبر الاقتراح الحر والمباشر، وإشراف القضاء ، و تعديـل النصوص المتعلقـة
بصلاحيـات رئيس الجمهورية و المتعلقـة بطريقة الترشيح و الانتخاب لمنصب الرئيــس بحيث
تضمن وجود أكثر من مرشح و التنافس بين المرشحين كما يحصل في لبنان و الجزائر وإيران
وتخلي رئيـس الجمهورية المنتخب عن عضويته في أي حزب طيلة مدة رئاسته باعتباره رئيسا
للبلاد و للدولة ، و ليـــــس رئيسا لحكومة الأكثرية
4- الديمقراطية : كنظام حكم و آلية لإدارة المجتمع
5- فصل السلطات و توازنها ، و عدم طغيان السلطة التنفيذية على السـلطـةالتشريعية ، وممارسة
السلطة التشريعية دورها في إصدارالقـوانين والتشريعات و تعديلها ، وفق التطور ، و ممارسة
دورها في الرقابة علـى السلطة التنفيذية ، بمنح الثقة أو حجبها
6- سيادة القانون : خضوع الجميع للقانون على قدم المساواة ، وتنفيـذالقرارات القضائيــــــة المبرمة
باعتبارها عنوا ناً للحقيقة .
7- مناقشة قضية المواطنين السوريين الأكراد ، و وضع الحلول العاجلة ، العادلة لها ، باعتبارها قضية
وطنية ، تتطلـب حلا ديمقراطيا والاهتمام بقضايا الجماعـــات المتمايـــــزة الأخــــرى من المواطنين
وضمان الحقوق الثقافيــة للجميع في إطار الوحدة الوطنية
8- مناقشة ظاهرة الفساد وجذورها ، وتشكيل لجنة عليا لمحاسبة الفاسدين .
9- الاتفاق على الخطوط الكبـــــرى لاستكمال البناء الديمقراطي ، و إزالة العوائـــق التي تعرقــــل هــذا
البناء ، وتشجيع دور المرأة و الشباب في العمل الوطني 10- تنظيم انتخابات ديمقراطية تتميز بالنزاهــــة والشفافية تعيــد لمجلس الشــــعب والمجالس المحلية
الشرعية الثقـة والمصداقية ، وتتحقـــــق من خلالها مشاركــــــة قوى المجتمع والأطــــرالثقافيـــة
والاجتماعية ..
11- مناقشة وإقرارالأطر القانونية للإصلاحات الهامة التي يتطلبها تطور الدولـة والمجتمع .
12- إلغاء القوانين الاستثنائية والمحاكم الاستثنائية .
13- إصلاح القضاء وتامين استقلاله عن السلطة التنفيذية ، من خـــــلال إنهاء دوروزيرالعـــــدل في
مجلس القضاء الأعلى ، وتحسين أوضـاع القضاة المادية والمعيشية ، وتطويرهذا المرفق الهام
للعدالــــــــة .
14- ربط الجهاز المركزي للرقابة الما ليــــــة بمجلس الشعب بدلاً من رئاسة مجلس الوزراء .
15- إعادة الاعتبار للمحكمة الدســـتورية العليا ، للنظـــر في إبطــــال القوانين المخالفة للدستور
وإعطاء قراراتها المتعلقــــة بالطعون الانتخابية صفة الإلـــــزام ..
16- تشكيل لجنة وطنية ، لإيجاد الحلول الناجعـــــــة لقضيــــــــة المفقودين والتعويض على ذويهم
والمتضررين من الاعتقال والنفي ، والتعويض عليهم .
17- تعديل قانون الجمعيات ، والنوادي ، بما يضمن مساحـات واسعة للحوار والأنشطة الثقافية
والاجتماعية .
18- الاتفاق على أسس ومرتكزات للسياسة الخارجية ، في ضوء المصالح العليا للوطن والأمة
والدفع باتجاه التنسيق والتضامن، وتطوير الجامعة العربية ، والعمل المشترك والسوق العربية
المشتركة ، والوحدة العربية وتطوير العلاقة مع دول الاتحـــاد الأوربي ، وروســيا الاتحاديـــة
والصين واليابان ، والمنظمات الأهلية الدولية ، المناهضـــة للحروب والاستــعمار والمناصرة
لقضايانا العربية ، والإسلامية .
خامساً- الميثاق الوطني : من المهم ان تحقق مناقشات المؤتمر ومداولاته للأوراق ومشاريع الموضوعات
المعروضة عليه ، ميثــاق عمــل وطني ، يحظى بتوافـق الجميع وتأييدهم ، يعتبر بمثابة عقد اجتماعي
جديد ، لتنظيم العلاقة بين السلطة والمجتمع وبين السلطة والمعارضة ، في اطار الدولة ، دولة جميع
المواطنين الأحرار ، بحيث لاتستولي السلطة السياسية ، التي تمثل الأغلبية الحاكمة على الدولــــــة
ويلتزم جميع المشاركين في المؤتمر بنصوص الميثاق ، وبما يتضمنه من تعديـــــــلاات دستورية
وتوجهات .
سادساً- حكومــة وحـدة وطنيـة : إن نصوص الميثــاق التي يضعها المؤتمر، ومقرراته ومايتقررفيها من
علاقة بين قوى السلطة وقوى المعارضة ، ومن احتكام للنهج الديمقراطي ومبدأ التداول السلمي
للسلطة ، لابــــد أن ينتهي إلى اقرارمبدأ تعـددالأحزاب ، والتحالفات ، واستقلاليتها ، وحرية
إعلامهـا ، وطرق تمويلهـا والتي سيتضمنها قانون الأحزاب الصادر قبل المؤتمر، اوخلالـه ، وقــــد
تجـدأكثرية المشاركين في المؤتمر ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية ، في هذه المرحلة ، التي
تواجه فيها سورية ، والمنطقة العربية ، تحديات داخلية وإقليمية يتطلب قيامها لمواجهة هـذه
الظروف ، وفي هـــذه الحال يترك للقوى والأحزاب والفعاليات المشاركة في المؤتمــــر ، حريــة
المشاركة في هذه الحكومة ، لتكون حكومة إجماع وطني ، اوحكومة أكثرية واســعة ، تتمكن من
العمل على إنجاز التحولات الديمقراطية بسرعة أكبر ، وعلى حشــد واســـــع للقـــوى والامكانات
البشرية والمادية لمواجهة المخاطر والتحديات ..
- 11-
إن انعقاد مثل هذا المؤتمر، إن تحقــق يشكل تطوراً هاماً في الحياة السياسية في سورية ويعد نموذجاً
هاماً للـدول العربية الأخرى ، بسبب المكانة الهامـة التي تتمتع بها سورية ، وقد سبقتنا دولة البحرين
في هذه التجربــــة منذ أربعـــــة أعـوام وقد أعطت التجربـة ثمارها في بلــــد عاش نفس الظروف التي
مرت بها سورية وخلال نفس الفترة ، غيـرأن الاستجابة لعقـــــد المؤتمر، إن حصلت لاتعني انتهاء
التحديات ، إذ لابد ا ن تواجهها خـلال الممارسة تحديات أخــرى من النواحي السياسية والاقتصادية
والاجتماعية ، في مراحــــل التحـــول السياسي ، التي تحتــاج الى تطويرمتواصل لأجهزة الدولـة ، والى
إعداد الكوادرالعديــــدة ، وتعديـــل القوانين والأنظمة واللوائح ، ليتلاءم كل ذلــك مع التحولات الجديــدة
والى تعزيــزقيم العمل والأمانــة والنزاهـة في مواجهـة قيم الفـاد الإداري والمالي المتفاقم ، كما
يحصــل في الدول الشمولية ، وفضلاً عن ذلك لابد من بذل الجهــــــود لتنمية المــوارد الاقتصادية
والبشرية ، لمحاصرة البطالة ، وإيجـاد فرص العمل ، والتوظيف ، وتخفيف الخلل الاجتماعي ، والفوارق
الطبقية ، وتحسين مستوى العيش ، والدخـل للشرائح الفقيرة الواسعة في المجتمع ، باتجاه تحقيق العدل
الاجتماعي .
- 12-
اختم حديثي بالشــــــكر العميــــق لأسـرة جمـال الأناسي - لما يتكبدونـــه من عنـــاء - في استضافة هـذا
المنتدى الذي يحمل اسمه الشهير ، وبالثنــــاء على إدارة المنتدى ، لما تبذلــــــــه من جهـــد في الإعداد
والمتابعة والتوثيق ، وبالوفاء لذكــــــرى المفكر والمناضل القومي الديمقراطي جمال الأناسي ، الـــذي
كان من المهتمين والمؤسسين الأوائل للفكـــرالسياسي الديمقراطي .. ومن المنارات المضيئة في العمل
الوطني والقومي والإنساني .