أخاف أن نباع في سوق الخردة
أخاف أن نباع في سوق الخردة
فلسطين عبد الكريم
أؤمن كثيرا بالله وأؤمن أيضاً بأن الأمل بوجه الله كبير وأن إرادة الله فوق كل شيء على وجه الأرض مهما كان حجمه، ولكن والحق يقال لم يعد لدي أدنى أمل في قياداتنا كلها ولا أقول في بعضها، فجميعهم مشتركون في حجم المأساة والجريمة ، وضعوا على عاتقهم تحمل مسئولياتنا وتحقيق تطلعاتنا وآمالنا ولم يحققوا أقلها شأناً ، فقد كانوا يبحثون عن ماهو أفضل لهم .
لست من يقول ذلك ولكني أضم صوتي بكل قوة للذين تئن جراحهم النازفة في غزة وسكنهم اليأس ورافقهم الإحباط من قبل الحرب على غزة ولازال يرافقهم إلى ما بعدها.
الحوار الفلسطيني الداخلي في القاهرة بين الفصائل والقوى الفلسطينية فاشل بكل المقاييس وبكل المعاني والمفردات والتراكيب.. فاشل لأنه يضم قادة فاشلين على كافة المستويات ..وفاشل لأنه عقد منذ أشهر عديدة ولم يحقق أدنى أهدافه التي ارتكز على أساسها.. وفاشل لأن الذاهبين إلى الحوار لم يذهبوا بناء على رغبة حقيقية منهم في طي صفحة الانقسام والفرقة بين شطري الوطن الجريح ..وإنما لدواعي شخصية ذاتية .. الحوار فاشل لأنهم لم يكونوا يوماً يؤمنون بالوطنية وبالقضية الفلسطينية وبالثوابت ولم تقض مضاجعهم في يوم ما أي لهفة على البلد وحال أهلها ولم يؤرقهم ما آلت إليه الأوضاع المأساوية في غزة، هم لم يكونوا شيئاً ذا قيمة يذكر قبل الوطن والآن يريدون النيل منه وبناء آمالهم وتحقيق أمانيهم على حسابه وعلى حساب البؤساء والمستضعفين .
الحوار يا سادة فاشل لأنه ليس له معنى وطالما أنكم في كل خطوة للحوار تشيدون العراقيل فإنكم فاشلون بمعنى الكلمة ، أنتم حقاً فاشلون ..فاشلون والعيش على هذه الأرض لا تستحقون .
ولو قلنا ما سبب عرقلة التوصل إلى مصالحة وطنية على مستوى القيادات والفصائل والقوى ، فالأسباب والحمد لله كثيرة ومتعددة ولا مجال للحصر ، لكن من أهمها أن بعض قياداتنا ممن كانوا يسيرون في الطرقات والشوارع ولا تكاد تفرق بين احدهم وبين المتسول الذي يمشي بملابسه القذرة والبالية وحذائه المرقع وشعره الأشعث ووجهه الملطخ بالقاذورات ، وتشم رائحة القرف تفوح من على بعد مترين أو أكثر ، وكأنه لم يغتسل منذ عشر سنوات.
لم أخطئ ولن أخطئ أبداً حينما أقول أن من كانوا قاع المجتمع أصبحوا لايتوانون ولو لحظة واحدة في وضع المطبات والحجارة في طريق الحوار المتعثر ، أو حتى العمل على إصلاح الأوضاع المعيشية الصعبة للفلسطينيين سواء في غزة أو الضفة، وعلى وجه الخصوص الأسيرة المبعدة "غزة " .
يجب أن نفهم يا ناس أن هؤلاء الأشخاص من قياداتنا لا يهمهم سوى مصلحتهم فهم يجتهدون لتثبيت مؤخراتهم على الكرسي والمنصب، وكأننا نعيش تحت راية سلطة ودولة حرة ومستقلة وشعب حر نال حقوقه في وطنه وعلى أرضه .
يفعلون ما يفعلون وكأن المعابر فتحت وحصل الموظفين على رواتبهم وزادت فرص العمل واشتغل العاطلين من الجامعيين والعمال، وزاد الدخل وبات كل شيء مستقلاً وحراً .
أي تفاهة التي نعيشها .. غزة تئن وأهلها مجروحين وهم يختلفون من أجل أن يكون هذا في الداخلية وذاك في وزارة المالية وهذا في الخارجية ..في ساعات الليل المتأخرة يتسامرون ويمرحون ويضحكون ويقتربون من حافة الاتفاق ، وقبل بزوغ فجر اليوم التالي يبدأ الردح وتعلو الأصوات وتتضارب الكلمات ، وتشق الاعتقالات طريقها وتبدأ الهمجية والتمرد والعصيان ، ومن كان مناضلا يتم تخوينه ومن لايسوى شيء وتاريخه ملوث بكل الألوان يصبح بطلاً ويفرد عضلاته وقوته ...ويا حسرتاه يذهب البؤساء من شعبنا ضحية هؤلاء الزعران من قادتنا.
الشعب كله محطم..يائس ..بائس ..قرفان ومحروم ، وبصراحة "الله يعينك ياشعب على اللي راح وفات ..والله يعينك على اللي جاي ..يعنى محتار من وين تتلقاها ".
هذا الكلام ليس فيه يأس وإحباط..لا ..لأن اليأس والإحباط موجودان أصلا في رحم هذا الشعب وإن خلقا فقد خلقا من أجله ، الخوف مما هو آت.. من المجهول ، فلاشيء يبعث على الأمل أو البهجة أو السرور ..وماذا نفعل طالما أننا مكانك سر ولا تقدم في حياتنا البائسة ، ولم يتبق لقادتنا إلا أن يبيعونا في الأسواق في حال لم يتوصلوا لحل نهائي ، ولم تخرج اجتماعاتهم ولقاءاتهم بما يريد أن يحققه كل منهما وأن يملأ كرشه بآلاف الدولارات المهربة على حساب قوت الشعب ومقدراته وهم لم يكونوا يملكون قرشاً واحداً ولكنهم الآن يملكون بيوتاً وقصوراً عالية ومحصنة بآلاف الجيبات العسكرية ومرافقين على جانبي الطريق.. فليعذرني الجميع ، لكن أخاف أن يبيعونا في سوق الخردة بعد فشلهم .