ملحمة الفلوجة تضع أقدام المقاومة العراقية على طريق التحرير الناجز ...
ملحمة الفلوجة تضع أقدام المقاومة العراقية على طريق التحرير الناجز ...
|
د.فواز القاسم |
لقد شهدنا وشهد العالم أجمع في بدايات هذا الشهر ، واحدة من أعظم ملاحم العروبة والإسلام في العصر الحديث ، إذ وقفت مجموعة من الشباب اليافعين ، الذين لم ينبت الشعر في وجوه الغالبية منهم ، ليتصدّوا لأكبر قوة شهدها التاريخ ، ويمرّغوا أنفها في التراب ، الأمر الذي أذهل الدنيا ، وحيّر ألباب المحللين والستراتيجيين ، من الذين لم يتذوّقوا طعم الإيمان ، ولم تخالط آيات القرآن شغاف قلوبهم ، ولم يطّلعوا بعمق على تاريخ الإسلام العظيم ...
أما نحن ، أهل التوحيد والإيمان ، فلم يكن لدينا أدنى شك بحتمية اندحار الأمريكان وأذنابهم في العراق ، وبالذات على أيدي أهل التوحيد وأهل الإيمان ، وهذه هي تباشيره تلوح في سماء الفلوجة الباسلة ...
ولو أردنا تسجيل أهم المكاسب العظيمة التي حصدتها المقاومة العراقية البطلة في ملحمة الفلوجة لذكرنا :
أولاً : معية الله للمؤمنين المجاهدين : قد يظن البعض ممن يقرأ هذه السطور ، بأن كاتبها إنما يبحر في العاطفة ويغرق في الخيال ، ولكنني أو أكد ( بناءً على معلومات شهود عيان ) بأن الله القهار الجبار ، بعزته وجبروته ، كان يشهد ملحمة الفلوجة ، ويدير رحاها بنفسه المنزهة عن التجسيم والتشبيه ، فلقد أكد من لا يُشك في صدقه ، من داخل الفلوجة ، بأن طائرات العدوان ودباباته ومدرعاته كانت تسقط وتحترق قبل أن يضغط المجاهدون أيديهم على الزناد ...!!!
وبأن علوج المرتزقة كانت تفر مذعورة ، كأنها حُمُرٌ مستنفرة ، فرّت من قسورة ، وفي الحقيقة ليس أمامهم إلا طفل لم ينبت الشعر في وجهه ، ولا يقوى حتى على حمل ال ( RBG ) .
وهذا في عرفنا الإسلامي يعني حضور الملائكة الأبرار ، ومطاردتها لعلوج الأمريكان ومرتزقتهم بالنيابة عن المجاهدين والمقاومين ، وهناك عشرات ، بل مئات الأمثلة المشابهة في تراثنا الإسلامي الجهادي الخالد.
وثانياً : انتصار القلة المؤمنة المستمسكة بحبل الله ، على الكثرة الظالمة المدججة بكل ما عرفته المدنية المعاصرة من وسائل القتل والتدمير ، وهذا درس للمهزومين والمرهوبين والمفزوعين من أمتنا ، الذين انبطحوا أذلاء صاغرين تحت أقدام الكاوبوي الأمريكي القبيح ، وقدموا له كل قرابين الذلّة والمهانة ، تحت شعارات ( العقلانية ) و ( الواقعية ) و ( الموضوعية ) ...إلخ .
وكأن العقلانية والواقعية والموضوعية في أمتنا ليس لها إلا طريق الذلة والمهانة والانبطاح ...!!!
وثالثاً : كسر حاجز الخوف من أمريكا ، وتحطيم أسطورة جيشها الذي لا يُقهر ...!
فلقد قُهر هذا الجيش الظالم على عتبات الفلوجة ، وعلى مشارف بغداد وأبي غريب ، وفي أزقة الأعظمية .
وسيأتي اليوم ، لا نشك في ذلك ، الذي يندحر فيه الأمريكان في العراق ، وباندحارهم وخروجهم أذلاء صاغرين من العراق ، سيرفعوا أيديهم القذرة عن أمتنا ، وسينكفئوا صاغرين مندحرين خلف حدود الأطلسي إلى حين ، منشغلين بصراعاتهم وتناقضاتهم التي بدأت تأكل مجتمعهم ، تاركين كيانهم الصهيوني المسخ بلا غطاء ، ليعاني مصيره المحتوم ، وليقذف به المؤمنون المجاهدون إلى مزبلة التاريخ ...
هذه ليست أحلام نائم ، ولا تهويمات يقظان ، بل
هي حقيقة راسخة نراها رأي العين ،
(( ويسألونك متى هو .!؟ قل : عسى أن يكون قريباً )).
ورابعاً : خروج المقاومة الباسلة من السريّة إلى العلنية ، وانتقالها من مرحلة الانفعال إلى الفعل الإيجابي المقتدر والمؤثر ، الذي يمتلك المبادرة ، ويتحكم في مجريات الأمور .
فلقد سيطر المجاهدون العمالقة ، وبكل براعة وجدارة على مجريات المنازلة ، فأسقطوا الطائرات ، وحطموا الدبابات ، واعتقلوا الأسرى ، وسيطروا على الطرق ، ودمروا قوافل الأعداء ، وقطعوا إمداداته ، وهذا في عرف العسكر لا تقوم به إلا جيوش نظامية على أعلى درجات الكفاءة والتسليح والتدريب .
ويشهد الله ، والدنيا أذن تسمع : بأن الجيش الأمريكي لم يتعرض لما تعرض له في الفلوجة ، لا في حربه مع الألمان ، ولا في حربه مع الاتحاد السوفييتي السابق عندما كان في أوج عظمته ، ويشهد الله ، بأن الأمريكان كانوا قد طلبوا الهدنة في الفلوجة لأكثر من خمس مرات ، وبدون قيد أو شرط ، إلا السماح لهم بالمرور بدون أن يتعرض لهم المجاهدون ، فلما أبى عليهم المجاهدون ذلك ، رفعوا لهم الرايات البيضاء ..!
وخامساً : انتقال المقاومة الباسلة من طور الفردية إلى العمل الجمعي المقتدر : فلقد التقت في أحضان الفلوجة الدافئة أغلب أطياف المقاومة المجاهدة ، وقامت بالتنسيق فيما بينها على أعلى الدرجات ، فنظمت الصفوف ، ووزعت الأدوار ، وسدت الثغرات ، وأغلقت المنافذ .
حتى خرجت بذلك الأداء الجهادي الباهر ، الذي بيض الوجوه ، ورفع الرؤوس ، وأثلج الصدور ...
وسادساً : انبثاق المرجعية السياسية للمقاومة ، فلقد ظهرت هيئة علماء المسلمين في العراق بأبهى صورها ، وأدت دورها بشكل مشرّف ، فكانت الأب العطوف والأم الحنون للمقاومين المجاهدين ، نعم بدون أية صلة مسبقة ، وبدون أي تخطيط .. لكنه قدر الله ، ونصره المبين لعباده المؤمنين الصادقين ...
وهاهي ، هيأة علماء المسلمين الموقّرة ، برئاسة قائدها ومؤسسها الشيخ الفاضل ، والعالم المجاهد ، الدكتور حارث الضاري ، حفظه الله وأعزّ نصره ، تصبح قبلة للعراقيين ، وغير العراقيين ، ممن يريدون كسب ودّ المجاهدين ، وهي بذلك تكون قد فرضت نفسها ، بل فرضها الله ، كرقم صعب في المعادلة العراقية ، هيهات، هيهات ، بعد اليوم أن يفكر أحدُ بتهميشها ، أو التجاوز على دورها ..
وسابعاً : اللحمة الرائعة بين المقاومة الباسلة والشعب العراقي بجميع مذاهبه وأطيافه . وهذه من نعم الله وفضله على المقاومة المجاهدة ، وهي لم تحدث في الدنيا بمثل هذه الروعة إلا في العراق وفلسطين ...
وهي إن دلت على شيء ، فإنما تدل على قناعة العراقيين جميعهم بخيار الجهاد والمقاومة ، واحتضان الشعب العراقي كله لهذا الخيار المشرّف ، وهي حقيقة باهرة تلقم المحتلين البغاة ألف حذاء وحجر ، يوم راهنوا ، خاسئين ، على خروج الشعب العراقيّ لملاقاتهم بالزهور والرياحين ...ّ!!!
وثامناً : تشجيع القوى الوطنية الشريفة في العراق على الدخول في خيار الجهاد والمقاومة : فلقد أيقنت الكثير من الجهات العراقية ، وبما لا يقبل الشك ، بحتمية خيار الجهاد والمقاومة ، بعد فترة من التردد ، وبعد أن أقفل المحتل في وجههم كل الخيارات الأخرى ، فكانت انتفاضتهم الوطنية الشجاعة ، نصرة من الله للفلوجة ، وتخفيفاً منه سبحانه عن أهلها ، وتوحداً رائعاً للجماهير العراقية الوطنية خلف خيار الجهاد والمقاومة ...
وتاسعاً : كشف العملاء والمأجورين : ففي الظروف الصعبة تتكشف معادن الرجال ، فمنهم من ينحاز إلى دينه ووطنه وشعبه وأمته ، فيحظى برضى الله ، ويحوز على عزّ الحاضر ، وفخر المستقبل ...
ومنهم من يرضى لنفسه أن يكون صعلوكاً عميلاً ذليلاً ( كحال مجلس الحكم وأزلامه ) يلج في غضب الله ، ويغرق في ( بصقات ) الشعب، وتلاحقه لعنات الأجيال ...
أخيراً ، وليس آخراً ... كسب المعركة الإعلامية بجدارة : فمن فضل الله وكرمه على المقاومة المجاهدة ، ومن معيّته لها وتأييده ، أن نصرها في معركتها الإعلامية ، بالإضافة إلى النصر في المعركة الحربية ، ذللك النصر المؤزر الذي صارت فيه ملء الأسماع والأبصار ، حتى ضجت الجوامع والمساجد والبيوت بالدعاء والبكاء والاستصراخ ، نصرة للفلوجة ، ودعماً للمقاومة الباسلة فيها ، وهنا لا بد لنا من أن نسجل شكرنا العميق لقناة الجزيرة الرائدة ، ونخص بالشكر المجاهد المتألق أحمد منصور ، الذي أظهر من الشجاعة والبراعة ورباطة الجأش ، مع إخوانه الآخرين في فريق الجزيرة ، ما يستحقون معه من أمتهم كل عرفان وتقدير ...
فألف تحية وألف مرحى لأبطال الفلوجة العمالقة ، الذين أدخلوا السرور إلى قلوب أمتهم ، وأذاقوها طعم النصر ولأول مرّة في هذا الزمن الصعب ، بعد أن أُترعت تلك القلوب بعشرات الهزائم ، على أيدي الدجالين والمشعوذين والتافهين ، من زعامات هذا الزمن التافه ...!!!
ولكن المعركة لم تنته بعد ، فإلى المزيد من الحذر واليقظة ، وإلى المزيد من الوعي والتكاتف والتلاحم ورص الصفوف ، واعلموا _ يا قرّة العيون _ بأنكم أمل الأمة ومجدها وعنوان كرامتها ، فالله الله في ثغوركم ، والله الله أن تؤتى الأمة من قبلكم ...
أما أنتم يا جماهير أمتنا الثائرة ، والتي يكتم العملاء على أنفاسها ، فالمزيد المزيد من الدعاء ، والمزيد المزيد من البكاء ، فما يدريكم ، فلعل الفلوجة كانت قد نُصرت بدعائكم وبكائكم ، واعلموا أن الفلوجة اليوم ، إذ تكتفي منكم بالدعاء والبكاء ، وهي على كل حال وظيفة العجائز ، لعلمها بظروفكم ، إلا أنها لن ترضى منكم بذلك إلى الأبد ، بل لا بد من أن تثوروا على واقعكم ، وتلفظوا حصيات الصمت من أفواهكم ، وتكسروا أغلالكم ، وتحطموا قيودكم ، وتزحفوا عن آخركم إلى عراقكم ، وهناك على عتبات الفلوجة الخالدة، يكتب أبناء الأمة من تطوان إلى المقدادية ، قصة البقاء والخلود والانتصار ، لأمة عدا عليها شذاذ الآفاق ، وأبناء القردة ، وأحفاد الحنازير ... فجاهدت ، وقاومت ، وانتصرت ....
بسم الله الرحمن الرحيم (( وكان حقاً علينا نصر المؤمنين )) صدق الله العظيم ...