أدب النفط

عبد الله الطنطاوي

هذا باب جديد نفتحه، ونراه مهمّاً، لما للنفط من أدوار إيجابية وأخرى سلبية في حياة الإنسان العربي، والأرض العربية، فمن الناس من يرى في النفط نعمة كبرى ساقها الله إلينا، نهضت بالبلاد النفطية، فكان التطور فيها هائلاً، نقلها من ذيل البلاد النامية، إلى مصافّ الدول الغربية بما فيها من حضارة عمرانية، وحياة مدنية، بعيدة من عيشة البداوة والتخلف الحضاري والمدني.

ومن الناس من يرى في النفط نقمة بل لعنة حلّت بالبلاد النفطية خاصة، وبالبلاد العربية عامة، شعباً، وأرضاً، وقيماً، كما كانت الانقلابات العسكرية المدعوّة بالثورات، وبالاً على الأمة، وعلى أرضها وقيمها وأخلاقها وثقافتها، فقد جرّت الكوارث عليها، وجعلتها تعيش في مآسي يأخذ بعضها بعنق بعض..

فالفساد، والإفساد، والبطر، والحياة الاستهلاكية، وتعطيل سائر ألوان التنمية، وازدهار الانحراف في الداخل، وجلب الاستعمار الحديث، المفضوح منه والمقنّع، والغزو الخارجي، والاحتلال..

كل ذلك إنما كان بسبب النفط، وبسبب تلك الانقلابات العسكرية والحكومات والأنظمة التي فرطت بالأرض، وبالشعب، وقهرت الإنسان العربي وأذلّته إذلالاً ما عرف مثله في العهود الاستعمارية البغيضة، لا في سورية، ولا في مصر، ولا في العراق، ولا في أي بلد عربي ابتلي بالانقلابات التي أسالت أنهاراً من دماء أبناء الشعب العربي، وكأنهم هم العدوّ، وليس الكيان الصهيوني الغادر المتربص الذي يحاول بعض العرب المقيمين تحت نيره - يرون فيه واحة خضراء، إذا قيست بتلك الأنظمة الانقلابية (الثورية).

والأدباء والشعراء عندنا -إلا النذر اليسير- أوغلوا في ارتياد مجالي الغزل، والمديح، والهجاء، والوصف والنفاق، وسواها من الأغراض الشعرية والأدبية، ولكن قلة منهم من كتب أو شعر في النفط، وتأثيراته الممتدة عبر الزمان والمكان العربيين في العصر الحديث.

وما دامت للنفط هذه الآثار الكبيرة في حياة الإنسان العربي، ماضياً، وحاضراً، ومستقبلاً، أفلا يحقّ له أن يحتلّ حيّزاً ما في ديوان العرب، وفي نثرهم، مقالاً، وخاطرة، وقصة، ورواية، ومسرحية؟

ألا يحقّ للنفط أن يطالب بأن تكون له أصداؤه في نفوس الشعراء والأدباء والكتّاب والفنانين عامة؟

من أجل هذا، ولاعتبارات أخرى لا تخفى، فتحنا هذا الباب في موقع رابطة أدباء الشام، بعد أن صار بعض البلاد الشامية من الدول البترولية، راجين تلمّس الموضوع برفق وأناة وموضوعية، لعل أدب النفط يهز ضمائر مالكيه، ليكون سبباً في النهوض، بعد أن أزّهم النفط أزّاً في الميادين الأخرى.. في هذه الأيام العوابس، أيام الإحباط والسقوط والاحتلالات والانتكاسات في كثير من المواطن..

( رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِين ).

عبد الله الطنطاوي