كليلة ودمنة

د. عبد اللطيف الرعود

 كليلة ودمنة

سباق النخب الأردنية

سباق الأرنب والسلحفاة!!

د. عبد اللطيف الرعود

[email protected]

تعد القصة على لسان الحيوان من الأنماط القصصية الضاربة الجذور في التراث العربي وتعزى فيه الأقوال والأفعال إلى الحيوان وتهدف إلى التهذيب الخلقي والإصلاح الاجتماعي والنقد السياسي .

وتاريخ قصص الحيوان هو تاريخ الأدباء المعلق على ألسنة الحكماء بمواجهة أصحاب النفوذ لذلك أفرغوها في رموز عميقة المعنى والدلالة ، ملقين عن أنفسهم عنت المساءلة والمحاسبة وهم يسوقونها في قوالب وألوان وأقنعة وإطارات ظاهرها فيه لهوٌ للعامة وباطنها له دلالات سياسية خاصة  وتعد ضرباً من التمثيل الرمزي الكنائي.

سباق الأرنب والسلحفاة ( الصراع على الحصص)

سباق النخب مستوحاة من كتاب كليلة ودمنة حيث قام بعض هذه النخب بتفريغ بعضٍ من حكاياتها على المسرح السياسي الأردني في سجال عقيم على صعيد بيوعات بعضٍ من أصول الدولة ومن ثم مشروع تقسيم الأردن إلى أقاليم إدارية وقد تجلى هذا السجال بوصف وزير التنمية السياسية لأحد أعضاء اللجنة الملكية للأقاليم والنائب في البرلمان بالمستعجل جدا ً على تنفيذ غير مدروس لمشروع الأقاليم وأنه مستعجل كالأرنب في سباق المسافات الطويلة ، حيث يخرج هذا الثَّدِي السريع الضعيف والجبان و لكنه سريعا ً ما يخرج عن السباق متهما ً الوزير للنخب السياسية بأنها تتصارع على الحصص .

وهذا الوصف يعود لثقافة المكتوب والمتوارث في القصة الافتراضية التي أوردها كتاب  كليلة ودمنة وقد أفرغها الوزير في هذه القصة ؛ حيث انعقد السباق بين الأرنب والسلحفاة فاستهان الأرنب بالسلحفاة البطيئة ونام فيما عقدت السلحفاة العزم وخرجت مبكرة تمشي باتجاه الهدف وعندما صحي الأرنب متأخرا ً وانطلق صوب الهدف ليجد السلحفاة قد سبقته وفازت في السباق رغم سرعة الأرنب .

 وترمز هذه القصة إلى الاجتهاد الذي ينتصر على النرجسية والموهبة التي تعد عيبا ً عندما تترافق بالاعتداء،بالذات وأن النرجسية فوق الآخرين وعندما تقترن باتخاذ قرارات مصيريه تعلو معها مصلحة الفرد فوق مصلحة الوطن  الذي يصبح كالذبيحة يتخطفها الجزارون الذين يتسابقون على النيل منها فمنهم من ينال ما لذ وطاب ومنهم من يكتفي بالفتات ....وما زلنا في ميدان السباق.

وقد أوضح دولة العين فايز الطراونة مشددا على سرعة العمل على إنجاز  مشروع الأقاليم وان السباق يهدف إلى إيجاد دولة رشيقة قادرة على تقريب المسافة الزمنية بين عملية اتخاذ القرار وتنفيذه ، وقد لاقى السباق على تنفيذ الأقاليم معارضة أغلبية مجلس النواب على لسان النائب بسام حدادين لكن ما يؤخذ على البرلمان بأنه ضيف الأداء وعلاوة على ذلك فإنه متهم أيضا ً بالتواطؤ والفساد هذا ما أكدته النائب ناريمان الروسان بأن هناك قوى ولوبيات تتدخل بشكل أو بآخر في محاكمة الفاسدين في قضايا مختلفة أشهرها قضية بيع شركة الكهرباء وكهرباء اربد إلى شركة دبي كابيتال الذي يتولى إدارتها ابن عضو في  مجلس الأعيان الأردني .

:: سباق النخب بين الإصلاح والمصالح ::

 التباين الماثل للطبقات السياسية والاقتصادية ممن تمتعت بنفوذ المركز باستحواذهم على الثراء بطريقة تخلو من أية ضوابط أخلاقية وقيم اجتماعية يقودها أصحاب السياسات التي أطلق   عليها ( الليبرالية المتوحشة ) "المترفين  "وهي تمثل ثقافة الديجيتال التي تقود الدولة للتفكك والانحدار على حساب مشاريعهم  المشبوهة  على حساب طبقات المجتمع الأخرى في المناطق الشعبية من العاصمة والمناطق الريفية والبادية الذين يشعرون بالاغتراب والغبن والتهميش ولا زالوا يمثلون ثقافة الريف التي تتجسد فيها ثقافة الانتماء والمعاناة  .

لدينا خلايا فساد نائمة وفساد نخب تم استنباتها كرؤوس الفطر تلعب في جو  المصالح السياسية  لعبة غير نزيهة تتمثل في الابتزاز الطبقي في تحالف رموز محسوبة على الريف والبادية كانت ولا تزال تنهب المال العام وتستأثر بالسطوة والنفوذ وتوريث المناصب، يتصدرهم ما يسمي بالحرس القديم  الذين قد تحالفوا في كثير من المجالات مع الليبراليين القائمين على نفي الدولة والسيطرة على مرافقها ويجسدون نظرة  الاستعلاء الطبقي على سائر طبقات المجتمع ويعتقدون بسذاجة أنهم يستطيعون إعادة صياغة ثقافته وأفكاره وذهنه وذلك بالقفز عن الحقب التاريخية كحيوان الكنغر عندما يطارد ، لاغيه بذلك الإرث الحضاري الكبير الذي تمتاز به الجغرافيا الأردنية والى اتهام التاريخ بأنه سبب تخلف الدولة وهو الذي يعد من مصادر هيبتها و تغيب أهم معطى في البناء العضوي للدولة وهو التاريخ والإرث الحضاري والبناء المعنوي والثقل الحضاري المركزي ، ضاربه الشعور  بالذات المتمثل في روح المواطنة والولاء والانتماء في مقتل وماحية صور الاندماج الاجتماعي وهو من أهم المرتكزات الأساسية لبقاء الدولة وهيبتها ، هذا الاندماج لم يعد صالحا في ظل الاتهامات التي كانت قد حصلت بين نائب في البرلمان ووزير الذي اتهم الأخير بأنه قد وصف قبيلة أردنية بأنها كالمطاريد وهم جزء من يشملهم الوصف الرسمي المواطنون الأقل حظ!!.

 سعت هذه النخب  إلى فتح شعار الإصلاح و خدمة المافيا العالمية وتفكيك القطاع العام ليس من أجل تنمية واسعة وإنما ما تقرره وكالة التنمية الأمريكية  usaid  و صندوق النقد والبنك الدوليين .

 أما عن الإصلاح السياسي هنالك مشاريع تفكيك الروابط المركزية للدولة وذلك تحت شعار اللامركزية الإدارية وتفكيك الدولة عبر برامج الخصخصة وبيع القاعدة الاقتصادية المتمثلة بالقطاع العام وهدم القاعدة الاجتماعية المتمثلة بالطبقة الوسطى وتحويل الأرض من" قيمة وطنية" إلى" قيمة عقارية" مفتوحة لما يسمى بالاستثمار وتقليص مساحات الأراضي الزراعية لصالح الامتداد العمراني وتوسيع المحميات الطبيعية .

::سباق النخب سباق غير محسوب::

سباق النخب على مستوى الساحة الأردنية إنه سباق غير محسوب بدون جمهور ولا حكام ، سباق يظهر منه فزاعات تخيف الجمهور الأردني المتشبث بالأرض والعرض من هذه الفزاعات الخصخصة وبيوعات مرافق الدولة وتفكيكها و فزاعة اللامركزية بتقسيم الأردن إلى أقاليم و فزاعة الكنفدرالية مع السلطة الفلسطينية و فزاعة الوطن البديل ، الغريب في الأمر أن هذه الفزاعات أصبحت كالتهمة المعيبة أو كأساطير الغول والعنقاء المخيفة ما أن تختفي حتى تعود من جديد على يد  سماسرة ومضاربين متخصصين في ترويع الناس في حلقات غريبة من السمر واللهو العبثي الممل !!!!!

وهناك تحديات أخرى تقلق الجمهور الأردني وهي حالة التنافس في الاجتهاد والمناكفة بين أجهزة الدولة على مستوى الأدوار التي تختزل لتلبي مصالح النخب ذات النفوذ على مستوى القطاعين العام والخاص في ظل تغريب وتهميش للسواد الأعظم من المواطنين.