سورية حالة فريدة من حيث القوانين التي تحكمها

فيصل الشيخ محمد

في ليلة سمر بريء جمعتني مع بعض الإخوة المعارضين السوريين، تساءل أحدهم:

لو جاهر مواطن سوري – مقيم في سورية – بأنه لا يريد أن يحكمه حزب البعث فماذا يترتب على كلامه هذا؟

راح الموجودون كل يدلي بدلوه حول هذه الجريمة النكراء التي أقدم عليها هذا المواطن السوري الجاهل بالقوانين المعمول بها في سورية منذ نحو نصف قرن!

كنت أستمع لكل ما هب ودب من إجابات وتحليلات على ما يمكن أن ينال هذا المواطن السوري المسكين على تطاوله على ذات البعث وما يمكن تجره ذلة اللسان عليه من عقوبات!!

تكلمت بعد أن هدأت الأجواء، وقلت: أرجو أن نفكر جيداً بالنواحي القانونية التي تعالج مثل هذه الحالة، وبعدها نصل إلى ما يمكن أن يحل بهذا المواطن من عقوبة جراء ما ارتكب عن جهل بالقانون.

بداية هناك المادة الثامنة من القانون السوري الذي صدر – على ما أعتقد – عام 1972، والتي تقول: (إن حزب البعث هو القائد والموجه للدولة والمجتمع).. وبموجب هذه المادة فإن هذا المواطن يعتبر ما قاله تطاولاً على ذات البعث، الذي هو القائد والموجه للدولة والمجتمع، والعقوبة قد تصل إلى عقوبة الخيانة العظمى وهي الإعدام لأن القانون – كما يقال – لا يحمي المغفلين.

وإذا ما اقتنع القاضي أن ما صدر عن هذا المواطن ليس المقصود حزب البعث كحزب أو قيادة، إنما قصد به تصرف شاذ قام به أحد أعضاء الحزب تجاهه، فيمكن أن يوجه القاضي لهذا المواطن تهمة أخف من مثل:

1- إضعاف الشعور القومي.

2- أو النيل من هيبة الدولة وإيقاظ النعرات العنصرية والمذهبية.

3- أو تكوين جمعية بقصد قلب كيان الدولة.

4- أو نشر أنباء كاذبة من شأنها أن توهن نفسية الأمة.

ويمكن للقاضي - بحسب مزاجيته وقناعاته – أن يحدد نوع التهمة، مكتفياً بواحدة أو أكثر من التهم السابقة، وعلى ضوء ذلك يصدر الحكم الذي في حده الأدنى السجن لمدة ثلاث سنوات.

وهناك شواهد لمثل هذه الحالة وقع فيها بعض المواطنين السوريين عندما تجرأوا ووقعوا ما سمي (بيان دمشق – بيروت) الداعي إلى تصحيح العلاقة بين البلدين الشقيقين الجارين، وكان بيانهم حضاري وفي مستوى عال من الشفافية، بعيداً عن الاتهام أو تحميل مسؤولية ما حدث بين البلدين إلى أي جهة معينة.. ومع كل ذلك سيق العشرات ممن وقعوا هذا البيان إلى غرف التحقيق وهم معصوبي العينين (علماً أن اجتماع هؤلاء لم يكن في الأقبية أو وراء نوافذ مغلقة أو مسدلة عليها ستائر سوداء، بل كان جهاراً نهاراً وفي رابعة الظهيرة، وكان سلاح كل واحد منهم لا يزيد على قلم حبر جاف وقع به على البيان وانصرف إلى بيته).. وكان كل الموقعين ينتمون إلى التنوع الفكري والعقدي والعرقي والديني والمذهبي الذي يزين الفسيفساء المجتمعية السورية على مر العصور.

وفي النهاية قُدم منهم اثني عشر موقعاً إلى المحاكم العسكرية، ونالوا من العقاب الظالم الذي لا يمكن أن يصدر عن قضاء أي نظام يحترم نفسه ونحن في القرن الواحد والعشرين!!

تساءل بعض الحضور: أليس من حق المواطن السوري بموجب القانون السوري أن يعبر عن رأيه بحرية ودون مساءلة؟!

قلت الإجابة عند السيد الرئيس بشار الأسد، فقد قال حول معاقبة من يخالف القوانين المرعية، في المقابلة الصحفية التي أجرتها معه صحيفة السفير اللبنانية في أواخر شهر آذار الماضي: (هل دخل روجيه جارودي إلى السجن أم إلى مكان تسلية عندما تحدث – مخالفاً القانون – عن الهولوكوست).. ويقصد الرئيس أنه يمكن معاقبة المواطن السوري على الرأي، من خلال القوانين السورية التي أقرت مثل هذه العقوبات.

تابعت الحديث – بعد هذا الاستشهاد – قائلاً: صحيح أن القانون السوري كفل حرية التعبير دون مساءلة، ولكن ما يطبق في سورية ليس القانون السوري الذي وضعته الهيئة التأسيسية المنتخبة من الشعب السوري، إن الذي يحكم سورية اليوم هو قانون الطوارئ والأحكام العرفية المعمول به منذ العام 1963 وهذا يعني وقف العمل بكل القوانين وحتى الدستور، باستثناء ما أجريت عليه من تعديلات، أو صدرت من مراسيم بتعديل بعض فقراته، والتي من بينها أن (حزب البعث هو القائد والموجه للدولة والمجتمع) والقانون رقم (49 لعام 1980) الذي يجرم كل من ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين بعقوبة الإعدام بأثر رجعي، والتعديل الذي اتخذه مجلس الشعب المعين في تعديل السن القانونية التي تخول المواطن السوري للترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، وجعلته من 40 سنة إلى 34 سنة حتى يكون اختيار السيد الرئيس بشار الأسد خلفاً لأبيه غير متعارض مع القانون!!

وفي المجمل فإن سورية حالة نادرة لا شبيه لها إلا في دولتين فقط في هذا العالم الذي نفضت دوله كابوس الاستبداد والديكتاتورية (كوريا الشمالية وكوبا)، فالمواطن السوري يعيش في كنف قانون هو متهم أمامه حتى يثبت براءته..أما كيف الوصول إلى إثبات البراءة فقد عبر عنها دريد لحام في إحدى مسرحياته، عندما كان يحاول الفرار من سورية إلى لبنان، استوقفه صديق له هو حسني البرظان، مستفسراً منه عن أسباب فراره، فقال: كل واحد له ثلاثة آذان عمال يقطعولوا واحدة، فضحك صديقه وقال: ولك إنت إلك دانتين من شو خايف؟ قال: المصيبة بيقطعوا دان وبعدين بيعدوا!!

وحتى تتوضح الصورة من المستحسن أن نقتبس ما قاله النائب السابق رياض سيف - الذي شبَّ عن طوق النظام – أمام قوس المحكمة، بعد إدانته وصدور الحكم عليه:

(أليس ما يهدد الوحدة الوطنية هو جملة ممارسات السلطة، في الاستبداد والفساد والحكم العائلي الوراثي، مترافقة مع سياسات اقتصادية – خرقاء أو خبيثة، سيان – لا يزدهر بموجبها إلا نهب البلاد والعباد؛ وخيارات في السياسة الخارجية، انتحارية أو ارتهانية – أياً كان الطرف دافع الرهن، سيان هنا أيضاً – أو مغامرة أو تابعة).