نيل الوطر في حكاية جوازات السفر

نيْلُ الوَطَر في

حكاية جوازات السفر !

مصباح الغفري  / باريس

فصلٌ من كتاب :

 " العٍبَر ، في خَبَر من غبَر ، من العرب والعجم والبربر "

حدثنا أبو يسار الدمشقي قال :

إعلم ، وفقكَ الله إلى الفلاح ، وهداكَ إلى سياسة الانفتاح ، وتنويع مصادر السلاح . أن الحصولَ على جواز السفر في سجستان ، مُنسَجم مع وثيقة حقوق الإنسان . ولكي تحصَلَ على هذه الوثيقة ، لا بُدّ أن تعرف عنك أجهزة الأمن الحقيقة . فعليك أن تكتبَ تقريراً تروي فيه سيرَتكَ منذ الولادة ، بدون نقص ولا زيادة . وهذا ما رواه لنا عيسى بن هشام ، عندما خرج هارباً من بلاد الشام . قال بعد أن حَمدَ الله وأثنى عليه :

ليسَ صحيحاً أيها الإخوة والرفاق ، أن الوضع في سجستان لا يُطاق . هذه أقوال المغرضين ، من المارقين والمعارضين . الذين يشكّكون بحكمة قائد المسيرة ، واستجابته للمُستجدات بعين بصيرة ، ويَدٍ قصيرة . ويلوكونه بألف مقال ، أقسى على القلب من ثقيل النعال . فإذا عزمت على السفر ، وسوّلت لك نفسُكَ أن تحصلَ على جواز سفر . والنفسُ لا شكّ بالسوء أمّارة ، فعليك أن تحصلَ على شهادة من شيخ الحارة . وبعد ذلك تذهب إلى دائرة الهجرة والجوازات ، ومنها إلى فرع المخابرات . ولا تنسَ مراجعة شعبة التجنيد ، والوقوف على باب سيادة العقيد . واحمل أوراقكَ إلى المخابرات العسكرية ، ومنها إلى المباحث السياسية . فإذا فرَغت فانصب ، وإلى ربك فاشهد . فهذا أول خارطة الطريق ، إلى أن توضعَ على قارعة الطريق !

بعد أن تكملَ هذه الإجراءات ، إذهب  ثابت الخطوات ، إلى فرع الأمن القومي في المخابرات . وهناك تنتظر بضعة شهور ، حتى تحسد سكان القبور . ففي كل يوم استجواب ، عن علاقتك بالأصولية والإرهاب . وعن رأيك في الشيوعيين ، والإخوان المسلمين . وهل أنت على مذهب الشافعي أو ابن حنبل ، أجب قبل أن تتبَهْدَلْ . ولأن البلاد في معركة ، فعليك أن تجيبَ بدون فذلكة ، لكي تنجو من المهلكة . 

إذا كنت مَرضيّ الوالدين ، فستحصل على جواز السفر بعد إشارتين . والإشارة ، في علم التنجيم  والإستخارة . قد تكون شهراً أو شهرين ، سنة أو سنتين ، عقداً أو عقدين ! أليست العَجَلة أم الندامة ، وتورث القهرَ والحزن والندامَة ؟

ولا تنسَ أثناء ملاحقة المعاملة ، أن تُحْسنَ المعاملة ! فالدراهم ، كالمراهم . وادفع بالتي هي أحسَن ، فإذا الموظف كأنه وليٌ حميم .

إذا حصلت على الجواز ، فهذا مكرمة من الحاكمين وإعجاز . لكن لا بُدّ للخروج من تأشيرة ، وتكاليفها جدّ يسيرة ! إذا كنت من المُعسَرين ، أو من العمال والفلاحين . فستصبح من المدينين . أما إذا كنت من أهل اليسار ، من صغار الكسَبَة والشُطّار ، فالدفع لا يُقبَل إلا بالدولار !

 أما إذا كنت من أصحاب الملايين ، فإطعام بضعة ألوف من المساكين ، أو سيارة مرسيدس لأحد أبناء المسؤولين .

لن  تنتهي القضية بالحصول على التأشيرة ، ولو بعت الفراش ونمت على الحصيرة .

أمامَكَ التاكسي والمطار ، ونظرات الجمارك بازورار . وأمامك التفتيش ، وفتح الحقائب للتنبيش ، والهتاف بالروح والدم نفديكَ يا يعيش .

وبكى عيسى بن هشام وبكينا ، قال : ومع ذلك سأعود إلى الوطن ، مهما لاقيت من المحَن . فلكل بداية نهاية .

وأنشَد :

مـن لناءٍ ، عافَ أهلاً وصِحـاباً وديـارا

تَخِـذَ الغـربَة داراً ، إذ رأى الـذلّ إسارا

إذ رأى العَيْشَ ، مُداراة زنيـمٍ لا يُـدارى

يا غريبَ الدار ، لم تكفل له الأوطان دارا

ليسَ عاراً أن تُولّـي من مُسِفيـن فـرارا