العِز بَعدَ الفاقة في حِكاية الأميرعَلاّقة!

العِز بَعدَ الفاقة في

حِكاية الأميرعَلاّقة!

مصباح الغفري

ولم أرَ ظلْماً مثلَ ظلْمٍ ينالُنا     يُجارُ علينا ، ثمّ نؤمَرُ بالشكر

حدثنا أبو يسار الدمشقي قال :

عَلاّقة من أبناء صيدا على البحر ، يُعاني من الإملاق والفقر . يحملُ شبكته في الصباح ، قبل أن تبـدأ  الديَكَة بالصياح . يبيعُ الصيد للتجار ، بأبخسِ الأثمان والأسعار . ويعود إلى البيت في المساء ، يحمل لأطفاله الغذاء والكساء ، يتساءل لماذا كان رزقنا نحن  الفقراء ، بعيداً في السماء ؟  ورزق الحكام الظالمين ، والتجار والمرابين . قريباً في الدار ، أو في  سجلات البنوك  والدفتردار ؟

قاد عَلاّقة جموع الصيادين الفقراء ، فاستولى على الحكم دون عناء . وضرَبَ باسمه النقود وعليها هذه العبارة :

   " عِزٌ  بَعْدَ فاقة ،  الأمير  عَلاّقة "

وسار عَلاّقة على سيرة الأسلاف ، وازداد الصيادون من الفقر والإجحاف !

هذه خلاصة ما ورد في خطط الشام ، عن هذا الأمير الهُمام ، فما الذي دفعني لتذكرها في هذه الأيام ؟

ذلك أن الشيء بالشيء يُذكَر ، وما أشبه عَلاّقة  بالأخ مُعَمّر ! وهل ثمة فارق بينه وبين ما لدينا من رؤساء وقادة  وملوك ، بين المغرب و تبوك ؟ 

الأخ العقيد معمر ، ينفق الملايين على الكتاب الأخضر . ويفجرُ الطائرات بالأبرياء ، لتذهب المليارات في الهواء هباء . وحكام مصر والشام ، أتقنوا النصبَ  ببيع " الترام" . جميعهم مُعيّنون من قبل الأخ الكبير ، من كبيرهم إلى الصغير. الحاكمون في وطن المخافر ، من المحيط الهادر ، إلى الخليج العاثر . هم كشقائق النعمان ، بعضهم يرفع شعار " اللجان في كل مكان " ، وآخرون يستعينون على قضاء وطر الأميركان ، بالتقيّة والكتمان ، فبأي آلاء المخابرات تكذبان ؟

في الخمسينيّات عرفنا " لزقة الأسد " ، لشفاء الروماتيزم والبواسير  والرمد . وفي السبعينيات ، تعرفنا على " لزقة ضبط النفس " وقراءة المُستجدات .  وفي ظل الرفيق المناضل ، أصبحنا نشتهي حتى الحُمّصَ والفلافل ، فلماذا يتحوّل القائد عندنا دائماً إلى مُقاول ؟

من مثلُ الحاكمِ العربي في اللف والدوران ، لكأنه مهرّج في السيرك أو بهلوان . من غيره يستطيع الإنتقال من التصدي والصمود ، إلى استجداء الصلح من اليهود ، ثم نرقص لتجديد بيعته كالقرود ؟ من غيره ينوسُ  بين اليمين واليسار ، وبين التحرر والإستعمار ، دون أن يُصابَ بالدوخة أو الدُوار ؟

مئتا عام على إمارة علاّقة ، وانتقاله إلى العز بعد الفاقة ، ونحن لا زلنا نسير من العز إلى الفاقة !

أربعون عاماً من الأحكام العرفية ، والمجازر الجماعية ، والحصيلة جمهوريّة وراثيّة !

نخسر الجولان وفلسطين ، وتمتليء حساباتهم بالمليارات والملايين ، وتزدان  صدورُ وأقفيَة جنرالاتنا بالأوسمة والنياشين !

إسرائيل تقصف عين الصاحب ، ونحن نشتكي إلى الله ونراقب ، وننتظرُ الوقت المناسب !

أهذا وطن أم مكتب لدفن الموتى ؟

أفتونا وأجركم على الله .

ألم يكن شاعر سورية الأكبر بدوي الجبل على حق حين قال :

نحن موتى ، وشرُّ ما ابتدَعَ الطغيان ، موتى على الدروب تسيرُ