الصحفي التركي آدم اوزكوس
أنا غزاوي وأحلم بالصلاة في المسجد الأقصى بعد تحريره
غزة جميلة رغم الدمار
ريما عبد القادر /غزة
رغم مجزرة غزة، وآلاف الشهداء والجرحى والدمار الكبير الذي حل في أركان قطاع غزة إلا أن ذلك لم يخفي الأخلاق الكريمة والمعاملة الطيبة والابتسامة التي وجدها الصحفي التركي آدم أوزكوس، على ملامح سكان القطاع، مما غير الكثير ما دار في ذهنه أثناء رحلته الشاقة من تركيا مرورا بمعبر رفح إلى قطاع غزة، حيث كان يعتقد أن غزة عبارة عن ركام وبكاء...هذا الأمر غير الكثير من حياته حينما وجدهم يبتسمون رغم الألم المحيط بهم مما جعله يصر على البقاء بينهم والعودة إلى مقاعد الدراسة في الجامعة الإسلامية...
أحب غزة
"غزي سفي يورم.."هذه كلمات تركية كثير ما كان يرددها الصحفي آدم تارة باللغة التركية وتارة باللغة العربية، فكانت تحمل معنى "أنا أحب غزة". ورغم أنه يحب بلده تركيا كثيراً إلا أنه كثير ما كان يفتخر بوجوده في غزة، ويقول:"أنا غزاوي في وطني، فحينما أمشي في شوارع غزة كأنني أمشي في شوارع اسطنبول، فغزة تحمل رائحة وطني".
وقال:" لقد تعلمت منذ صغري من والدي حب فلسطين حيث كان يقول لي يجب أن تحب الشعوب الأخر وأن تحترمها وخاصة فلسطين، فشعب تركيا يحب شعب فلسطين".
وأوضح بالقول بابتسامة مشرقة على ملامحه الشابة، :"كنت كثير ما أحاول السفر إلى غزة أثناء الحرب إلا أنني لم أستطع الحصول على تأشيرة للمرور بمصر والسفر لغزة عبر معبر رفح"، وتابع:" وبعد أن حصلت عليها شعرت بسعادة كبيرة، وأخذت أقول سوف أذهب إلى غزة..سوف أذهب إلى غزة".
وذكر أنه في رحلته إلى غزة كان يدور في ذهنه أن غزة عبارة عن ركام ولا يوجد فيها شيء جميل، وأهلها ناس يبكون على ما فقدوه من أحبتهم، وبيوتهم، حيث الدماء والشهداء، لكن بمجرد العبور إلى رفح الفلسطينية وجد كل شيء على عكس ما كان يتوقع حيث استقبله سكان غزة بالابتسامة الجميلة والسلام الحار الذي زاد من محبته لغزة.
وأضاف:" أهل غزة كرماء فرغم الحصار وحاجتهم إلى النقود إلا أنهم بمجرد أن يعرفون أنني من تركيا لا يقبلون على أخذ النقود ويقولون لي:" أنت حفيد عبد الحميد الثاني".
وبين أنه حينما يتجول في شوارع قطاع غزة لا يشعر بالغربة بل إنه يشعر بأنه في وطنه فيرى من شوارع غزة بأنها شوارع اسطنبول من حيث شعوره بالأمان وشعوره بأنه بالوطن وليس غريب. وتابع:" فحينما يتصل صديقي من تركيا يقول لي لقد تركت تركيا من أجل غزة فكنت أقول له غزة وطني مثل تركيا فلا يوجد فرق كما أن الحدود الحالية هي حدود مصطنعه وضعها الاحتلال فأنا لا أحب الحدود".
واستكمل حديثه بعد أن أخذ نفساً عميقاً اشتم به هواء غزة،:" لقد سافرت لأكثر من 15 دولة، ومع ذلك لم أشعر مثل محبة وطيبة أهل غزة فأنا أشعر أنهم أهلي، فشعب تركيا وغزة لديهم الكثير من الثقافات المتشابهة حيث إنني أجد كل شيء في غزة طيب حتى الفلفل الحار في طعامهم له طعم طيب".
طفل بائع المحارم
وضحك حينما تذكر كلمات زوجته راضية حينما اتصل بها وهو في غزة فسألته هل يوجد طعام في غزة؟؟ فكانوا سعداء حينما كنت أجيبهم أنني بخير في غزة وأحب أهلها. ولفت إلى أن والدته تخشى عليه من السفر خاصة أنه يعمل مراسل حربي لمجلة حياة الحقيقة التركية، وأنه الولد"الذكر" الوحيد بين 7 شقيقات مما يزيد القلق عليه إلا أنها حينما علمت بأنه سوف يذهب إلى غزة كانت سعيدة وكان يخبرها إذا استشهد في غزة بأن تقول:" الحمدلله".
وذكر بان زوجته ووالدته تؤمن بأنه على الرجال الدفاع عن فلسطين ففلسطين ليس وطن لهم فحسب بل هي أرض إسلامية لابد من الدفاع عنها.
واستذكر ما قال له صديقه التركي برش حينما كان يجمع تبرعات لمساعدة قطاع غزة فكان كل يوم يأتي طفل صغير عمره 7 سنوات ويدفع قليل من المال، فسأله لماذا تدفع كل يوم مال؟، فأجابه الطفل التركي " كل يوم اذهب لبيع المحارم وما أحصل عليه من نقود ارغب في تقديمه لمساعدة قطاع غزة حيث إنني شاهدت كيف يقتل اليهود أطفال غزة، لذلك أريد أن أرسل لهم نقود لمساعدتهم".
وأردف قائلاً:" إذا كان هذا تفكير الطفل في تركيا فكيف إذن تفكير الأتراك؟! فهم يحبون أهل غزة وكثير ما كنا تمنى في الحرب أن ينتقل سكان غزة إلى تركيا ونحن نأتي بدلاً عنهم وتسقط علينا الصواريخ، ونكون شهداء".
ولفت إلى أنه قد تعلم الكثير من سكان غزة فكان حينما يزور عائلة شهيد يجدهم يستقبلونه بالابتسامة فكان يقول لهم لماذا لا تبكون؟؟! فكانت الإجابة بأن أحبتنا شهداء ولهم الجنة بإذن الله تعالى، هذه الإجابة جعلت آدم يشعر بأن بحاجة إلى تجديد إيمانه ليكون مثل أهل غزة رغم أنه يحفظ القرآن الكريم.
وقال بكلمات تؤكد برغبته بالبقاء في غزة،:" هذا الأمر جعلني أرغب بالعيش في غزة وأن أربي طفلتي فاطمة مثلهم وأنجب طفل أتمنى أن يولد في غزة واسميه أحمد ياسين". وأوضح أن ما حدث ويحدث في غزة انهض الكثير من الأمور لدى الشباب في تركيا وغيرها حيث أن بعضهم كان لا يصلي فأصبح يصلي واختلفت لديهم الكثير من سلوكيات وإعادة التفكير بشكل جيد بالحياة.
وأكد على أن كرم أهل غزة وقولبهم الطيبة جعلتها يرغب بشدة في الاستقرار فيها وأن يحضر عائلته إلى غزة ويعيش كما يعيش أهل غزة. وعبر عن صدق نيته بالتسجيل في الجامعة الإسلامية لدراسة اللغة العربية من أجل أن يفهم القرآن الكريم ويعمل به، رغم أنه قد تخرج من قسم الصحافة والإعلام في جامعة مرمرة في تركيا.
وذكر أن سكان غزة لهم إنسانية حارة حيث أنهم يحبون الضيوف ويحترمونهم رغم بساطتهم فحينما كان يسافر كان يشعر بالغربة لكنه في غزة لا يشعر بأنه بعيد عن وطنه بل إنه في وطنه.
مراسل حربي
ونتيجة عمله مراسل حرب هذا الأمر جعله يتنقل بين الدول التي تشيع بها الحروب سواء في العراق أو أفغانستان، أو كشمير، أو لبنان وغيرها الكثير التي شهدت أرضها حروب، ورغم تشابها في غزة إلا أن وجد غزة تختلف عن الدول الاخرى حيث أن أهل غزة يحبون الشهادة في سبيل الله تعالى.
وحول سبب رغبته بالقدوم إلى غزة والرغبة في البقاء، قال:" في تركيا أغلب وسائل الإعلام تابعة لأشخاص هم قريبون من سياسة الاحتلال الإسرائيلي مما يجعلهم يلعبون بالحقائق، مما جعلني ذلك ارغب بشكل كبير على إظهار الحقائق من خلال إعداد التقارير والقصص الإنسانية".
وعبر عن سعادته في غزة رغم اشتياقه لأهله في تركيا وخاصة لطفلته فاطمة 8شهور حينما تبلغه زوجته عبر الهاتف بأنها بدأت تكبر وتتحرك مما يزيد شوقه لطفلته فتمنى أن يأتي أهله إلى غزة ويربي طفلته مثل أطفال غزة.
وقال ضاحكاً :" لقد أصبحت غزاوي، وما هي إلا أيام قليله وسوف أتعرف على كل شيء في غزة لأكون مثلهم أكون غزاوي 100% فقد تعلمت كلمات غزاوية مثل أخوكم بالله، الله يعطيك العافية ، استنه شوية ، جوه ، بره... ".
القدس حلمي
وحمل في كلماته التي خرجت من قلبه شوقه وحنينه إلى مدينة القدس والصلاة في المسجد الأقصى المبارك،" أتمنى الصلاة في المسجد الأقصى لكن ليس والاحتلال في داخلها إنما حينما يرحل الاحتلال ويتم تحريرها، ورغم أنني استطيع الآن الذهاب إلى مدينة القدس لكن سيتم الختم على جواز السفر بختم الاحتلال وأنا لا أرغب بذلك".
وحول المواقف التي لا زالت عالقة في ذهنه، قال :" حينما زرت عوائل الشهداء جلب لي قريب شهيد كارتونة عليها بقع دم شهيد فأخذتها واشتمت أنفاسي رائحة الدم فوجدته رائحة مسك طيبة رائحة جميلة جدا".
والموقف الأخر الذي دعم رغبته بالبقاء في غزة تابع بالقول:" بأنني رأيت رجل إيطالي يقول أريد أن استشهد في غزة فسيكون ذلك شرف لي رغم أنه غير مسلم فكيف أنا المسلم ؟؟".
وبينما الموقف الثالث الذي أصابه الحزن حينما كان يخرج في شوارع غزة كان يحب حمل الكاميرا ليصور بها ما حوله، فوجد مجموعة من الأطفال فرغب في تصوريهم، وما إن رأت طفلة تقارب بالعمر 4سنوات الكاميرا حتى وضعت أصابعها في مسامعها وأخذت تركض وتصرخ أمي..أمي، فكانت تظن أنه سلاح وليس كاميرا.
ولفت أنه رغم الدمار في غزة إلا أنها جميلة جداً مما جعله يرغب في تأليف كتاب عن قطاع غزة من الوجه الأخر الوجه الجمالي لغزة وعن ثقافتها وعاداتها وتقاليدها.