الأمن للإسرائيليين...
والعدالة للفلسطينيين!
صلاح حميدة
بهذه الكلمات، لخص المبعوث الأمريكي جورج متشل خطته لما يطلق عليه غربياً الشرق الأوسط، وبهذه الكلمات أعلن رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس أنه واجه متشل، وذكر عباس في خطابه قبل أيام أنه خاطب ميتشل بقوله:( هاقد حققنا الأمن للاسرائيليين، فأين العدالة للفلسطينيين؟) وذكر أيضاً أن الأمريكيين والأوروبيين، شهدوا بأن الطرف الفلسطيني وفّر الأمن للاسرائيليين، ولكنهم كانوا يتهربون من الاجابة عن مطلب إحقاق ما عرّفه ميتشيل ب(االعدالة) للفلسطينيين!.
تحدث عباس أيضاً عن الحوار في القاهرة، واعتبر أنه ليس مطلوباً الاتفاق على كل شيء، ولكن المطلوب الاتفاق على الحكومة التي (تلتزم) بالتزامات منظمة التحرير الفلسطينية، وتحضر للانتخابات، وتعيد الاعمار.
وتساءل عن ما اعتبره تناقضاً في طرح حماس من قضية المقاومة ومنعها من العمل، فقال:(حماس اجتمعت مع الفصائل وقالت لهم اللي بيضرب صاروخ بكسر إجره) ثم أردف(لمًا قلت أن الصواريخ عبثيّة سبّوني، وهم الآن يقولون أنها لا وطنية)؟! وقال(بما أنهم مسموح لهم منع الصواريخ من غزة، فأنا لي الحق بالعمل ضد المقاومة في الضفة)؟!.
حركة حماس من ناحيتها ردت باقتضاب على خطابه، واتهمته بأنه تضليلي، وعبارة عن نعي للحوار، ونكوص عن الاتفاقات السابقة بحل (الرزمة) واعتبر بعض المراقبين السياسيين المصريين أن هذا الخطاب أفشل لقاء الحوار في القاهرة.
بالعودة إلى محاربة المقاومة في الضفة، ومنع المقاومة من إطلاق الصواريخ من غزة، فمن المعروف أن أجهزة الأمن الفلسطينية التي أنشئت نتيجة اتفاقية أوسلو، تقوم على عقيدة أمنية هدفها منع المقاومة(بنص الاتفاقية)، وهذا ما مارسته هذه الأجهزة منذ قدومها، وعندما تقاعست عن أداء هذا الدور تم ضربها خلال انتفاضة الأقصى، وتحديداً، من تقاعس هو الذي ضرب، وحوصر قائدها ورئيسها، وقتل مسموماً، عندما أدرك أن المطلوب هو (ترتيبات أمنية، و تعايش مع الاحتلال) كما قال أحمد قريع، معتبراً أن هذا يعني أن "الاسرائيليين" يتحدثون عن(روابط قرى) وروابط القرى لمن لا يعرفها، هي مجموعات من العملاء للاحتلال، أنشأها الاحتلال قبل انتفاضة الحجارة، لحفظ أمنه واختزال الحق الفلسطيني بحكم ذاتي تحت الاحتلال، وليكونوا واسطة في المعاملات الحياتية بين الاحتلال والشعب الفلسطيني.
ومن الجدير بالذكر أن القيادي الفتحاوي زياد أبو زياد، لفت النظر قبل أيام، إلى نفس ما قاله قريع، وألمح أنه إذا استمر العمل على ترسيخ ما يعرف(قوى الأمن المهنية) فهذا يعني أن الفلسطينيين سيكونون هم من يثبت واقع الاحتلال والاستيطان، لا أن يحاربوه، في إيحاء واضح لا يخفى على كل ذي لبّ..
في باب عقد المقارنة بين منع إطلاق الصواريخ من غزة هذه الأيام، وبين من يمنع المقاومة ويحاربها بكل الوسائل، بون شاسع، بون بين برنامج إدارة مقاومة، وبين برنامج محاربة مقاومة.
فعلى سبيل المثال، ومن الوقائع على الأرض، ماذا لو قرر جندي صهيوني، أو مستوطن، أو المؤسسة الأمنية، أو الاستيطانية في دولة الاحتلال، قرروا أن يقتحموا أي مدينة أو قرية في الضفة الغربية، ليقتلوا أو يعتقلوا أو يصادروا أو يهدموا أو غير ذلك، فما هو رد فعل الأمن هناك؟ وإذا ما حدث نفس الشيء تجاه غزة، فما هو رد الفعل على ذلك؟.
وماذا لو قرر مجموعة من الفلسطينيين محاربة الاحتلال بالسلاح لأنه صادر أرضهم وقتل أهلهم، فهل مسموح لهم الاعداد، والتسلح، والتدريب، والتنسيق، والتمويل، ومن ثم تنفيذ عمليات ضد المستوطنين وجيش الاحتلال؟.
أي مراقب ومتابع للشأن الفلسطيني، يلحظ أن ما يتم في قطاع غزة هو منح الحرية للاعداد والتدريب والقتال، ولكن كل هذا يدار من قبل رأس المقاومة وعمودها الفقري، وهي التي تتحكم في المنطقة أمنياً وتحمي المقاومة من طعنها بالظهر من العملاء، وزعران الفلتان المتدثرين بالمقاومة، فمن المفهوم إدارة المقاومة مع الاحتلال، كماً وكيفاً وتوقيتاً، في ظل عدم إمكانية للحسم معه في الوقت الراهن، ولكن ليس من المفهوم منعها من أي شكل من أشكال العمل، بل نفيها نهائياً، مقابل (هلام) إسمه(العدالة)؟!.
فما هي (العدالة) التي تحدث عنها ميتشيل؟ وما هي آلية تنفيذها؟ ومن هم ضامنوا تحقيقها للفلسطينين؟ وبما أن الأمن للمحتلين قد تم تقديمه عليها، وتحقق الأمن "للاسرائيليين" منذ أكثر من سنتين، فلماذا لم يتحرك أحد لتعريفها وتحقيقها؟.
فأي (عدالة) هي التي تطالب من احتلت أرضه، وهدم بيته، وقتل أهله، ويحاصر ويقتّل ويجوّع، تطالبه بحفظ أمن من يفعل به كل ذلك، كمقدمة لتحقيق مصطلح(هلامي) يسمى ب(العدالة)، وحتى هذه (العدالة الهلامية) لا تأتي أبداً بينما الفلسطيني مطالب ب(الالتزام) بأمن ووجود وتحقيق رفاهية الاحتلال؟!.
والسؤال الأهم هو، بما أن الأمن لل(إسرائيليين) تحقق، وبما أن (العدالة) للفلسطينيين لم تتحقق، كنتيجة ل(من يزرع الأمن يحصد العدالة)، فلماذا هناك من يصرّ على توفير الأمن و(الالتزام) بما يحقق هذا الأمن والرفاهية للاحتلال، والتنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني في غالبية أرضه، وفوق ذلك كله جرّ الرافضين للالتزام السابق إلى نفس المربع؟!.