لا تذبحوا ثورة الحجارة الفلسطينية

يا عرب... يا مسلمون...

لا تذبحوا ثورة الحجارة الفلسطينية

بقلم اللواء الركن محمود شيت خطاب

الموقف:

يوم يُكتب تاريخ الجهاد الفلسطيني بحق, بعيداً عن التضليل والمبالغة والتهويش, وقريباً من الواقع والحق والعدل, فسيكون لثورة الحجارة مكان الصدارة في هذا التاريخ, وفي تاريخ العرب بخاصة وتاريخ المسلمين بعامة, وتاريخ العالم كله في العصور الحديثة, إذ لم يسبق  لثورة مثل ثورة الحجارة, أن يصطرع فيها شباب بعمر الورود, لا يمتلكون سلاحاً غير الحجارة, وجيش مدجج بالسلاح التقليدي والمتطور, وتكون عاقبة هذا الصراع بين قوتين غير متكافئتين: قوة قليلة تجاه قوة كبيرة, وقوة منزوعة السلاح تجاه قوة مدججة بالسلاح, وقوة لا سند لها مادياً ولا معنوياً إلا التمنيات الطيبة والأماني دون أن تتبلور تلك التمنيات والأماني إلى واقع ملموس له ثقل في المعركة المصيرية, تجاه قوة لها سند دولي مادي ومعنوي له واقع ملموس وثقل في المعركة المصيرية, ومع ذلك فالكفة الراجحة للقوة القليلة على القوة الكبيرة, وللشباب غير المدرب على الجيش المدرب, وللقوة العزلاء على القوة المسلحة, وللقوة التي بلا سند ولا غد على القوة ذات السند والطول والحول.

إن ثورة الحجارة هي في واقعها ثورة عارمة, للحق على الباطل, وللسماء على الأرض, فهي جهاد في سبيل الله, وليست قضية عابرة, لذلك هزت العدو الصهيوني هزاً عنيفاً, وكشفت أو كشَّفت واقع قوته الهزيلة, التي ضخمها هذا العدو, وضخمتها أجهزة الإعلام المعادية للعرب والمسلمين, وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية, وأعانهم على هذا التضخيم الكاذب المزور, بعض أجهزة الإعلام العربية التي وجدت بين العرب كتاباً مرتزقة باعوا أقلامهم بثمن بخس للحكام, الذين لم يحسنوا إعداد جيوشهم تدريباً وتسليحاً وقيادة, فهزمت في الحروب العربية الإسرائيلية, فنهض أصحاب هؤلاء الأقلام المأجورة يدافعون عن أسيادهم في تضخيم قوة العدو الصهيوني, لا تقريراً للواقع, بل لتسويغ هزيمة أسيادهم التي لا مسوغ لها إلا تضخيم قوة هذا العدو, وما هو بالقوي ولا بالذي لا يقهر, كما زعم أولئك المرتزقة من الكتاب العرب, وكما زعم أعداء العرب والمسلمين في كل مكان, وكما زعم العدو الصهيوني.

وإذا كانت مزاعم أعداء العرب والمسلمين مفهومة المقاصد والأهداف, كما هي حال مزاعم العدو الصهيوني, فإن مزاعم بعض الكتاب العرب غير مفهومة المقاصد والأهداف, إلا أن يكونوا من أصحاب الجيوب لا من أصحاب القلوب, وبئس عبد الدرهم والدينار وبئس تاجر الضمير.

إن العالم كله اليوم يقول: إذا عجزت (إسرائيل) عن وضع حد لثورة الشباب الفلسطيني بالحجارة, فأين هي قوة (إسرائيل) المزعومة?!.. إن قوتها حديث خرافة! وهذا هو الواقع, بالرغم من تهويلات الصهاينة ومن وراءهم من دول الاستعمار أعداء العرب والمسلمين, وحتى من بعض كتاب العرب المرييين, إرضاء لهزائم أسيادهم من ذوي السلطان, وهؤلاء الكتاب معروفون, وراء الدعاية لهم العدُّو الصهيونيُّ وأعداءُ العرب والمسلمين, الذين جعلوا من الحبة قبة, ولكن الله لهم بالمرصاد, وسيفضحهم في الدنيا قبل الآخرة, لأنهم كانوا مع العدو على أهلهم وأبناء عقيدتهم, وكانوا دوماً في صفوف الأعداء.

إن ثورة الحجارة جعلت للقضية الفلسطينية في العالم وزناً ولوناً وطعماً ورائحة, ورفعتها إلى مكانة مرموقة يحسب لها ألف حساب في الهيئات الدولية العالمية, بعد أن جعل منها الساسة المحترفون قضية لا وزن لها ولا لوناً ولا رائحة.. جعلوا منها قضية لاجئين فحسب!!

وللقائمين بهذه الثورة من الفلسطينيين كل تقدير وإكبار وإجلال, وشكرهم من العرب والمسلمين في كل مكان ينبغي ألا ينقضي, وأن يكون بغير حدود, وأن يفتدي كل عربي وكل مسلم كل واحد من ثوار الحجارة بروحه وماله, وبأعز ما يملك, وأن يكون هذا الفداء عملاً ملموساً لا قولاً تذروه الرياح, لا يضر عدواً ولا يفيد صديقاً.

إن العدو الصهيوني عاجز عن وضع حدّ لهذه الثورة المباركة, كما أثبتت الأحداث ذلك عملياً, وهذه الثورة وقد دخلت سنتها الثالثة, وهي لا تزداد إلا ثباتاً ورسوخاً, ستمضي في تحقيق أهدافها من الصهاينة المعتدين.

ولكن العرب والمسمين وحدهم قادرون على وضح حد لهذه الثورة, وذلك بالبخل عليها بالعون المالي لإدامة زخمها وحقنها بالحياة والقوة والاستمرارية, فلا بد للدول العربية من الوفاء بالتزاماتها المالية لهذه الثورة, ولا بد لأغنياء العرب من مد يد العون السخي لهذه الثورة, فذلك هو الجهاد بالمال الذي أصبح فرض عين على كل مسلم ومسلمة, وما يقال عن واجب العرب دولاً وشعوباً, يقال عن واجب المسلمين دولاً وشعوباً أيضاً.

إنه حرام وعيب, وخزي وعار, أن نظهر سخاء وأريحية في الإنفاق على ما لا يرضي الله, ونبدي بخلاً في الإنفاق على أحد أبرز معالم الجهاد في العصر الحديث للعرب والمسلمين, فماذا سيقول عنا العالم والتاريخ, والأبناء والأحفاد, حين يجدون بخلاً هنا وإسرافاً هناك?!..

إن العدو الصهيوني عاجز بقوته أن يضع حداً لهذه الثورة العارمة, ولكن العرب والمسلمين قادرون ببخلهم على ذبح هذه الثورة بغير سكين, فلينظر العرب والمسلمون كيف يصنعون?.. وهم أمام امتحان رهيب لضمائرهم وحاضرهم ومستقبلهم, وإن ربك لبالمرصاد, وهو يمهل ولا يهمل, وسيحاسب كل مهمل يوم تبلى السرائر, فلينفق العرب والمسلمون قبل ألا يستطيعوا أن ينفقوا.

إن المال عصب الحرب, والصهاينة حرموا الثوار الفلسطينيين من كل مكسب يسد رمقهم, وأكثر الثوار فقراء يعيشون بعملهم اليومي, ولم يبق لهم عمل إلا مصاولة العدو الصهيوني, فهم بحاجة إلى المؤن والكساء والغذاء, والعرب والمسلمون هم المسؤولون عن إعالتهم وإعاشتهم, والجندي يمشي على بطنه, وهو قد يصبر على الجوع والفاقة أياماً, ولكن صبره لن يطول على الجوع, فلا يكون أمامه غير الاستسلام للعدو الصهيوني الظالم الغاشم المستعمر.

يا قادة العرب وأغنياءهم.... يا قادة المسلمين وأغنياءهم....

لا تذبحوا أولادكم أبطال ثورة الحجارة بغير سكين ببخلكم, فقد عجز العدو الصهيوني عن ذبحهم, فلا تؤدوا ببخلكم لهذا العدو خدمة عظيمة عجز هو أن يؤديها لنفسه.

رحماكم! لا تفضحوا العرب والمسلمين بهذا البخل, فلو تنازل كل عربي وكل مسلم عن ثمن لقمة واحدة من طعامه اليومي, لنال الثوار المجاهدون أموالاًً ضخمة من هذه اللقمة.

الدواء

في تقدير العدو الصهيوني أن ثورة الحجارة ستضعف بالتدريج, لأن الثوار بأشد الحاجة إلى المال, ليأكلوا ويشربوا ويلبسوا وتعيش عوائلهم بكفاف, ولن يسد حاجة ثوار الحجارة إلى المال غير إخوانهم العرب والمسلمين, وهم بحمد الله قادرون على إغناء الثوار المحتاجين إلى المال.

والسبيل إلى تجميع ما يكفي الثوار المجاهدين, بل ما يفيض على حاجتهم, يتلخص بالآتي:

أ - دفع الدول العربية التزاماتها المالية التي التزمت بها في مؤتمر قمة الجزائر, وليس سراً أن أكثر الدول العربية لم تدفع ما التزمت به في ذلك المؤتمر العتيد.

ولو أن كل دولة عربية اقتصدت نفقات ثلاثة مؤتمرات من مؤتمراتها التي تعقدها كل سنة, ودفعت ثمن ما اقتصدته من هذه المؤتمرات الثلاثة, لأغنوا الثوار إلى أبعد الحدود, ولقاتل الثوار إلى آخر شاب وآخر حجارة في فلسطين.

ب - تقديم أغنياء العرب والمسلمين ولو جزءاً يسيراً من أموالهم لهؤلاء الثوار, وقد أثبت هؤلاء الأغنياء وجودهم الفاعل في دعم المجاهدين الأفغان فأدوا الأمانة, وزكوا أموالهم وطهروها, وهم لا يتأخرون عن دعم ثوار الحجارة على كل حال.

ج - مطالبة الحكومات العربية أن تطالب منظماتها لتأدية كل فرد فيها جزءاً من ماله لثوار الحجارة, وسيجمعون أموالاً ضخمة يقاتل كل فلس ودرهم منها العدو الصهيوني, ومن هذه المنظمات:

أولاً: المنظمات الحزبية - إن وجدت.

ثانياً: منظمات أرباب الحرف على اختلاف أنواعها.

ثالثاً: الجامعات والمعاهد والمدارس.

د - تنظيم صندوق باسم: صندوق ثورة الحجارة, ينظم وصولات معتمدة من الدولة, تشمل من الفلس الواحد, إلى آلاف الدنانير, وتحشد التبرعات في هذا الصندوق الذي يكون برعاية هيئة مؤلفة من ممثلي الدولة وممثلي الشعب الأمناء.

ومن المهم إثارة المنافسة الشريفة بين تلك التنظيمات كافة ونشر قوائم التبرعات في جميع وسائل الإعلام.

ه - توزع هذه الأموال للأغراض التالية:

أولاً: إسكان الثوار

ثانياً: كسوة الثوار

ثالثاً : إعالة الثوار.

رابعاً: تعويض الثوار الذين تُهدَّم بيوتهم أو تنهب أموالهم وأراضيهم.

خامساً: تعويض عوائل الشهداء وتخصيص رواتب لهم أسوة بشهداء الجيش ضباطاً وجنوداً.

إن نجاح ثورة الحجارة وضمان استمراريتها يكون بالدعم المالي السخي, فافهموا ذلك قبل فوات الأوان.