الفرس والعرب
محمود حسين جناحي
تشير تقارير البنك الدولي الصادرة العام ,2006 عن أوضاع التنمية في العالم في العام ,2005 إلى أن الناتج القومي الإجمالي في إيران قد بلغ (170) مليار دولار. تمتلك إيران احتياطاً نفطياً يقدر بـ (126) مليار برميل، يشكل حوالي 12٪ من إجمالي النفط العالمي، وتنتج إيران يومياً (4) مليون برميل من النفط، الذي تعتمد عليه إيران بشكل أساسي، إذ يشكل حوالي 80٪ من صادراتها.
كما تمتلك إيران احتياطياً ضخماً من الغاز الطبيعي يبلغ نحو (27) مليار متر مكعب، مما يشكل نحو 15٪ من إجمالي الاحتياطي العالمي من الغاز. وتستخرج إيران (150) مليون طن من المعادن سنوياً، ويساهم هذا التعدين بحوالي 9٪ من الناتج الوطني الإجمالي. أما صناعة السجاد اليدوي فتحتل المرتبة الثانية في الأهمية بعد النفط، وقد بلغت صادرات إيران منه في أواسط التسعينات أكثر من (مليار) دولار. ولا ننسى المكسرات الإيرانية الشهيرة، التي تبلغ صادراتها أكثر من (600) مليون دولار سنوياً. والقائمة طويلة، وليست التفاصيل مهمة أهمية السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام؛ أين تذهب هذه المليارات إذن؟! ولماذا يعاني الشعب الإيراني من صنوف الفقر والعوز؟!
وهذه الحقيقة أكثر الناس إلماماً بها - بعد الشعب الإيراني نفسه - هم أهل الخليج العربي، الذي يتردد الآلاف منهم سنوياً على إيران لأغراض سياحية وتجارية ودينية، فيرون بأعينهم مدى ما يلاقيه الشعب الإيراني من فقر! أين تذهب أموال النفط والغاز والمعادن والسجاد والصناعة والزراعة؟ الذي لا شك فيه أن مليارات من الثروة الهائلة تذهب لصالح مشاريع النووي الإيراني ومشاريع التسلح الهائل، وهذه مسألة لا ينتطح فيها عنزان! ولكن المأساة الكبرى تكمن فيما لا يعلمه الكثيرون عن ما تفعله إيران بأموال هذا الشعب المسكين، وهو الإنفاق الهائل على مشاريع ترويج الفكر العقائدي لنظام ولاية الفقيه، ونشر المعتقدات التي تعمل على زرع الشقاق في المجتمعات الإسلامية الموحدة، وتأسيس اللوبيات الفكرية والدينية والسياسية الموالية لها، حتى تتمكن من بسط نفوذها ومعتقداتها على العالم الإسلامي! هذه جولة سريعة لتأكيد هذه الحقيقة:
1- في كينيا؛ أشرفت القنصلية الإيرانية في نيروبي على تأسيس مركز ثقافي كبير، يحتوي على مكتبة ضخمة تضم آلاف الكتب ذات الطابع المذهبي. وتم تجنيد نخبة من السكان الأصليين الذين يتقاضون الأجور المغرية من السفارة الإيرانية للقيام بالدعاية للنظام الإيراني.
2- في أفغانستان؛ تقدم إيران دعماً مادياً غير محدود لتمكين الموالين لها من الهيمنة على قطاع الإعلام، كقناة (آريانا)، وقناة (تمدن) التي يشرف عليها آية الله محسني الذي يتردد كثيراً على إيران. وقد تمكن الموالون لإيران من الاستحواذ على حوالي نصف الجرائد والمجلات التي تصدر في كابول، منها صحف (جمهوريت) و(دانشجو) و(أفغانستان جوان) و(برجم آزادي). كما قاموا بتأسيس جامعة (خاتم النبيين) التي استهلكت مئات الملايين من الدولارات، فهي تتكون من مجمع ضخم من أربعة طوابق، يضم مئات الغرف والصالات وقاعات المؤتمرات والمكتبات وسكن الطلاب. وقد تم بناء هذا المجمع الضخم بإشراف مباشر من مراكز القوى الموالية لإيران، حتى أن العمال الذين قاموا بالبناء ينتمون كلهم إلى جماعات موالية جلبت من باكستان!
3- في إندونيسيا؛ تلعب أموال الشعب الإيراني المسكين(!) دوراً هائلاً في كسب الموالين لنظام ولاية الفقيه. عملت هذه الأموال على تأسيس حوالي (150) منظمة تعمل على نشر الفكر العقائدي الإيراني، أهمها منظمة تسمى (اتحاد أهل البيت الإندونيسي) و(المركز الثقافي الإسلامي) في جاكرتا، و(معهد مطهري) في مدينة باندونغ. وتم تأسيس دور نشر تقوم بطبع وتوزيع الكتب الدعائية، منها دار (الميزان) في باندونغ، و(الهداية) في جاكرتا. كما تتكفل إيران بمصاريف مئات من الطلبة الإندونيسيين الذين يدرسون في الجامعات والحوزات الإيرانية.
4- في السنغال؛ بدأ العمل لنشر النفوذ الإيراني بعد الثورة الإيرانية مباشرة، وبإشراف وتخطيط من السفارة الإيرانية في داكار. بنى الموالون لإيران هناك مركزاً كبيراً وفخماً تم افتتاحه في مايو (أيار) العام ,1981 ويشتمل المركز على نادي الرسول، مسجد الإمام علي، المستوصف الإسلامي، جمعية الهدى الخيرية وأشياء أخرى.
5- في السودان؛ النشاط الإيراني أكبر من أن تخطئه العين، والمال الإيراني أكثر من أن يتم تجاهله! ففي السنوات الماضية قامت إيران ببناء مستوصفين طبيين ومدرستين للبنين ومدرسة للبنات، ولا نظن أن هذه المنشآت الهامة بنتها إيران خالصة لوجه الله تعالى! بل لتمكين النفوذ السياسي والفكري والعقدي لدولة الآيات، خصوصاً وأن مما أسسته إيران (6) مكتبات عامة، و(8) مراكز وجمعيات إسلامية، وتصوروا نوعية الكتب التي تروجها هذه المراكز والمكتبات!. لكن يبدوا أن ثمّة مقاومة شعبية على الصعيد الفكري والسياسي لهذا الغزو الإيراني الممنهج. فقد تناولت وكالات الأنباء في ديسمبر (كانون الأول) 2006 خبر إغلاق الجناح الإيراني في معرض الخرطوم للكتاب، بعد احتجاجات من قبل بعض الشباب بسبب عرض ''كتب إيرانية مسيئة للصحابة رضي الله عنهم''.
6- في جزر القمر؛ إلى سنوات محدودة مضت، لم تكن هذه الدولة الصغيرة تعاني من أي توترات ذات طابع طائفي ومذهبي، حتى جاءت إيران منذ العام 2006 فأحدثت فتناً وقلاقلَ ما كان يعرفها هذا المجتمع المسلم الصغير. وافتتحت إيران في نوفمبر (تشرين الثاني) 2006 مركزاً ثقافياً في العاصمة موروني يسمى (مركز الثقلين)، ومن مهام هذا المركز تجميع وابتعاث الطلاب والطالبات للدراسة في الحوزات الإيرانية! وفي فبراير (شباط) 2007 تم افتتاح مركز مماثل، ذو طابع مذهبي بحت في جزيرة أنجوان، وسبق ذلك افتتاح مركز طبي في يناير (كانون الثاني) من السنة نفسها، وقد حضر الافتتاح رئيس الجمهورية بصحبة السفير الإيراني. كما خصصت السفارة الإيرانية في جمهورية مدغشقر المجاورة (6) مبان خصصتها السفارة للطالبات القمريات اللائي يدرسن في مدغشقر، في خطوة ذكية هدفها كسب الولاء والتبعية.
وقد نشرت الصحف العربية والعالمية في 9 فبراير العام 2007 خبراً مفاده قيام بعض العلماء بقيادة الشيخ سعيد محمد جيلاني قاضي قضاة موروني بطرد الأجانب (أي عملاء إيران) في بعض مناطق موروني من الذين يقومون بزرع الفتن والقلاقل! وصرح القاضي بأن هناك ''ثلاثين شاباً وصبية يتابعون دورات تأهيل في أفريقيا وإيران بهدف العودة ونشر الفكر العقائدي الإيراني''! هذه كانت مجرد ''عينات'' مما تقوم به إيران من جهد كبير، عماده المال، في سبيل إحداث تغييرات في كثير من الدول الإسلامية، وزرع لوبيات ومنظمات ومؤسسات تروج للنظام الحاكم في طهران. هل ما زال اللغز لغزاً.. دولة غنية وشعب فقير؟!