إيران والبحرين وأصبع الزمار

إيران والبحرين وأصبع الزمار

عبد الله خليل شبيب

[email protected]

حين استقلت البحرين ـ في أواخر الستينيات ـ كان الشاه محمد رضا بهلوي ملكا على إيران ..وطالب بضم البحرين زاعما أنها أرض إيرانية ..فثارت ضده ثائرة العالم العربي كله وهاجمه الكثثيرون هجوما عنيفا .. حتى أصدقاؤه وشركاؤه من ذوي التوجه الغربي .. لم يستطيعوا استساغة المسألة ..

وجرت مباحثات واتصالات ومشاورات وضغوط ..انتهت بكف الشاه عن المطالبة [ بتفريس البحرين ] على أن يُترك في حاله وتتوقف حملات الهجوم ضده ..

..وجاءت معلومات أخرى عن ضلوع الشاه في العلاقات ـ حتى العسكرية  مع الصهاينة ..ووردت  معلومات من الصحافة الأجنبية تقول إن الطيارين اليهود يتدربون في إيران على طائرات الفانتوم الأمريكية ـ وكانت حديثة الظهور وأهم ما وصل إليه اختراع الطيران المتطور في الولايات المتحدة آنذاك ..وكان هذا أحد الجوانب والأدلة على العلاقات المشبوهة بين نظامي الشاه والصهاينة .

..وحينما زال كابوس نظام الشاه تنفس الناس ـ داخل إيران وخارجها الصعداء ـ وجاء من يرفعون شعارات إسلامية فرحب الأكثرون بالوضع الجديد ؛ وتحفظ البعض مترقبا ، وارتاب آخرون..!

  ولم يكن يخطر ببال أحد أن يحمل النظام الجديد – الذي يمد يد الأخوة للعالم العربي والإسلامي – أن يحمل نفس [ الفيروسات الفارسية ] والطائفية للعهد [ القومي] السابق !

 ولكن النظام الجديد لم يختلف عن سابقه في هذه المسألة بل أمعن في محاولة السيطرة على الجزرالإماراتية الثلاث.. ولا زال يماطل في موضوعها ..مع أن مشكلتها من مخلفات عهد الاستعمار وتبعيتها للإمارات واضحة!

...ولم يكتف النظام الإيراني بذلك..بل لا زال يطلع علينا بين الحين والحين من يعزف على نغمة [ فرسنة البحرين ] وهي مملكة عربية مستقلة ..وإن كانت – كسائر دول الخليج – وبطبيعة الجوار  [وأحيانا بتعمد عهود الاستعمار ]  قد شاب سكانها خلائط فارسية ورافضية !..ولكن هؤلاء عاشوا مع العرب – المواطنين الأصليين – بأمن وسلام ... بل وحقق بعضهم نفوذا وثروات طائلة ومكاسب هائلة ..ولم يعترض عليهم أو يسيء إليهم أحد ! ولعب بعض المتنفذين منهم أدوارا رئيسة لجذب أمثالهم لهذه البلاد – مستغلين بعض علاقاتهم منسقين أحيانا مع السلطات الأجنبية المسيطرة قبل الاستقلالات !! مما كاد يحدث خللا واضحا في التركيبة السكانية!

 وحينما قامت دولةالبحرين – على ما يبدو – ببعض الإجراءات السيادية التي لم تعجب بعضهم ـ وربما رأوا فيها بعض التعديل لذلك الاختلال الطائفي والعرقي .. ارتفعت عقائر بعض ممثليهم وشاغبوا وطالبوا بمساءلة بعض المسؤولين .. وأثاروا فتنا في البحرين وزادوها إثارة حينما حاولت الدولة أن تحاكم مثيري الشغب والفتنة !

..وقد لعبوا أدوارا تشويشية في المنطقة الشرقية وفي المدينة..ويبدو أن في [ جعبة محركيهم ] الكثير للإثارة والضغط والابتزاز..مما يؤكد أن كثيرا من هذه النماذج هي بمثابة [ مسامير جحا ] يستغلهم المحركون لأهداف معينة – غير بريئة غالبا !!

.. من هنا كان لجوء [البعض ] على ما يبدو [ لأمهم إيران ] مستنجدين .. مما جعل بعض المسؤولين الإيرانيين يطلق – كرد فعل – تصريحاته [ الشاهانية العنصرية ] مما ذكرنا بالمثل المصري المشهور ( يموت الزمار وأصبعه يلعب !)

..لقد أثارت تلك التصريحات [العنصرية المنتنة ] اشمئزاز الأكثرين وثارت عليها ردود كثيرة ..وتراجع عنها النظام الإيراني الرسمي ..تحت كل تلك الضغوط والرفض – كما حصل أيام الشاه !

..وجرت اتصالات وزيارات بين الدولتين – ولا يُدرَى ما كان من اشتراطات وترضيات ..ولكن أعلن الطرفان زوال تلك السحابة السوداء من سوء الفهم والتفاهم وعودة المياه إلى مجاريها الطبيعية ..

.. والغريب أن بعض تلك العناصر – التي تنتسب للشعب البحريني  أعلنت استنكارها للتصريحات الإيرانية وتأييدها لدولة البحرين [ وما ذلك إلا من قبيل [ التقية ] التي يتقنونها !!] ..وهم الذين استفزوها واستغاثوا ببعض مراجعهم مستعدينهم على وطنهم وشعبهم !

..وبعد حين استيقظ [ نظام بعيد أبعد ]! وأراد ان ينتقم من النظام الإيراني ويكون ملكيا أكثر من الملك ..وقام بقطع علاقاته بإيران ..تماما كما قطع علاقاته من قبل بفنزويلا ( انتقاما منها  لأنها قطعت علاقاتها مع شقيقه النظام الصهيوني المحتل والفاسد في فلسطين )!!

...ولكن هذه المرة كانت الخطوة المغربية الرسمية المفاجئة وغير المبررة ..مقدمة ومحاولة عمل [ أسبقية وقدوة ] لغيره ...عسى أن تقلده نظم [ منسوبة للعروبة ].  .. ليس سعيا فقط لعزل إيران .. بل وتمهيدا لتحويلها هي العدو الرئيسي الذي يجب مواجهته ومحاربته ..بدلا عن الدولة اليهودية الصهيونية المحتلة لفلسطين ..والتي تعلن إيران – بشدة وحدة بالغة – رفضها لها ولكل ما يتعلق بها .. وسواء كان هذا الموقف شكليا وقوليا أو فعليا فهو موقف مشكور ..وما على الذين ينتقدونه إلا أن يثبتوا هم بالفعل ما تكتفي فيه هي بالقول !..أو على الأقل :

( فليسعد النطق إن لم يسعد الحال )

.. هذا وإنا لنضع أيدينا على قلوينا خشية أن تتخذ الدولة المغربية قرارا ما ضد موريتانيا كذلك انتقاما منها لقطعها علاقاتها بالكيان الصهيوني ..ذلك القطع الذي نرجو أن يكون دائما وابديا وجازما ..لا مجرد إجراء مؤقت أملته بعض الضرورات والظروف !!

..إن على النظام الإيراني ان يعلم أن مثل تلك التصريحات والمواقف الغريبة والاستفزازية التي تصدر من بعض أركانه أحيانا ليست من مصلحته .. وأنها تضره أكثر مما تنفعه ... وأن من الخير له ان يتقارب مع جيرانه وإخوانه بإخلاص وحسن نية – وبدون مطامع إمبراطورية أو عنصرية او مذهبية .

..فخير لهذه الأمة – عربها وعجمها – أن تتوحد في مواجهة الأخطار الماحقة التي تتهددها من قوى الكفر والعدوان العالمية الطامعة .. والتي تمثل الدولة اليهودية [ طليعتها وراس حربتها ]

   .. إن المسلم الحق يضع إسلامه فوق جميع الاعتبارات العرقية والمذهبية والمصلحية وغيرها ...والإسلام واضح لا يقبل اللبس ولا الشرك ولا العدوان ولا الغش ولا النفاق ..وله حدود واضحة ومواقف صريحة ومحددة من معظم القضايا والأفكار ..

...وما كان لنا أن نخوض في قضايا فيها شبهة العنصرية والقومية والمذهبية إلا لضرورة التوضيح ..ومن يدعو إلى وحدة المسلمين لا يمكن أن يدعو إلى ترسيخ كيانات ودعوات جاهلية تؤدي إلى تفريقهم ..ولكن في مواجهة واقع مُر مفروض ..لا اقل من التفاهم والتعاون والتقارب في جميع النواحي ..إلى أن يأذن الله لهذه الأمة أن تزول عنها كوابيس الكفر والضلال ..وتعود إلى رشدها ووحدتها وعزتها وقوتها واستقلالها الحقيقي ..وتنبذ كل ما يعيق ذلك ..وتخلع ربقة التبعية في أية ناحية ..وتقطع حبال الكائدين وترد كيدهم في نحورهم وتستمسك بعقيدتها ودينها بحق وإخلاص ..وتقوم خلافتها الراشدة التي تجمع ولا تفرق وتعز ولا تذل وتعيد لها هيبتها ومكانتها العالمية التي هي جديرة بها في عالم لا يحترم إلا الأقوياء .. بل وتحمل رسالة الإنقاذ إلى العالم المتخبط المتشحط في الدماء الحرام والأموال الحرام ..والنظم الجاهلية النابعة من الأهواء البشرية ومطامع الهيمنة غير المشروعة ..مع تقديم (بلسمه ) الأخلاقي ..لينقذ العالم من مهاوي الفساد التي قاده إليها أتباع الهوى والضلال من الضالين والمغضوب عليهم ومن تبع مناهجهم الضالة الضارة تبعية عمياء فأورد قومه مهاوي الضلال والضياع !