تحت سيف الاعتقالات

صلاح حميدة

[email protected]

ما ان أعلن عن فشل مفاوضات صفقة الجندي شاليت، حتى بدأت حملة اعتقالات اسرائيلية استهدفت بشكل رئيس قيادات ونواب من حركة حماس في الضفة الغربية، لم يكن الاعتقال مفاجئاً ولا مستغرباً بعد الضجة الاعلامية التي أثيرت حول الموضوع، ولكن بدا واضحاً لكل مراقب للوضع الفلسطيني، أن خصوم وأعداء حركة حماس، يستهويهم الانتقام من هذه الحركة في الساحة المفضلة لهم وهي الضفة الغربية وتحديداً في ملف الاعتقال والمعتقلين، فكلما استعصت حماس على هذه الأطراف كان الانتقام في الضفة الغربية.

فحركة حماس في الضفة الغربية تعاني من الاستهداف منذ عملية( الجدار الواقي) التي قام بها الجيش الاسرائيلي ضد المقاومة الفلسطينية، ولكن هذا الاستهداف حينها لم يمنع حركة حماس من تحقيق فوز كاسح في الانتخابات البلدية والتشريعية الفلسطينية، وقبل وأثناء وبعد الانتخابات لم يتوقف الاعتقال والاستهداف للحركة لعرقلة مسيرتها، ولكن بعد أسر شاليت تحديداً زادت وتيرة الاعتقالات بشكل كبير، كماً ونوعاً، وأضحى نواب ووزراء وقيادات حماس خلف القضبان، ومن خرج منهم قبل أسابيع أعيد إلى السجن بعد فشل المفاوضات للإفراج عن نفس الجندي الأسير.

بعد أحداث غزة بين مجموعات من حركة فتح  وحركة حماس، كانت حماس في الضفة الغربية على موعد مع الاعتقالات من قبل أجهزة فتح الأمنية، وأصبح الاستهداف مزدوجاً، وكانت حماس تدعو على الدوام لاطلاق سراح عناصرها من سجون السلطة، وأعلنت أنها لن تحضر حوار القاهرة الذي سبق حرب غزة، بسبب ما قالت أنه تصعيد خطير للاعتقالات في صفوف عناصرها في منطقة الخليل تحديداً.

في جولة  الحوار الحالية، كانت حماس عند مطالبها، الافراج عن المعتقلين قبل الحوار، ولكن الظاهر أن ضغوطات مورست على حماس للذهاب للحوار بدون تبييض السجون في الضفة، وتم  الافراج عن جزء منهم  بالتقسيط، وبعض من خرجوا أعاد الاحتلال اعتقالهم، كما لم يسلم آخرون من الاعتقال من السلطة ومن الاحتلال.

هذا الاستمرار في الاعتقال لعناصر حماس وقياداتها السياسية، تزامن مع حديث موسع عن انتخابات تشريعية ورئاسية في الضفة الغربية وقطاع غزة؟! وتوارد الحديث عن تاريخ معين لا يبعد عن الآن كثيراً(بداية العام القادم)، فهل للحديث عن الانتخابات علاقة مع تزايد الاعتقالات؟

هناك من يرى أن ملفات الحوار الداخلي وملف شاليت، مرتبطة ببعضها البعض وإن لم يظهر ذلك بوضوح، فإذا تعثر الحوار ، نعثرت مفاوضات شاليت، وإذا حدث العكس حصل العكس؟

ولكن هناك من يعتقد أن ما يتم الآن من حوارات ومفاوضات وضربات شديدة وحصار على حركة حماس، لا يعدو عن كونه تقاسم أدوار في سبيل إنضاج حماس على نار حامية، لتتكيف مع الشروط الأمريكية والغربية والاسرائيلية، التي هي مطالب محور النفاق العربي أيضاً.

تحاور حماس وتفاوض، فتتصلب، فتضرب ثم تحاور ، وهكذا دواليك، فأي انفتاح عليها  لا يعتبر مفاجئاً، بل هو جزء من خطة معدة، ويؤكد ذلك تصريحات كثيرة، حول حضور الامريكيين معنوياً على كل ساحات محاورة ومفاوضة حماس، فشروطهم تلاحقها أينما حلت، حتى يخيل للمراقب أن إسرائيل وافقت على كل مطالب المعتلِين العرب، ولم يبقى غير حماس لتختم على الورقة.

بالعودة إلى الانتخابات تحت سيف الاعتقالات، فهذه قضية هامة وملحة، تظهر أن لاعباً جوهرياً في الساحة الفلسطينية لا زال جالساً في وسط الملعب، وهو ممارس الاعتقال، فممارس الاعتقال الفلسطيني لم يتعامل مع الاعتقال ضد حماس إلا من باب أن حماس بكافة تشكيلاتها تشكل خطراً أمنياً على السلطة،وهذا التعامل شكل قاعدة في التعامل مع حركة حماس منذ تأسيس السلطة، ولم يكن وليد الانقسام والصراع الداخلي،  ولم يمنع الحوار في القاهرة من الاستمرار في ممارسة هذا الدور، ولا يظهر أنه سيتم التنازل عنه مستقبلاً، في ظل الظروف الموضوعية على الأرض.

أما ممارس الاعتقال الاسرائيلي، فهو لم ولن يكف عن استهداف الفلسطينيين بالاعتقال والحصار والقتل والدمار، فمثلاً لو تم الاتفاق على تشكيل الحكومة في القاهرة والانتخابات وغيرها، وبقي الاستهداف بالاعتقالات مستمراً، وبقي الحصار على قطاع غزة مستمرا ًكذلك، والتجويع والترويع والدمار والتقتيل من قبل الاحتلال، والاذلال على معبر رفح للغزيين(يخرج ستماية للسفر ويرجع منهم خمسماية وخمسون بعد إذلالهم من الأشقاء؟!) في هكذا حال، كيف ستتم الانتخابات؟.

هنا يبرز سؤال وجيه، هل أفشلت صفقة شاليت والتهدئة، حتى تأتي الانتخابات، وحماس لا يوجد في جعبتها ولا أي إنجاز مادي ولا معنوي تذهب به إلى الناخب الفلسطيني؟ وكيف ستشارك حماس بانتخابات تحت سيف الاعتقالات  والاستهداف والاغتيالات؟ وما هو الضامن لشفافية ونزاهة ومراقبة هكذا انتخابات؟ وكيف ستخوض حماس انتخابات في الضفة بلا مرشحين  ولا عاملين ولا مراقبين ولا وكلاء  للانتخابات، في ظل اعتقالات تطال كل من يمت لحماس بصلة؟

أعتقد أن الحديث عن الانتخابات في ظل هذا الاستهداف في الضفة بالاعتقالات وفي غزة تحت ظل الحصار والترويع والقتل والتجويع ومنع إدخال كل مستلزمات الحياة، ما هو إلا ترف سياسي، وهو وصفة أكيدة لانتخابات لا يوجد فيها أي نوع من النزاهة والموضوعية.

حتى الآن، لم تنتقل الحوارات في القاهرة للحديث حول القضايا الجوهرية، والقضايا الجوهرية هي التي تتعلق بالمسارات التي تحدد مصير الشعب الفلسطيني وقضيته، وهي التي تتحدث عن اتفاقيات منظمة التحرير وبرنامجها السياسي اللذان تنازلت بموجبهما عن 78% من أرض فلسطين مقابل الاعتراف بها؟! وهو المضحك المبكي؟! فهل الشعب الفلسطيني قاوم وضحى ليحرر وطنه، أم فعل ذلك ليعترف العالم بمنظمة التحرير مقابل تنازلها عن 78% من أرضه؟! ولا أستطيع الفهم حتى الآن لماذا تصر هذه المنظمة بشخوصها وتنظيماتها على إجبار كل من يريد دخولها على الاعتراف بحق اسرائيل ب78% من أرض فلسطين؟! وهل هذا هو نضال منظمة التحرير؟! هل هدف منظمة التحرير هو الاعتراف باسرائيل؟! أم تحرير الارض والشعب الفلسطيني منها؟!.

في ظل الظروف السابقة والتي أعتقد أنها ستكون اللاحقة أيضاً، لا بد من طرح حلول ثورية على مائدة الحوار، فالأصل أن تطرح قضية حل السلطة نهائياً، وقد يقول قائل أن حل السلطة بيد المنظمة وليس قوى المقاومة والممانعة الفلسطينية، وأنا هنا أوافق على هذا الرأي، ولكن لا بد من طرح الموضوع ونقاشه بجدية، لأن استمرار الحديث عن قضايا ثانوية تعيدنا من حيث خرجنا لن يجلب الخير لا للشعب ولا للقضية، بل ستجرنا الى متاعب ومصائب جديدة.