مثلث القوة
عوامل التفعيل ومجالاته
هشام منور
كاتب وباحث فلسطيني
ما كانت واقعة "دافوس" بين رئيس الوزراء التركي (أردوغان) ورئيس الكيان الإرهابي (بيريز) لتستحوذ على كل هذا الاهتمام الإعلامي لولا أنها شكلت "منعطفاً" تاريخياً في العلاقات التركية الإسرائيلية لجهة استعادة (تركيا) لدورها الإقليمي ومكانتها لدى العالم العربي، والذي لطالما نظر إليها على أنها الجار والصديق بحكم عوامل الدين والجغرافيا والتاريخ.
والحال أن المقومات الاجتماعية والاقتصادية التي تشتمل عليها (تركيا) ونفوذها الجيوسياسي الممتد حتى أواسط آسيا، إذ يقدر عدد الناطقين باللغة التركية حول العالم بمئتي مليون نسمة، قد عزز من مكانة (تركيا) في المنطقة والعالم، ورشحها بالتساوق مع كل من العالم العربي وإيران، في نظر كثير من الخبراء الاستراتيجيين، لتشكيل "مثلث للقوة" يمثل مرتكزاً للاستقرار والتوازن الإقليمي في مواجهة المطامع الامبريالية والتوسعية الصهيونية، ورافعة للعمل المشترك.
وفي ظل ضياع بوصلة النظام الرسمي العربي وعجزه عن توحيد صفه في مواجهة التحديات التي تحدق بالمنطقة، فإن الفرصة قد تبدو سانحة لإحياء منظومة العمل العربي المشترك، والسعي مع كل من تركيا وإيران لتأمين مصالح شعوب المنطقة عن طريق بناء هذا الثالوث، والذي تشعر "إسرائيل" بخطورة تشكله، فبدأت تسعى لتفكيكه مبكراً من خلال مواصلة الضغط على (إيران) عبر ملفها النووي، ومعاقبة (تركيا) على مواقفها الأخيرة إزاء العدوان على غزة، كتهميش دورها في عملية السلام والادعاء بأنها وسيط غير نزيه، وتأجيج بعض الملفات الساخنة بالنسبة للحكومة التركية في المحافل العالمية ولدى الولايات المتحدة الأمريكية بالذات، في ظل النجاح النسبي الذي عرفته تركيا في معالجة بعض هذه الملفات. وعرقلة جهود (تركيا) لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن الضغط اقتصادياً عبر حرمان قطاع السياحة التركية من السياح الإسرائيليين الذين يقدر عددهم سنوياً بنحو 700 ألف سائح، والامتناع عن تزويد المنظومة العسكرية التركية بالتقنيات الأمريكية الحديثة التي تستوردها عبر "إسرائيل".
ولمواجهة المخاطر والتهديدات التي تحيق بالتقارب العربي التركي، وتعزيز إمكانية تطويره وتفعيله، ينبغي ملاحظة عدد من المجالات والعوامل التي قد تشكل دافعاً قوياً في هذا السياق. فمن الضروري تغيير الصورة النمطية التي حرص الاستعمار إبان وجوده على تعميقها وتعزيزها بين العرب والأتراك، واستبدالها بالعمل على خدمة مصالح الطرفين وأهدافهما؛ انطلاقاً من الروابط التاريخية والجغرافية والدينية التي تربطهما، ولعل المثال السوري التركي في هذا السياق يشكل "نموذجاً" لصياغة مثل هذه العلاقة.
كما يمكن للإعلام العربي والتركي أن يقوم بدور هام في تقريب المسافة بين الجانبين، وتبرز في هذا الصدد الحاجة إلى إعلام عربي ناطق باللغة التركية، وآخر تركي باللغة العربية، لتعزيز مساحة العلاقات العربية التركية وتفعيلها. فيما يبرز الجانب الاقتصادي ليشكل مجالاً حيوياً وأساسياً لتطوير العلاقات، في ظل الإمكانات الاقتصادية الهائلة التي يمتلكها الجانبان، وإمكانية توظيفها وتسخيرها لتحقيق الازدهار والرفاهية لشعوب المنطقة.
ويبدو أن على النظام الرسمي العربي أن يلتفت بشكل جدّي لتقييم علاقاته الإقليمية مع جيرانه، وأن يوظّف تلك العلاقات لخدمة شعوبه والتي لم تكن تنتظره لتمدّ جسور التواصل مع جيرانها.