قرار توقيف البشير والتآمر على تفتيت السودان
هشام منور
كاتب وباحث فلسطيني
إذا كانت مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية في حق الرئيس السوداني (البشير)، في الرابع من الشهر الجاري، بناء على طلب المدعي العام للمحكمة (أوكامبو)، لم تكن مفاجئة للمتابعين لسير الأحداث وتطوراتها في السودان، منذ أن أصبح السودان ضمن دائرة الاستهداف الدولي إثر اكتشاف المخزون الهائل من الثروات النفطية والمعدنية (فضلاً عن المائية والزراعية والحيوانية) في جنوبه وغربه بالذات، فإن إصرار المحكمة الجنائية الدولية على إصدار مثل هذا القرار الخطير إذ يسجل سابقة أولى بحق رئيس دولة منذ تأسيس المحكمة عام 2002، فإنه يرسم العديد من إشارات الاستفهام عن سرّ هذا الإصرار "العجيب" على إصدار قرار التوقيف في ظل تجاهل المحكمة ومناصرو قرارها للمجازر الإسرائيلية الوحشية التي شاهدها العالم بأسره في قطاع غزة، دون أن يجرؤ أحد حتى على المناداة بفتح "تحقيق داخلي" في قصف "إسرائيل" لمقرات ومدارس منظمات الأمم المتحدة في غزة، فضلاً عن محاسبة "إسرائيل" على جرائمها التي تندى لها جباه مناصريها ومؤيديها.
والحال أن إثارة مشكلة دارفور صناعة غربية استعمارية بامتياز، وجميع العرب والمسلمين والشعب السوداني يعلم أبعاد القرار الصادر عن المحكمة الدولية، والذي يستهدف التأثير على القرار الوطني السوداني، وزعزعة الاستقرار الداخلي، وتفتيت السودان إلى كيانات عدة (جنوب السودان، إقليم دارفور، إقليم كردفان، إقليم النوبة في الشمال...) لتبقى (الخرطوم) تسيطر عملياً على وسط السودان فقط، أو ما يسمى بالسودان القديمة.
هل نحن نتبنى نظرية المؤامرة ونكون مجرد "مهجوسين" بأبعادها إذا أشرنا بأصابع الاتهام إلى "إسرائيل" وعملائها في الأنظمة الغربية، وبالذات في الولايات المتحدة، بوقوفها وراء تصعيد الأزمة في هذا الوقت الذي تشهد فيه جهود الحكومة السودانية نجاحات متتالية في ملف المصالحة الداخلية؟!. ألم يعلن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي (آفي ديختر) عن هذا الموقف في الصحف الإسرائيلية في مقاله "الهدف هو تفتيت السودان وشغله بالحروب الأهلية"، وقال فيه: «السودان بموارده ومساحته الشاسعة وعدد سكانه يمكن أن يصبح دولة إقليمية قوية، وقوة مضافة إلى العالم العربي».
وهل بات خافياً على أحد حجم المطامع الصهيونية في السودان عامة، ودارفور والجنوب بصفة خاصة، وهي المطامع التي لخصها رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي السابق الجنرال (حاييم لاسكوف) بقوله: "إن نجاح إسرائيل في تطوير علاقاتها مع الدول الإفريقية في غرب القارة - خاصة تلك الدول التي تقع جنـوب الصحراء والمتاخمة للدول العربية- سيحقق لها مـكاسب إستراتيجية كبيرة، وسيساعد على تلافي نقاط الضعف الإستراتيجي المتمثلة في إحاطتها بطوق عربي محكم، والوصول إلى الظهر العربي المكشوف في ميدان لا يتوقعه العرب".
تفتيت السودان ونهب ثرواته وإضعاف العرب والمسلمين لصالح تقوية نفوذ "إسرائيل" في المنطقة، هي الأهداف الكامنة وراء إصدار قرار توقيف البشير مغلفة بذرائع إنسانية وحقوقية واهية، فهل يعي العرب والمسلمون ما يحدق بهم وينصروا العدالة الحقيقة خارج أسوار محكمة الجناية على العدالة الدولية؟!.