الملكية والأحزاب المغربية
جدلية القوة والضعف
نور الدين علوش
مقدمة : الحديث عن الحقل السياسي المغربي يقتضي الحديث عن الأحزاب المغربية والملكية ؛ الا ان العلاقة بينهما لم تكن دائما على ما يرام اذ تميزت مرة بالتوتر ومرة آخري بالتفاهم .
فرغم ما يقال عن حياد الملكية اتجاه الاحزاب المغربية الا انها في الواقع تتدخل في عمل الاحزاب وتتحيز لهذا الحزب ضد الاخر.
* تحديدات مفاهيمية
*الملكية في المغرب ليست كالملكية البرلمانية الموجودة في الغرب , بل هي ملكية تنفيذية لها من الصلاحيات الكبيرة سواء على المستوى التشريعي أو التنفيذي أو القضائي .
والملك في المغرب يتميز بمجموعة من المشروعيات كالمشروعية الدينية المتمثلة في إمارة المؤمنين والبيعة, والمشروعية التاريخية والوطنية المتمثلة في النسب الشريف وتاريخ الدولة العلوية, والمشروعية الدستورية ...
* الأحزاب
I – ماهية الحزب السياسي
هناك عدة تعاريف للأحزاب السياسية : - تعريف " constant benjamin" الحزب هو اجتماع من الناس لديهم ، أو ينادون بمذهب سياسي واحد "
تعريف H.Kelsen" الأحزاب هي تنظيمات تجمع عدد من الناس من نفس الرأي لتحقيق تحالف حقيقي وسيطرة على الشؤون العامة "
وهناك أيضا تعريف FrancoisGorguel" الحزب مجموعة منظمة للمشاركة في الحياة السياسية ، إما من خلال السيطرة الكاملة ، أو المشاركة في السلطة ، وتحقيق أفكار ومصالح أعضائه "
وتعريف المنظر السياسي الشهير GeorgesBurdeau الحزب" مجموعة من الأفراد لديهم نفس الرؤى السياسية ، تجهد وتبحث لتجعلها متفوقة على غيرها من الرؤى ، محاولة جمع أكبر عدد من المواطنين في البحث عن عملية الوصول إلى السلطة ، أو على الأقل التأثير على أفكارهم
*وظائف الحزب السياسي
دافيد أبتر ، يميز وظائف الأحزاب السياسية وفق تواجدها في أنظمة ديمقراطية أو توتاليتارية . ففي النظام الديمقراطي ، الحزب السياسي له 3 وظائف أساسية : مراقبة السلطة التنفيذية ، تمثيل المصالح ، اجتذاب المرشحين والأعضاء. وفي الشمولي ، للحزب وظيفتين : الحفاظ على صلابة وتضامن المجموعة المكونة له ، ودور الإشراف والإدارة.
نيل ما كدونالد ، يلخص وظائف الإحزاب السياسية في المجتمع في خمسة :
- الحزب كأداة لسيرالعمل الحكومي
- الحزب الذي يلعب دور "السمسار" : أي وسيط بين الحاكم والمحكوم
- الحزب كناطق باسم الرأي العام
- الحزب كأداة لإختيار وتحديد المرشحين
أما شارل ديباش وجان ماري بونتيه ، يضيفان على السابق أن للحزب السياسي دور في التغيير عن طريق عملية الإقتراع ال سياسي.
* تصنيفات الأحزاب السياسية
1 –التصنيف التنظيمي : أحزاب الأطر وأحزاب الجماهير
أحزاب الأطر تعمل على استقطاب الوجهاء والأعيان ، كبار الموظفين ، فهي مهتمة بالنوع وليس بالكم . كما تتميز بعدم سعيها لزيادة عدد المنخرطين وبالبنى المرنة وهيمنة القمة على القاعدة .
- أحزاب الجماهير: ظهرت مع الأحزاب الإشتراكية ، والأحزاب الديمقراطية المسيحية هي التي نجحت في هذا الشأن . أحزاب الجماهير مدينة في تطورها إلى الإقتراع العام .
تتميز بخاصيتين : الإنخراط الكثيف + التنظيم القائم على بنية قوية .
2- التصنيف الإديولوجي
تصنف اديولوجيا الأحزاب إلى 3 أحزاب :
- أحزاب اليمين ذات النزعة المحافظة
- أحزاب اليسار ذات النزعة التقدمية
- أحزاب الوسط : أحزاب ترفض المبادئ المتطرفة لهذين الحزبين
تطلق كلمات يسار ويمين على الاتجاهات السياسية في فرنسا وهي ترجع إلى 1789
* الملكية والاحزاب المغربية بعد الاستقلال لمحة تاريخية
هناك 3 مراحل في العلاقة بين الأحزاب المغربية والملكية:
- المرحلة الأولى : الصراع على السلطة (1956-1975 )اعتبرت هذه المرحلة حاسمة على مستوى التجربة الحزبية في المغرب , اذ خلالها سيتم الحسم في النظام الحزبي الذي سيعيش في ظله المغرب المستقل.حيث احتدم الصراع بين قوتين كل واحدة لها تصوراتها للنظام الحزبي الذي يجب انتهاجه..ففي اللحظة التي كان حزب الاستقلال يسعى الى اقامة نظام الحزب الوحيد كان القصر يراهن على النظام الحزبي المتعدد. حاول حزب الاستقلال السيطرة على المشهد السياسي المغربي عبر آليتين :- القضاء على الاحزاب المعارضة فمن جهة عمل على على توسيع قاعدته من خلال ادماج الاحزاب الصغيرة ومن جهة ثانية دشن حملة واسعة على الاحزاب المعارضة خصوصا حزب الشورى واللاستقلال
- المطالبة بالحكومة المنسجمة التي تمكن من تحقيقها بعد اسقاطه حكومة البكاي بالمقابل ستعمل الاحزاب الاخرى على مناهضة الحزب الوحيد حيث سيقدم حزب الشورى والاستقلال وحزب الاحرار المستقلين وحزب الوحدة المغربية والحركة الشعبية عريضة للملك يطالبون بقانةن ينظم الحريات العامة وياتي الرد من طرف القصر الملكي باصدار العهد الملكي سنة 1958 وظهير الحريات العامة في نفس السنة وقانون الانتخابات سنة1959.
لكن الحزب الذي كان يسعى الى نظام الحزب الوحيد تعرض لانشقاق حيث ظهر الاتحاد الوطني للقولت الشعبية بزعامة المهدي بنبركة بالاضافة الى ظهور احزاب جديدة في اطار التعددية الحزبية على سبيل المثال :-حزب الدستور الديمقراطي تحت رئاسة محمد حسن الوزاني –حزب جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية بزعامة رضا اكديرة- حزب التحرر والاشتراكية بزعامة علي يعتة- حزب الحركة الشعبية بزعامة المحجوبي احرضان
عرفت لمرحلة ما بعد الاستقلال الشكلي تطورات سياسية مهمة كان من نتائجها تكريس النظام الحزبي التعددي وظهور خليط من التنظيمات اليمينية واليسارية كما تم طرح اشكاليات الدستور والمجاس التاسيسي والملكية الدستورية كقضايا خلافية في فكر النخبة السياسية .غير إن احدات التي شهدتها المرحلة كحالة الاستتناء ومؤامرتي 1970و1971 واحداث بوعزة والدار البيضاء وظهور الحركة الماركيسسية اللينينية بالاضافة الى التناقضات الداخلية للاحزاب السياسية ستؤدي الى ظهور مرحلة سياسية جديدة يشعارات جديدة سيتم خلالها تكريس لعبة التوازنات السياسية.
* المرحلة الثانية :التفوق الاستراتيجي للقصر (1975-1990)
تجسد هذه السنوات الممتدة بين 1974-و1980 لحظة اعادة تشكيل المشهد الحزبي المغربي بامتياز هذه اللحظة تحكمت فيها إرادة مزدوجة للتجاوز فالاحزاب الوطنية سعت الى تجاوز ثقافة مواجهة السلطة التيتملكتها منذ الاستقلال , والسلطة القائمة حاولت تجاوز ثقافة الاقصاء لمن لا يشاركها كامل اقتناعاتها بحثاعن اجماع وطني لاستكمال الوحدة الترابيىة.
ان اللحظة التي كانت مؤثثة بخطاب المغرب الجديد والاجماع الوطني وتروم اعادة تشكيل المشهد الحزبي استلزمت "-اولا:معارضة جديدة وثانيا: اغلبية جديدة
-معارضة جديدة :
استطاع الاتحاد الاشتركي للقوات الشعبية في مؤتمره الاستتنائي 1975 ان يحسم خياره الديمقراطي وان ينبذ الخيار البلانكي المغامر وهذا ما تجسد في استراتيجية النضال الديمقراطي ؛ كا ان الحزب التقدم والاشتراكية في مؤتمره الاول 1975 حاول ان يجيب عن سؤال المشروعية من خلال تبني مقولة الديمقراطية الوطنية كمرحلة تاريخية نحو الاشتراكية وقبل ذلك كان علي يعتة قد انتقد النزعات اليسراوية المغامرة تمهيدا لهذه الاجابة.
- اغلبية جديدة :كان ضبط التوازنات يحتم على السلطة القائمة مزاحمة احزاب المعارضة الجديدة بواسطة اغلبية جديدة تمكن من تمرير الخيارات الرسمية بكيفية مضمونةوللتوفر على هذه الاغلبية اعتمدت اليتان :-الية خلق الحزب الاغلبي "":-بعد اعتماد الية الحزب الاغلبي لاول مرة سنة 1963 بخلق جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية ستعود السلطة القائمة الى اعتماد نفس الالية في اكتوبر 1978 بتاسيس التجمع الوطني لاحرار بزعامى احمد عصمان
- الية الاحزاب الحليفة :رغم ان الاحرار كانوا يشكلون غطاءا برلمانيا لحكومة اكتوبر 1977 برئاسة احمد احمد عصمان بتوفرهم على الاغلبية المطلقة ,فقد تم تطعيم هذه الاغلبية بحزبين اخرين حزب الاستقلال والحركة الشعبية.
- مرحلة التناوب التوافقي : 1990 الى الان
دخل المغرب في تجربة "انتقال ديمقراطي" منذ تشكيل حكومة "التناوب التوافقي" برئاسة عبدالرحمن اليوسفي في ربيع العام 1998. جرى التمهيد لذلك بإشاعة مناخ سياسي يوفر القدر الضروري من الثقة التي افتقرت إليها الحياة السياسية الوطنية طويلاً: منذ اعفاء حكومة الراحل الكبير عبدالله إبراهيم من مسؤولياتها في العام 1960. محطات خمس ترجمت ذلك المناخ منذ نهايات عقد الثمانينات وحتى خريف العام 1996: الإفراج عن معتقلي اليسار، تخفيف المحظور النيابي وإجازة مناقشات "ملتمس الرقابة" على الحكومة في البرلمان، التجاوب النسبي مع المذكرة الدستورية المرفوعة إلى الملك من زعيمي المعارضة عبدالرحيم بوعبيد وأمحمد بوستة من خلال التعديلات الدستورية، العرض الملكي المتعلق بتشكيل حكومة أقلية من "الكتلة الديمقراطية" في العام 1994 والضمان الملكي لغالبيتها النيابية، ثم التعديلات الدستورية في العام 1996 وتصويت المعارضة لأول مرة في تاريخها لمصلحتها. وهي في جملتها وفرت المقدمات التأسيسية لتلك الصفقة السياسية التي قضت في مطافها الأخير بتشكيل حكومة التناوب الأولى.
قيل في حينها، بلسان السلطة وقوى "الكتلة الديمقراطية"، إن "التناوب التوافقي" هو المدخل الضروري إلى إنجاز عملية انتقال ديمقراطي هادئ على مقتضى التفاهم والتراضي بين القوتين الرئيسيتين في الحقل السياسي: المؤسسة الملكية والحركة الوطنية. وقصد بالتوافقي أمران اثنان: أولهما أنه تناوب غير مكتمل النصاب التشريعي بسبب افتقار "الكتلة الديمقراطية" إلى الأكثرية النيابية (حيث لم تحصل الكتلة إلا على ثلث مقاعد مجلس النواب) وحاجته بالتالي إلى نوع من التوافق يقع به استيلاد حكومة بقيادة اليسار. وثانيهما أنه ثمرة تفاهم وتوافق سياسي بين الملك والكتلة أنتجته ضرورات سياسية داخلية ودولية وأنضجت إجراءات بناء الثقة القسم الأعظم من شروطه. وكان يمكن تبرير الاجماع على فكرة التوافق لذينك السببين وابتلاع أي تحفظ حوله، خصوصاً أن البديل الوحيد له المعروض موضوعياً هو تشكيل حكومة من الأكثرية النيابية القائمة لن تكون سوى طبعة جديدة لسابقاتها، حتى إن الذين وقفوا وقفة نقدية من حكومة التناوب غِب تشكيلها وكاتب هذه السطور منهم لم يعترضوا على مبدأ التناوب التوافقي أو على حكومة التناوب، بمقدار ما آخذوا الكتلة وقيادتها على عدم تمسكها بالشروط السياسية التي تسمح لها بتنفيذ برنامج منسجم غير معروض على مساومات سياسية كانت في غنى عنها مثلاً لو قبلتا باقتراح تشكيل حكومة أقلية.
لكن التناوب التوافقي طال أكثر من اللازم واستهلك عشراً من السنوات كانت كافية بجميع المعايير السياسية والزمنية لإنتاج خريطة تمثيلية حقيقية تطلق التطور السياسي والتنافس من عقاله التوافقي الكابح، أو على الأقل تفتح الأفق أمام اصطفافات واستقطابات سياسية حقيقية معبرة عن توازن فعلي للقوة غير محجوز بفكرة التوافق. وهي حاجة كانت ولا تزال ضرورية حتى في حالة الإصرار على التمسك بخيار التوافق الوطني خياراً رئيسياً. إن إعادة إنتاج صيغة التناوب لحكومة 1998 في حكومتين لاحقتين لا تبعث على الشعور بأن عملية الانتقال الديمقراطي تقطع أشواطها نحو استنفاذ مرحلة وولوج أخرى، بمقدار ما تشيع الاعتقاد بأنها تراوح في المكان وتعود عوداً متكرراً على بدء
* نقد مقولة الملكية فوق الاحزاب
طالما سمعنا بهذه المقولة وترددت كثيرا في التحاليل السياسية فهل صحيح ان الملكية فوق الاحزاب؟
التاريخ السياسي للمغرب يحدثنا عن الصراع بين الملك والاحزاب الوطنية حيث عمل بكل ما في وسعه اخترقها والعمل على اضعافها دستوريا وفعليا .
بل حتى الى خلق احزاب موالية له كما هو شان جبهةالدفاع عن المؤسسات الدستورية بزعامة رضا اكديرة سنة 1963 والتجمع الوطني للاحرار بزعامة احمد عصمان 1978 والحزب الوطني الديمقاطي بزعامة ارسلان الجديدي سنة 1981 والاتحاد الدستوري بزعامة المعطي بوعبيد 1983واخيرا حزب الاصالة والمعاصرة بزعامة فؤاد الهمة 2009 .
الملكية تجسد قوتها من خلال ضعف الاحزاب ؛ في المغرب حيث الملكية تسود وتحكم لايمكن لالااحزاب ان تكون قوية وهذا ما نلاحظه في الدستور حيث تمتعت المؤسسة الملكية بصلاحيات كبيرة سواء على المستوى التشلرعي او القضائي او التنفيذي في حين ان دور الاحزاب لايرقى الى المشاركة في الحكم بقدر ما دور تاطيري وتربوي.
لايمكن للأحزاب ان تلعب دورها الاساسي في ظل ملكية تحكم وتسود فعلى الاحزاب والقوى الاسلامية العمل على رفع مطلب الملكية الربلمانية في كل مناسبة والضغط على المؤسسة الملكية من اجل تحقيق هذا المكسب الذي سيدخل المغرب حقيقة إلى الانتقال الديمقراطي كما فعلت اسبانيا في السبعينات.
المراجع:-الاحزاب السياسية المغربية 1934-1999 محمد ظريف منشورات المجلة المغربيةلعلم الاجتماع السيسي
- عبد الاله بلقزيز في www.arabrenewal.org
- مطبوع " القانون الدستوري والمؤسسات السياسية " ذ.احمد حضراني كلية الحقوق مكناس