مسيرة الوفاق العربي

لا نريد لها أي منغصات أو عقبات

فيصل الشيخ محمد

مصر والسعودية محقتان في تأكيدهما على أنهما سيشاركان في قمة الدوحة المقبلة بشخص ملك السعودية عبد الله والرئيس المصري حسني مبارك، في حال عدم دعوة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إليها، وفي حال دعوته لحضور هذه القمة فإن البلدين مصر والسعودية ستشاركان في أدنى مستوى من التمثيل، وهذا يجر إلى أن تحذو بعض البلدان العربية الأخرى حذوهما، وتشهد الدوحة بالتالي قمة عربية ضعيفة في تمثيلها وضعيفة في قراراتها.

نحن نقر بأن إيران دولة إسلامية شقيقة، ولنا معها مصالح كبيرة، ويربطنا بها الجوار، وحدود تمتد على طول ساحل الخليج العربي والعراق، وهذه الدول تشكل عمق وطننا العربي شرقاً وبوابته، ومن مصلحة العرب وإيران أن تكون العلاقة بينهما في أحسن أحوالها، من حسن جوار وتعاون وتبادل للمصالح، قائمة على الاحترام وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي منها.

ولكن ما شهدناه وعلى امتداد الثلاثين سنة الماضية من الشقيقة إيران بعد انتهاجها خطاً إسلامياً ثورياً، أنها تلوح بين الفينة والفينة، بتهديدها لبعض دولنا العربية في الخليج معلنة – على سبيل المثال – أن مملكة البحرين هي محافظة إيرانية، وقد قالت نفس الشيء من قبل بحق الكويت والعراق، والعرب لا يزالون يتجرعون مرارة المساعدات اللوجستية والمخابراتية التي قدمتها إيران للأمريكيين الغزاة، لتسهيل مهمتها لاحتلاله بأقل الخسائر وأقصر زمن.. ومن ثم قيام ميليشيات الموت التي دربتها في قم وطهران باستباحة دم العراقيين من أهل السنة، وفي مقدمتهم (العلماء وأساتذة الجامعات وضباط الجيش والطيارين وشيوخ العشائر) لتعيد العراق بالتعاون مع الأمريكيين والصهاينة إلى ما قبل التاريخ.

ولم تكتف إيران بكل هذا بل راحت أبعد من ذلك في أطماعها التي امتدت من شرق الوطن العربي إلى مغربه، حيث زودت سفاراتها في بلداننا بالمبشرين للمذهب الشيعي، وزودتهم بمئات الآلاف من الكتب والنشرات المغرضة الكاذبة والملفقة، مدعومين بمئات الملايين من الدولارات لإنفاقها على الجهلة وضعيفي النفوس وأنصاف المتعلمين وبعض المسؤولين الجشعين، كي ينحرفوا عن مذهب أهل السنة والجماعة أو يساعدوا في ذلك الانحراف، مستغلة بعض حالات الجهل والفقر والحاجة لدى بعض فئات مجتمعاتنا العربية، لتزعزع الأمن والسلم الأهلي والتعايش السلمي فيما بينها، وكان آخر عمليات التبشير تلك التي تقوم بها كانت في المملكة المغربية، مما اضطر الحكومة المغربية إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران عندما استشعرت بالخطر المذهبي الذي تبشر به سفارتها على أراضيها.

لقد استبشرنا خيراً عندما قامت الثورة الإسلامية في إيران، وقد ذقنا الأمرين من حكم الشاه السابق الذي كان الفزاعة التي تهدد استقرار منطقتنا، ويقف على الدوام إلى جانب عدونا الكيان الصهيوني، ويقيم صروحاً للتحالفات الغربية في منطقتنا.. وقلة من الناس من يعرف لماذا غير الشاه رضا خان (مؤسس السلالة البهلوية) بعد قضائه على (السلالة القاجارية) اسم الدولة من الفارسية إلى الإيرانية.. فقد ألغى الشاه رضا خان بمرسوم ملكي أصدره في 31 كانون الأول عام 1934 لفظة (فارس) وجعله (إيران) لأنه – كما صرح – يعتبر أن (لفظة فارس رمز كريه للماضي ويذكر بالتراث الإسلامي للبلاد).. وجاءت الثورة الخمينية لتبقي على اسم إيران الذي لا يذكر بالتراث الإسلامي الذي كانت فارس أهم ولاياته، ومنها نبغ معظم فقهاء وأئمة الإسلام ولغوييه، وأصرت على تسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي لأنه يرمز إلى الإمبراطورية الفارسية التي ملأت الأرض جوراً وظلماً واستعباداً، وكان حرياً بالثورة الإسلامية أن تعود بإيران إلى التسمية التي تذكّرها بالانتماء إلى الإسلام الحنيف، الذي خيم بظلاله على فارس، وأخرج أهلها من عبودية المخلوق إلى عبودية الخالق، ومن تقديس النار والسجود لها، إلى تقديس الواحد الأحد، والسجود لله الفرد الصمد.

وفي هذا السياق نتمنى على الحكومة السورية أن تراجع حساباتها في علاقاتها التي جعلتها (إستراتيجية) مع إيران، وتأخذ بعين الاعتبار مصالح الأمة العربية، وتعود لتغرد في سربها، وأن سورية جزء لا يتجزأ منها، بل هي قلب العروبة النابض.

كما نتمنى على الإخوة في قطر أن تكون علاقتهم بإيران متوازنة، وبحسب ما تقتضيه المصالح العليا لأمتنا العربية، وقد وضع لنا نبينا عليه الصلاة والسلام قاعدة متينة في نسيج العلاقات بين الدول عندما قال: ((أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وابغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما)).. ولا أخال القادة القطريين تنقصهم الفطنة والحكمة.. وأن عليهم أن لا يضعوا أي منغصات أو عراقيل في طريق الوفاق العربي، ومؤتمر الدوحة القابل، الذي تتوسم به الأمة العربية من أقصاها إلى أقصاها الخير والأمل!!