النظام السوري والمحكمة الدولية

النظام السوري والمحكمة الدولية..

مالي ولابن الحريري!!

محمد صالح الشمّري

قضى الحجاج أيامه الأخيرة، بعد أن أعدم الشيخ الجليل الفقيه العالم سعيد بن جبير، في هلع وقلق جافى النوم عينيه ونبت الراحةُ عن جسمه ونفسه.. فكان يفزع أنصاف الليالي من وطأة الكوابيس وهو يصيح كالمجنون: مالي ولابن جبير.. مالي ولابن جبير!!..

وبقي على هذه الحالة حتى تم استدعاؤه ليمثل هو وابن جبير أمام محكمة قدسية الأحكام  والقوانين عند أحكم الحاكمين..

وكأني بالنظام السوري يمر بالتجربة نفسها ويعاني من الكوابيس عينها بعد أن أقدم على حماقة من كبرى حماقاته التي ارتكبها خلال عمره المديد المتخم بالسخائم والمصائب والمظالم.. وذلك باغتياله الرئيس رفيق الحريري يرحمه الله.. أخرجته هذه الفعلة الشنيعة من لبنان.. وما أدراك ما لبنان بالنسبة لنظام كالنظام السوري: فقد كان الدجاجة التي تبيض له ذهباً أحمر خالصاً فبنوك لبنان وخيراته وإبداعات مواطنه في كل شيء كانت تصفى وتسحب إلى جيوب أقطاب هذا النظام وأركانه ومجلس لورداته.. ويلحظ المراقب لعملية اغتيال الحريري أن إخراجها لم يكن متقناً بالشكل المطلوب لمثل هذه العملية الكبيرة جداً جداً بدليل أن تداعياتها لم تنتهي حتى الآن وقد لا تنتهي حتى تسطر نهاية النظام السوري.. فلماذا كانت قلة الإتقان هذه.. علماً أن النظام صاحب اختصاص في هذا الميدان تشهد له العديد من العمليات السابقة واللاحقة.. فقد سبقت عملية اغتيال الحريري على سبيل المثال لا الحصر، عمليات اغتيال كل من: سليم اللوزي ورياض طه  وجنبلاط ومفتي لبنان حسن خالد الخ... ولحقتها عمليات اغتيال كل من: سمير قصير وجورج حاوي وجبران توني وبيير الجميل الخ... وكلها عمليات نُفذت بحرفية عالية فكانت "ما تخرش الميّة" على رأي إخواننا المصريين.. فلماذا كانت هذه العملية تفتقر إلى الإتقان المطلوب والمتوقع من (ابن صنعة) ماهر في صنعته؟!..

الجواب لا يحتاج إلى كبير ذكاء.. فقد أقدم النظام على تنفيذ هذه العملية وهو (مرتاح): فلبنان في يده كان كالخاتم في الإصبع.. ويعلم أدق دقائقه كما ينظر صاحب حوض سمك صغير إلى سمكاته أين تروح وكيف تغدو ويعلم حركاتها وسكناتها والعاقل في لبنان كان يخطب ود أو على أقل تقدير عدم سخط النظام.. وأجهزة الأمن اللبنانية خالصة مخلصة للنظام لا تملك أية استقلالية من أي نوع من الأنواع حتى وإن كانت شكلية هامشية ثانوية لا تقدم ولا تؤخر.. وبالتالي فإن طبائع الأشياء تمنح النظام السوري نوعاً من الاطمئنان الواسع الذي يغري ويُطمع بالتساهل في الكثير من إجراءات الاحتياطات الواجب إتباعها في مثل هذه العمليات.. فأقدم على ارتكاب جريمته بدم بارد وأعصاب غاية في الراحة متساهلاً إلى حد كبير، في تعمية الأدلة التي يمكن أن تقود إليه وتكشف فعلته اتكاءاً - كما أسلفنا- إلى أنه لن يكون ثمة من يحق أو يدقق أو يحاسب وبعد أن تم تنفيذ الجريمة عمد كأجراء روتيني إلى طمس معالمها دون تدقيق أو شديد اهتمام.. ثم طوى الصفحة وهو يهز العصا أمام أنوف كل من تحدثه نفسه بالاعتراض أو مجرد مناقشة ما يفعله النظام في طول لبنان وعرضه..

وحسب النظام السوري أن هذه الجريمة مرت كغيرها، وغيرها كثير في تاريخ النظام.. ولكنه فوجئ بحجم ردود الفعل والتداعيات التي أعقبت هذه الجريمة داخل لبنان وعلى المستوى الإقليمي والدولي..

فللحريري علاقات واسعة وعميقة وشبكة من العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية أعقد بكثير مما قدره النظام.. الذي أفقدته المفاجأة توازنه.. ومن يفقد توازنه يقع في أخطاء متراكبة متوالية كل منها تقود إلى واحدة أخرى أو أكثر من واحدة وهذا بالضبط ما حصل مع النظام السوري الذي بادر على عجل إلى محاولة كنس ما خلفه وراءه من أدلة أهمل أو تساهل في طمسها وإزالتها وتعميتها.. ولكن في أجواء الارتباك وعدم التوازن كان يقع في أخطاء تزيد في التفاف الحبل حول رقبته.. فكان يتحرك ويده على الزناد وكلما قدّر أو توهم أن شخصاً ما يمكن أن يكون دليلاً على جريمته أو شاهداً عليها كان يرديه قتيلاً فوقع في سلسلة من حوادث الاغتيال في الساحة اللبنانية وفي عمق تركيبة النظام نفسه أيضاً بهدف قطع كل الخيوط التي يمكن أن توصل التحقيق في الجريمة إلى المجرم الفعلي..

والذي أفقد النظام صوابه أكثر هو أن الجهات الدولية التي كانت - سابقاً- تسكت أو تتكتم أو تتساهل أو تتواطأ حيال جرائمه كانت، هذه المرة، هي المبادرة إلى فضحه ومتابعته ودعم عملية محاكمته فكان خروجه المذل من لبنان ثم محاصرته بموضوع المحكمة الدولية التي صبغت جميع تحركاته وسكناته فما من خطوة خطاها منذ ارتكابه لجريمة اغتيال الحريري حتى الآن وإلا وكان لهذه الجريمة أثر عليها من ناحية هروبه من استحقاقاتها وزاد من توتر النظام السوري وارتباكه وفقدان توازنه بدء أعمال المحكمة الدولية الخاصة في هذه الجريمة اليوم الأحد 1/3/2009م في لاهاي في هولندة الأمر الذي فاقم كوابيس النظام الذي حُرم لذة النوم منذ ارتكابه فعلته هذه وها هو يفزع في منتصف الليالي صائحاً: مالي ولابن الحريري.. مالي ولابن الحريري. وقد أنشبت المحكمة الدولية أظافرها في عنق النظام وما نظن أنها تفلته حتى ترديه.. وإن غداً لناظره قريب.