إيران... على مفترق طرق
صلاح حميدة
فجر أحد مساعدي مرشد الجمهورية الإيرانية قنبلة في المنطقة، بإعلانه عن كون مملكة البحرين تعتبر المحافظة الرابعة عشرة للجمهورية الإيرانية؟! واعتبر أن ما يجري من صراع نفوذ بين بعض الدول العربية وإيران في مناطق أخرى لا ينطبق على البحرين، فهي كما قال أرض إيرانية، بل محافظة إيرانية؟!.
أثارت هذه التصريحات عاصفة في المنطقة جمعاء، وصلت أصداؤها إلى موسكو والدول الغربية، وتسابق عدد من زعماء الدول العربية للذهاب والتضامن مع البحرين، فيما تضامنت عدد من الدول الغربية وعلى رأسها روسيا لإدانة التصريحات الإيرانية، وطمأنت السعودية البحرين بأن عليها الإعتماد على الجيش السعودي، فيما لزمت الولايات المتحدة الأمريكية الصمت المريب، وهي التي تعتبر البحرين قاعدة لأحد أساطيلها البحرية؟!.
بعيداً عن ما ستثيره هذه التصريحات، و حول ما سيقال عن الأطماع الإيرانية، ومحاولة إسقاط ذلك على الصراعات الطائفية وغيرها من الأقوال، فقد ذكرتني هذه التصريحات، بالتصريحات التي أطلقها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين تجاه الكويت، وكيف جاءت هذه التصريحات متزامنة مع غزو الكويت، وكيف كانت أيضاً تابعة لإطلاق صاروخ فضائي عراقي؟!.
بعض التفسيرات تقول أن هذه التصريحات تأتي في سياق الصراع الداخلي في إيران بين القوميين والإسلاميين، وبعض التفسيرات تعتقد أن إيران أصيبت بالغرور لتحقيقها إنجازات على الارض ولإطلاقها قمراً إلى الفضاء، مضافاً إليه قدراتها على التصنيع العسكري، ولكن هناك من يقول أن إيران تعاني من مشاكل داخلية كثيرة، إقتصادية وإجتماعية وعرقية، وتحاول من خلال هذه التصريحات إلقاء الكرة الملتهبة خارجاً وتصدير مشاكلها الداخلية في حجر المحيط العربي، وخاصرته الرخوة( البحرين).
أعتقد أن هذا التصريح له دوافع عديدة قد تشكل خليطاً غريباً، كما أرى أن إيران الآن تقف على عتبة تغيير جذرية، ويعتبر هذا التصريح ومن شخصية جوهرية كنوري زاده، تصريحاً يعبر عن تدافع خيارات تعصف بإيران الآن.
فإيران، وبالرغم من كونها تحكم على قاعدة( ولي الفقيه) وبالرغم من انها تنعت بأنها فارسية، إلا أن إيران تقف اليوم على عتبة التغيير الحقيقي، فإيران تتكون من الشيعة والسنة العرب في الأهواز، وهؤلاء لهم طموحات لا يرون أن الدولة الحالية في إيران تمثلها، وبالرغم من كون مرشد الجمهورية من أصول أذرية، إلا أن الأقلية الاذرية في إيران تعتبر أن حقوقها مهضومة، وتحن إلى الوطن القريب أذربيجان، ولا تستطيع فهم أن دولتهم الشيعية تعادي دولتهم الأم أذربيجان، وتتحالف مع أرمينيا المسيحية عدوتهم،كما أن أهل السنة في إيران لا زالوا يعتبرون أنفسهم مضطهدين ولا يتمتعون بالإمتيازات التي يستحقونها.
من المجمع عليه إيرانياً بعض القضايا، ويقف على رأسها، إيران قوية، إيران إسلامية، إيران تلعب دوراً يوازي إمكانياتها وجغرافيتها وديموغرافيتها في المنطقة، هذه الأهداف المجمع عليها داخلياً لا تشكل بالنسبة للخليط الكبير في إيران بوتقة تصهرهم، وتتعدى بهم العتبة القادمة.
فإيران الآن أمام أسئلة و أجوبة صعبة، وقف قبلها أمامها دول كماليزيا، وتركيا الجارة، وأعتقد أن الإجابة على هذه الأسئلة لا تكمن بتصدير الأزمة إلى الخارج، فتجربة صدام حسين ماثلة أمام القادة الإيرانيين، ولن تتردد كل القوى العالمية بضرب إيران ضربة ماحقة إذا تجرأت على الوقوع في السقطة( الصدامية)، بل ستكون إيران قدمت الخدمة الأكبر لأعدائها، وستعاني من مجازر ودمار، كالذي يعانيه العراقيون الآن.
القيادة الإيرانية مطالبة اليوم بدراسة التجربتين العراقية والتركية بتوسع وأناة، فلهم بجارهم التركي عبرة، فقد عانت تركيا مما تعاني منه إيران، وكانت دوما تتجنب الإجابة على الأسئلة الجوهرية بتصدير الأزمة داخلياً باضطهاد الأقليات، أوخارجياً بالعدوان على دول الجوار، بحجج متعددة، ولكن لم تحصد إلا الشلل والعزلة والتحوصل والفساد والتآكل الداخلي.
وعندما انتبهت تركيا بقيادتها الحالية إلى وضعها، ودرست مشاكلها بعقل وقلب مفتوحين، وصلت إلى نتيجة مفادها، ان النفوذ لا يكون بادعاء ملكية أرض ما، او تسيد عرق ومذهب ما على غيره من أبناء الوطن الواحد، فقام الحزب الحاكم بمحاربة الفساد بشراسة، واحترم الأقليات وإعطاها حقوقها، حتى أصبحت تحس أن هذه الدولة دولتها مثلما هي دولة الأتراك والسنة وغيرهم، قام الحزب الحاكم بالتواصل مع المحيط، أصلح علاقاته مع سوريا وأرمينيا وإيران نفسها، تواصل مع العرب والمسلمين، تصالح مع اليونان والروس، فماذا كانت النتيجة، النتيجة هي ما نراه الآن، دولة قوية عسكرياً، إقتصادياً، إجتماعياً، سياسياً، دولة منسجمة داخلياً، وتحتفظ بعلاقات جيدة خارجياً.
إيران الآن مخيرة بين النموذجين العراقي والتركي، وهي تقف على مفترق طرق، فإما أن تسير باتجاه التعاون وحل المشاكل الداخلية وإعطاء كل ذي حق حقه، وأن تتعدى عتبة الأزمة التي تعيشها الآن، وتحقق القفزة الحضارية الموعودة، وإما أن تقع في الحفرة التي وقع فيها العراق.