خطيئة أردوغان
خطيئة أردوغان
أ.د/
جابر قميحةرأينا " حماس " في تصديها للجيش الصهيوني بكل ما استخدمه من أسلحة فتاكة ، وقذائف وقنابل مدمرة لم تستخدم في أية حرب من قبل ، مثل القنابل الفسفورية ،وغيرها مما لم يُـكشف عنه حتى الآن ، وإن كشِف أن الضحايا من القتلى والجرحى يعدون بالآلاف ، زيادة على تدمير أغلب المباني ، وتسويتها بالأرض ، و كانت الحصيلة القضاء على أسر كاملة ، و عدد ضخم من النساء والأطفال .
ومع ذلك ظلت حماس ـ بمساندة تنظيم الجهاد ـ صامدة صمود الأبطال على مدى أربعة أسابيع ، لم ترفع خلالها راية التسليم ، ولم تبدِ ضعفا ، ولا وهنا ، مسترخصة دماءها في سبيل العرض و الأرض و القيم الإنسانية و الإسلامية ، ظلت حماس متماسكة ، متمسكة بالمبادئ التي أعلنتها كشرط لتهدنة مؤقتة .
وبشهادة العدول من الساسة و القادة – و منهم يهود – تعد حماس بهذا الثبات والإصرار وجها وضيئا مشرقا في تاريخ العرب و النضال الفلسطيني .
وإذا كانت حماس هي الوجه المضيء المشرف في شكل " تنظيم " ، فقد ظهر وجه وضيء مشرف في صورة قائد زعيم ، يتدفق رجولة و عزة و كرامة و إباء اسمه " أردوغان " ، و حكايته مع كلب اليهود معروفة مشهورة . و هناك إجماع على عظمة الدور البطولي الذي أداه الرجل في عزة و رجولة و إباء ، أعاد الي الأذهان عظمة الخلافه العثمانية في تاريخها الوضيء .
ومن المواقف الشامخة المشرفة التي ينقلها لنا التاريخ أنه في سنة 1314 هـ . طلب هرتزل اليهودي النمساوي من السلطان عبد الحميد أن يتنازل لليهود عن قطعة من فلسطين كي يؤسسوا فيها دولة ، وأغراه بإبداء استعداد اليهود لتسديد ديون الدولة العلية ، وبالمساعدات السخية ، لكن السلطان المخلص رفض هذا الطلب وقال :" أنصح دكتور هرتزل بألا يتخذ خطوات أخرى في هذا الطريق ، فإنني لا أستطيع أن أتنازل عن قدم مربعة واحدة من هذه الأرض ؛ لأنها ليست أرضي ، وإنما أرض شعبي الذي حارب في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه ، دع اليهود يحتفظوا بملاينيهم فإذا تفككت امبراطوريتي فإن اليهود قد يحصلون على فلسطين بدون مقابل ، لكنهم لن يصلوا إليها إلا على أشلاء أجسامنا بعد تمزيق أوصالنا. "
**********
ولكننا للأسف الأسيف نجد كاتبا من كتاب الأعمدة الأهرامية ( يوم 2 2 2009 ) ، يتهكم و يحقر الدور الذي قام به الرجل العظيم أردوغان ، ومما قاله في عموده هذا :
" ... ورغم أن ما رأيته لم يكن مزحا أو هراء إلا أن المشهد برمته الذي جمع بين ما دار علي منصة دافوس ورد الفعل في مقاعد الحضور حيث كانت أمينة هانم حرم رئيس الحكومة جالسة, لم يرق لي فبداية الانسحاب بهذا الشكل لا يليق بدولة كبيرة مثل تركيا ، ثم إن تداعياته حتما ستؤثر بالسلب علي مصالح الأناضول . والأهم من ذلك أن الغضب ظهر وكأنه مصطنع لمراقب يعي مدي تمسك الحزب الحاكم بالعلاقات مع إسرائيل واستبساله كي لا يشوبها شائبة."
وبمحدودية فكرية ، و بنظر لا يرى ما بعد أنف صاحبه ، يقول صاحب العمود الأهرامي المنكود :
" وقبل أن أختم كلمتي أجد ان ثمة سؤالا موجها لنا نحن الناطقين بلغة الضاد: لماذا إصرارنا في البحث عن صلاح الدين الأيوبي من جديد في حين أن معطيات الحروب الصليبية لم تعد موجودة؟ وهل بتنا نعشق الغوغايئة ونتفنن في تكريس أصحاب الشعارات؟ ".
وإن تلميذا راسبا في الثانوية العامة يستطيع أن يجيب على سؤال صاحبنا الأهرامي فيقول : إن النظر إلى صلاح الدين هنا ليس نظرا إلى شخص في عصر،
ولكنه نظر إلى رمز من رموز القيادة العبقرية القديرة على تحقيق النصر ، كنظرنا للشخصيات الشامخة في عصرنا و العصور السابقة في مجال السياسة والحكم و الأقتصاد ... الخ ... .
ونسي ، ــ أو جهل صاحبنا الأهرامي ــ أنه من الخطأ العلمي والمنهجي تحكيم معايير عصر في معطيات عصر آخر ، وإلا حذفنا من تاريخنا كل الشخصيات التراثية الشامخة ، فنتهم خالد بن الوليد بأنه كان قائدا متخلفا ، لأنه لم يستخدم الطيارة والدبابة ، ونتهم عمر بن الخطاب الذي اتخذ الشورى قاعدة من قواعد حكمه ... نتهمه بأنه لم يعرف الشورى ؛لأنه لم يتخذ سياسته هذه عن طريق حزب سياسي يمثل الأغلبية ( !!!) كالحزب الوطني الدموقراطي ، ولم يكن له مجلس نواب و مجلس شورى ، ولجنة سياسات . وقياسا على ما ذهبت إليه – يا كاتب الأهرام – يمكن أن نتهم طلعت حرب ،وجهازه الاقتصادي بالتخلف ؛ لأنه لم يستخدم الكمبيوتر ونظم البرامج في مهامه الاقتصادية الوطنية .
***********
وأين الغوغائية ـ يا أهرامي ـ في تمثلنا بشخصياتنا التراثية في وقنا الحاضر ؟ ، أعتقد أنك تجهل معنى " الغوغاء والغوغائية " ، وأجدني – حرصا على سلامة اللغة ، وصيانة القيم – أعرض عليك ما جاء بالحرف الواحد في لسان العرب لابن منظور :" الغوغاء هو الجراد حين يخف للطيران ، ثم استعير للسِّفلة من الناس ، والمتسرعين إلى الشر " . فهل من يخالفونك في الرأي لا قيمة لهم كالجراد ، وهم من سفلة الناس الحريصين على الشر ؟ .
قد تقول :" معذرة ؛ فأنا لم أكن أعرف معنى الكلمة ومدلولها " .
وفي هذه الحال أجدني ـ مضطرا ـ أن أستشهد بقول الشاعر العربي :
إن كنت َ لا تدري فتلك مصيبة أو كنت تدري فالمصيبة أعظمُ
وأسأل صاحبي الأهرامي أن يخبرني باسم زعيم عربي – أي زعيم – وقف موقفا كموقف أردوغان العظيم .
**********
فهل العقلاء (المنزهون عن الغوغائية ) أرباب السياسة وحكماؤها وعباقرتها هم المطبعون ، الآخذون بالأحضان زعماء الصهاينة مصاصي الدماء ، ومخربي غزة ، والمجردين من الحد الأدنى من الإنسانية ؟ .
وهل هم هؤلاء الكبار المفرطون في حقوق الأمة العربية ، ملوك التنازل ، والخوف والتردد ، بأسم العقلانية ، والحكمة والحرص على المصلحة الوطنية والقومية والفلسطينية والعربية ؟؟!!!
وأخيرا أدعو للأهرامي صاحب العمود أن ينير الله بصره ، وبصيرته ، وأن يوسع من أفقه ، وأن يهديه إلى الحق والصواب .