روّاد البذاءة والخطوط الحمر
روّاد البذاءة والخطوط الحمر !
أ.د. حلمي محمد القاعود
يجب على السلطة في مصر أن تعترف بفشلها الذر يع في إدارة الأزمة الناتجة عن مجزرة غزة . كان الفشل سياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً وإدارياً . وكان الغضب الشعبي الإسلامي ضد الحكومة المصرية – وليس ضد مصر – دليلاً صارخاً على الإخفاق العظيم (!) الذي لحق السلطة ، يُضاف إليه الغضب الشعبي المصري الذي عبّر عن نفسه بالمظاهرات والندوات ، فضلاً عن مقالات الصحف التي تعمل خارج سيطرة لاظوغلي !
لقد تطابقت المواقف السياسية المصرية مع الموقفين الأمريكي والصهيوني ، حيث تم إلقاء المسئولية على حماس ، وهو غير صحيح ، لأن القتلة النازيين اليهود هم الذين انتهكوا التهدئة باعتراف كثيرين ، وقد واجههم " أردوغان " وحمّلهم المسئولية أمام العالم كله . وكان السلوك الدبلوماسي الذي قاده السيد أبو الغيط ومعه سارق الكرسي ، مدعاة للبؤس والخيبة ، حيث جاء الكلام عندما يحسن السكوت ، والعكس صحيح ، وبدا التحامل الذي تدعمه السذاجة السياسية واضحاً في معظم تصريحات الرجل الأول في الدبلوماسية المصرية مما أساء إلى الحكومة ، وجعل قطاعات عريضة في مصر وخارجها تؤمن أن مصر تواطأت مع الغزاة على تصفية حماس ، حتى لو اقتضى الأمر تصفية قطاع غزة بأكمله ، وجاء السلوك اليهودي النازي مؤيداً لذلك ، حين رفض المبادرة المصرية وأوقف النار من جانبه حين أراد ؛ دون أن يعبأ بالإرادة المصرية المعلنة ، وتأكيده على أن مصر راضية بما يجرى ، ثم كانت مقولة ساركوزى – التي لم ينفها أحد حتى اليوم – عن رغبة الحكومة المصرية في عدم انتصار حماس مؤكدا آخر على التواطؤ والخذلان !
وقد أوكل الإعلام المصري أمره إلى النائحات المستأجرات والردّاحات الفاجرات ، فخسر تعاطف الرأي العام العربي والإسلامي ، وأظهره بمظهر الموالى للعدوّ النازي اليهودي ، والمساند لأفكاره وسلوكه ، ووصل الأمر إلى الردح الذي لا يليق بمصر الكبيرة ومكانتها ، وأحدثه ما نشرته مجلة أسبوعية حكومية كاسدة ( 7/2/2009م ) وصفت رجالاً محترمين لهم مكانتهم في السياسة والجامعة والدبلوماسية والصحافة بأوصاف لا تصدر إلا من بيئة تحكمها البذاءة وسوء الأدب ، ولنا أن نتخيل وصف هؤلاء الرجال مع علو قامتهم في عناوين صارخة : باللاجئ والمتهم والسمسار والهجّام ، مع شرشحة بذيئة في المتن ، وتشريح شخصي لا يمثل لغة نقاش أو حوار موضوعي بصورة من الصور !
وفى الوقت الذي كان فيه الإعلام المرئي المحترف خارج مصر يتابع الحدث ، وينقل ما يجرى داخل قطاع غزة وخارجه ، ويستضيف الخبراء والمعنيين لإضاءة الواقع المأساوي وتفسير جزئياته ، كان إعلام " البذاءة " يسبّ ويشتم ويلعن حماس ومشعل وحسن نصر الله وإيران ، وكأن هؤلاء هم الذين يحتلون فلسطين ويذبحون أبناءها بوحشية ، ويخترقون الخطوط الحمر في الأمن المصري ، بانتهاك السيادة المصرية براً وبحراً وجواً .
لم يوجه الإعلام المصري كلمة واحدة ضد الغزاة اليهود القتلة ، وطائراتهم تنتهك المجال الجوى المصري لتضرب ما يسمى بالأنفاق ، وتحطم الجدار الفاصل بين مصر والقطاع ، وتقتل بعض المواطنين المصريّين وتجرحهم .. لم ينتفض رواد البذاءة ويقولوا سنكسر رجل من ينتهك مجالنا الجوى والأرضي ، ولم يغضبوا للاتفاق الذي تجاهل مصر واحتقرها ، ووقعته ليفنى ورايس في واشنطن لمراقبة الحدود المصرية ومنع التهريب ، مع أنهم يعلمون أن مصر – كما يفترض - دولة ذات سيادة !
أبو الغيط ، ومن بعده عائشة ، أعلن أنه سيكسر رجل حماس ، إذا دخل الفلسطينيون إلى سيناء ، ولكنه لم يقل أبداً إنه سيكسر رجل الغزاة اليهود إذا اقتحموا سيناء وقصفوها وهدموا بيوتا مصرية في رفح المصرية وقتلوا بعض أبنائها وجنودها ! أو إذا دخلوا المياه الإقليمية المصرية بالقرب من العريش وانتهكوا السيادة البحرية المصرية ، وأسروا سفن الإغاثة وسفن الصيد الفلسطينية ، وكما فعلوا مؤخرا يومي ( 5،6/2/2009م) مع سفينة الأخوة اللبنانية ، حيث اقتحموها في قلب المياه المصرية ، وضربوا ركابها المتضامنين مع الشعب الفلسطيني ، وأجبروهم على التوجه إلى أسدود ، وأخضعوهم للتحقيق ،ثم أطلقوا سراحهم على معبر الناقورة في جنوب لبنان !
لقد بكت مذيعة يهودية في القناة العاشرة الصهيونية بسبب المذابح التي يقوم بها القتلة النازيون اليهود في غزة . وذرفت " يوفيت ليفي " دموعها عقب نشرة الثامنة مساء 6/1/2009م مما عرضها لاتهام بالتعاطف مع الأعداء ، أي الفلسطينيين ، وبسبب دموعها تعاطفت معها مذيعات أخريات ، ودعون إلى التفاوض مع حماس ! ولكن النائحات المستأجرات والرداحات الفاجرات عندنا قلوبهم من حجر !
كان الفشل الإعلامي المصري مطبقاً حين رددت وكالات الأنباء أن العقيد " محمد يوسف شاكر دحلان " يتأهب بقواته في العريش لينقض على غزة بعد تصفية حماس ليحكمها بالأمن الوقائي ، وينسق مع العدوّ من جديد . ولم ينف أحد في الإعلام أو خارجه هذا الخبر ، بل انشغل الإعلام مع السلطة في التشهير بحماس أو ذراع إيران على حدود مصر ،كما سمتها النائحات المستأجرات والردّاحات الفاجرات ، وجعل من التبرعات التي كان يحملها عضو وفد حماس ، وهو عائد إلى غزة ، خطراً ماحقاً يهدد مصر وشعبها ، واتهم إيران بتمويل حماس من خلال العضو المذكور ، ونسي أن إيران وحماس يعلنان على الملأ أن الأولي تدعم الثانية بالمال بعد أن أمر الغزاة اليهود رئيس السلطة في رام الله أن يقطع عن غزة مرتبات الموظفين وعوائد الجمارك ، ومستحقاتها من المعونات الدولية .. أي إن غزة تتعرض للموت ، وإيران ( الشيطان في مفهوم العدو وأسياده وخدامه) هي التي تنقذها .. وبدلاً من التعاطف مع الشعب المنكوب الجائع المدمر المحاصر ، يتفاخر النظام بضبط العضو الذي لم يخف شيئاً ، وتفتيش الوفد المرافق تفتيشاً شمل كل شيء ، وهو ما لا يحدث مع الوفود النازية اليهودية ولا يمكن أن يحدث .. هل لو كان دحلان هو الذي يحمل هذا المبلغ كانت السلطة المصرية أو إعلامها سيشهر به مثلما شهر بعضو حماس ؟ بالطبع لا .. ولكن الإعلام الفاشل يصرّ على كسب مزيد من الكراهية للنظام بتصرّفاته الحمقاء .
أعلم أن البعض في إعلام البذاءة يستميت في بذاءاته اعتقاداً منه أنه سيحقق مكاسب وظيفية أو مادية كبيرة ؛ خاصة في موسم التغييرات الصحفية والوزارية والإدارية .. ولكن أما كان هناك رجل رشيد يدرك المصلحة العليا ، وضرورة الحفاظ على صورة مصر التاريخية في أذهان الشعوب العربية والإسلامية ؟ لقد صوروا النظام في مصر بأنه شديد الكراهية للإسلام وليس الإخوان أو حماس وحدهما ؛ ولم يدركوا أن ذلك خطأ فادح لا يسوّغه قصور الكوادر العاملة في الإعلام ، أو حماقة بعضها ، أو غباء البعض الآخر !