العقاب 1

العقاب (1 -2)

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

حين جاءت الأنباء من جنوب إفريقيا بأن عمال ميناء ديربن قرروا مقاطعة سفينة بضائع تابعة للكيان النازي اليهودي احتجاجاً على مذابح غزة ، مع التهديد بمقاطعة السفن اليهودية مستقبلاً ، وعدم تفريغها ، أحسست أن الضمير الإنساني ما زال حيّاً ، وإن لم تكن له قوة التأثير على العصابات الصهيونية ، وسادتها في الغرب . ومع ذلك فإن مثل هذه المواقف إذا تبناها أصحاب القضية وطوروها بصورة عملية ، فإنها كفيلة أن تحقق التأثير المطلوب ، وتضرب العدو في الصميم .

والعدوّ الذي أعنيه هنا هو العدوّ المباشر في فلسطين المحتلة ، وغير المباشر في أوروبا وأمريكا .

العدوّ بنوعيه استراح إلى صمت الحكومات العربية واستسلامها الكامل لإرادته ، واكتفائها في أفضل الأحوال بالكلام الماسخ الذي لا لون له ولا طعم ولا رائحة ، يستوي في ذلك ما يُطلق عليه دول الممانعة ودول الاعتدال أو الاعتلال ، ولا مناص أن تقوم الشعوب العربية والإسلامية بواجبها لمعاقبة العدوّ وإيلامه وفق منهج عملي دائب ومستمر ، حتى يخضع للحق ، ويقبل به ويستجيب لنداءات القانون الدولي الإنساني ، ويكفّ عن العدوان والأذى .

لا أمل في الحكومات العربية ولا سلطة الحكم الإداري الذاتي المحدود التي أعلن رئيسها في قلب المجزرة أن السلطة لن تلاحق مجرمي الحرب اليهود أمام المحاكم الدولية في أوروبا أو غيرها .

الأمل معقود بمشيئة الله على أصحاب الضمير في الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم ، للعمل على تقديم مجرمي الحرب إلى المحاكم المحلية والدولية ، والتحقيق معهم ، ومحاكمتهم وفقا للقانون الدولي وحرمانهم من التمتع بحرية الحركة وارتكاب الجرائم معاً .

إن مجرماً يهودياً نازياً مثل " افيجدور ليبرمان " يتكلم بغطرسة عن إبادة غزة بالسلاح النووي ، ويقول في محاضرة ألقاها أمام طلاب جامعة بار إيلان ، نقلها التلفزيون اليهودي يوم 13/1/2009م إن اليهود لن يكونوا في أمان ما دامت حركة حماس تحكم قطاع غزة ، وإن الحل موجود حيث يجب العمل بالضبط كما فعلت الولايات المتحدة مع اليابان في الحرب العالمية الثانية ، وبالتالي لا داعي لاحتلال قطاع غزة ، فهذا الحل ينهى وصف العالم للكيان الصهيوني بأنه دولة احتلال . وفى مجزرة غزة طالب هذا الغريب العربيد القادم من روسيا بضرورة الاستمرار في الحرب حتى يتم القضاء على حماس .

هذا المجرم يعبر عن إرادة يهودية نازية مجرمة تشمل اليهود الغزاة الغاضبين جميعاً ، دعكم من التفرقة بين اليمين واليسار ، فالأغلبية الساحقة تؤمن بما ورد في التوراة المحرفة من ضرورة قتل الأغيار وسحقهم وبقر بطون حواملهم ونهب أموالهم وتدمير بيوتهم ، ومعاملة من يبقى حيا معاملة الحشرات !

الذين يظنون أن العدو يمكن أن يتفاوض من أجل سلام حقيقي خاطئون وواهمون . فمنذ ذهب السادات إلى القدس قبل ثلاثين عاماً أو يزيد ، لم يتحرك الموقف قيد أنملة نحو سلام حقيقي ، ولم تسكت الآلة العسكرية النازية اليهودية عن القصف والقتل والدمار ، وكانوا قبل أن يذهب إليهم السادات ، ويوقع معهم اتفاقيات كامب ديفيد ، يقولون : نحن نريد السلام والاعتراف والعلاقات الطبيعية ، ومنحهم العرب كل ذلك ، واعترف بهم ياسر عرفات ، وأعلن محمود عباس انتهاء المقاومة ، ولكنهم قتلوا الأول ولم يعطوا الآخر شيئاً مع أنه تفاوض معهم ويتفاوض إلى ما لا نهاية .. كل ما جرى ويجري ، هو نزع عناصر الرجولة والنخوة والشهامة من سلطة رام الله !

لا أمل إلا في الله أولا ، ثم الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم ، لنوجع العدو بطريقة هادئة وبلا قذائف عسكرية أو صواريخ أو طائرات ، لأننا لا نملكها ..

وقد قام نفر من المختصين في العالم الإسلامي وأوروبا ، بالإعلان عن عزمهم على تقديم مجرمي الحرب النازيين اليهود إلى المحاكم المحلية في أوروبا وحرمانهم على الأقل من الوصول إلى العواصم التي توجد فيها هذه المحاكم ، وهو أمر لا بأس به ، وكان بعض الناشطين في مجال القضايا الإنسانية قد طالبوا بالقبض على الجنرال احتياط " دورون ألموج " ، وهو مجرم نازي يهودي ، وعندما وصلت طائرته إلى لندن قبل ثلاثة أعوام ونصف العام ، أرغم على الهروب بعد هبوط الطائرة بوقت قصير ، لأن معلومة وصلته عن أمر مفاجئ أصدره قضاة لندن بالقبض عليهم بتهمة ارتكاب جرائم حرب .

كما عرضت قضية اغتيال القائد العسكري لحماس " صلاح شحادة " مع أربعة عشر مدنيا فلسطينيا من بينهم تسعة أطفال عام 2002م في ضواحي غزة أمام المحاكم الإسبانية ، وقد أعلن قاض إسباني بالمحكمة الوطنية الإسبانية في 29/1/2009م عن فتح هذه القضية المتهم فيها سبعة من قادة العدو من بينهم وزير الحرب السابق " بنيامين أليعازر " ، بارتكاب جرائم حرب ، مما أدى إلى أزمة بين العدوّ وحكومة إسبانيا . وإن كان الغزاة النازيون اليهود حاولوا في الكواليس الالتفاف على طلب القاضي الإسباني ، وإقناع الحكومة الإسبانية بإلغاء قانون جواز محاكمة مجرمي الحرب أمامها ، وهو ما نقلته وكالات الأنباء على لسان وزير الخارجية الإسباني ( ميجيل موراتنيوس ) ، من أن حكومته ستقدم تشريعاً يمنع المحاكم الإسبانية من محاكمة مجرمي الحرب الأجانب !

وكان موضوع مشابه قد جرى أمام المحاكم البلجيكية عام 2001م لمحاكم مجرم الحرب النازي آرئيل شارون رئيس الوزراء السابق  ، بسبب المذابح التي قام بها في صبرا وشاتيلا عند غزوه لبيروت عام 1982م ، واستطاع اليهود الغزاة أن يضغطوا على الحكومة البلجيكية لتغيير القانون ، وتحقق لهم ما أرادوا .. ولكن بقي الخوف من تكرار الأمر في مكان آخر !

وإذا كان أحرار العالم مهيأ ون الآن لبذل الجهود في هذا السياق ، فينبغي على طلائع الأمة في شتى الأقطار أن ينهضوا ويتضامنوا لملاحقة مجرمي الحرب ، وطلب المساعدة المالية من الشعوب الإسلامية فالخيّرون كثيرون ، وأكثر نخوة من الحكومات التي ماتت منذ ستين عاماً أو يزيد .

ولكن علينا قبل أن نلاحق المجرمين النازيين اليهود أمام محاكم الدول الأخرى أن نبدأ بملاحقتهم أمام المحاكم العربية حتى لا يتاح لمجرم يهودي نازي أن يتجول في عواصمنا ، ويجرح بفظاظة مشاعرنا وأحاسيسنا ، فاليهود الغزاة يملكون من الصفاقة والبجاحة قدراً غير محدود .

نريد أن نحرم المجرمين من تلويث أراضينا ، والتمتع بتسامحها وطيبتها ، نريد أن نحصرهم في الكيان المغتصب حتى يقضى الله أمراً كان مفعولاً .

أما ما نعاقب به العدو المباشر وغير المباشر ، ونوجعه في مفاصله ؛ فهو مرهون بإرادة شعوبنا وعزيمتها ، وهو ما سنعالجه في المقال القادم إن شاء الله .