قراءة سريعة في خطاب خالد مشعل

قراءة سريعة في خطاب خالد مشعل

صلاح حميدة

[email protected]

منظمة التحرير الفلسطينية(م.ت.ف) يفترض بها أن تكون ممثلاً للفلسطينيين، أو هكذا قيل عند إنشائها لتكون عضواً غير مكتمل التمثيل في الجامعة العربية، هذه المنظمة، كانت خالية من التنظيمات الفلسطينية المقاومة، وبالتالي كانت عبارة عن هياكل فارغة المضمون، تخضع للنظام الرسمي العربي وتحظى باعترافه، لم يتم تفعيلها عملياً إلا بعد دخول فصائل المقاومة لها، ولكنها استوعبت ودجنت من دخلوها، ففي سبيل الحصول على الرضى والإعتراف والتمثيل، توجب على هذه المنظمة ومن فيها التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني ب78% من أرض فلسطين، هكذا بجرة قلم، والتفاوض مع الإحتلال على الباقي؟!.

كل متابع لما جرى لمنظمة التحرير الفلسطينية، يجد أنها في الوضع الحالي تعيش وضعاً أسوأ من الوضع الذي كانت تعيشه عند إنشائها، فبالمختصر المفيد، أكلتها سلطة الحكم الإداري الذاتي التي هي عبارة عن وليد غير شرعي لها، ووصل حال المنظمة إلى المرحلة الفصل التي يتحوصل في ما تبقى من هياكلها عدد ممن قرروا تصفية القضية الفلسطينية بأي ثمن.

أثار الخطاب الذي ألقاه رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في الدوحة، ردوداً عاصفة من قبل المتحوصلين فيما تبقى من هياكل المنظمة، وعبر الإجتماع لما يقارب العشرين  عضواً من مجلسها الوطني، الذي يضم مئات الأعضاء؟ الأمر الذي مثل  أبلغ تصوير للواقع الذي وصلت إليه هذه المنظمة وهياكلها الفارغة، إلا  من مجموعة من العواجيز فاقدي القدرة على اتخاذ القرار، ولا يستطيعون جمع 5% من أعضاء المجلس المنتهي الصلاحية في غرفة صغيرة في عمان، وحتى هؤلاء العشرين  لم يتفقوا على شيء، وتنابذوا وتصايحوا، وشتم بعضهم حركة حماس، ثم انفضوا.

بعيدأ عن سفاهات بعض الغوغائيين والشتامين، وتمنيات بعض الحالمين بما يسمونه بالوحدة الوطنية، بين خطين لن يلتقيا أبداً، فإن لخطاب مشعل هذا أسباب  وتداعيات كثيرة.....

* من الواضح أن مشعل أراد الإيضاح لكل الأطراف الإقليمية والدولية، أن حركة حماس ومن معها من فصائل المقاومة التي أفشلت العدوان على غزة، هي الرقم الصعب على الساحة الفلسطينية، وأن الاتفاق الذي تم بين أولمرت ومحمود عباس لا ولن يلزم هذه القوى مجتمعة، وأن ما تبقى من منظمة التحرير من شخوص وهياكل لا يمثلون كل قطاعات الشعب الفلسطيني.

* أراد مشعل أن يثبت حقيقة هامة، وهي أن هذه المنظمة لا تمثل اللاجئين في الخارج والداخل، وهم أغلب الشعب الفلسطيني، فهذه المنظمة تنازلت عن حقوق الشعب الفلسطيني في العودة إلى أرضه التي تسميها هذه المنظمة (إسرائيل)، يضاف إلى ذلك أغلبية الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة الذي انتخب حركة حماس، مضافاً إليهم الفلسطينيون داخل الخط الأخضر.

*هدف مشعل إلى إضاءة الضوء الأحمر أمام جميع الأطراف بأن حماس لن تنتظر طويلاً على أبواب منظمة التحرير المغلقة أمامها، وأن لها خيارات أخرى، وهذا حراك سياسي محمود يلعب بعدة أوراق ولا يقف عاجزاً أمام الخيار الواحد.وبين أن جوهر الخلاف الفلسطيني، هو في إعادة بناء بيت جامع لكل الفلسطينيين، لا بحكومة وكلام فارغ.

* كان من المهم هذا الإعلان في هذا التوقيت، للبناء على الوحدة الميدانية، والدبلوماسية والإعلامية بين فصائل المقاومة الحقيقية على الأرض، ولا بد أن يستمر هذا التنسيق وتتم مأسسته.

* تم كشف الجبهتين الشعبية والديمقراطية بشكل نهائي أمام الشعب الفلسطيني، وتبيان أن حركة فتح كانت محقة عندما كانت تقول:-

( أن هؤلاء إنتهازيون، يأخذون مالك، ويأكلون طعامك، ويوسعونك شتماً)

فهاتان الجبهتان تعلمان ما اتفق عليه خلف الكواليس من اتفاق على تصفية القضية الفلسطينية، وتعطيان الغطاء اللازم من خلال استماتتهما في الدفاع عن ما تبقى من هياكل المنظمة، وترفضان دخول حماس ومن معها من فصائل المقاومة، إلى المنظمة حتى لا تفقد هاتان الجبهتان ما تبقى من امتيازات، ثم تنتقدان فتح،  وتستمران في مناكفة حماس، ولعب دور الأستاذ على الجميع.

* ليس من المهم ولا المطلوب أن يعترف أي نظام عربي أو دولي بهذا التشكيل، ويجب على أطرافه أن تباشر بتشكيله، فالاعتراف الدولي والإقليمي ثمنه التنازل عن الحقوق، وستجبر هذه الأطراف على  أن تأتي ذليلة لقوى المقاومة، لأنها هي التي تصنع الحقائق على الأرض، وهذا من أهم تداعيات معركة غزة، ومن المهم البناء على الإنجازات الميدانية والإعلامية والسياسية، والتوحد، لأن المعركة القادمة ستكون أشرس وأكثر إجراماً من الحالية، وقد تكون بعد الإنتخابات الإسرائيلية مباشرة.

* هناك من يرى أن الهجمة الإعلامية والأمنية على المقاومة ستستمر، وقد يصار إلى محاولات اغتيالات جدية لقيادات في المقاومة وعلى رأسهم مشعل نفسه، أو غيره في لبنان وسوريا وغزة، أو حتى في اليمن، فجميع الأطراف الرافضة لدخول حماس للمنظمة بحجمها وبرنامجها، فقدت عقلها نهائياً بعد معركة غزة، وهي تراوح بين القبول بحماس والإعتراف بها،  وبين محاولة إعادة  الكرة للقضاء عليها، ولكني أعتقد أن ما يتم هو مماطلة لإعادة الكرة على المقاومة في غزة بحشد دولي وإقليمي هذه المرة، وقد بدأت طلائعه تعمل مخابراتياً وتشديداً للحصار.

ولذلك هناك من يعتقد  أنه  على قوى المقاومة أن تزيد تنسيقها، وألا تتجاوب مع الجهود المصرية التي تسعى لتفتيت لحمتها، تمهيداً للقضاء عليها فرادى، كما أن قوى المقاومة مطالبة بالتنبه إلى أنه من المحتمل أن هذه الأطراف تسعى للتهدئة الحالية لإتمام صفقة تصفية الحقوق الفلسطينية نهائياً، ولذلك من المهم مواجهة هذه الجزئية الخطيرة، بإستراتيجية دبلوماسية سياسية وإعلامية، وعلى الأرض أيضاً، فقضية فلسطين تمر بأخطر أيامها، وأكثرها حسماً.