قمة شرم الشيخ:المؤتمر المشبوه
قمة شرم الشيخ:
المؤتمر المشبوه
م. الطيب بيتي العلوي
مغربي مقيم بفرنسا
باحث في الانثروبولوجيا الدينية والثقافية بباريس
منذقرنين قال فكتورهيغو.."ربما تعرف الأشياء ما تصنع، ولكن الرجال –بيقين- لا
يعرفون ما يصنعون،..".
بتطبيق أبسط قواعد علم النفس السياسي الذي يطبقه الغرب في السياسة الدولية منذ بداية الحرب الباردة في نهايات الأربعينات،باعتبار أن العلاقات الدولية، ما هي سوى شكل من أشكال العلاقات بين الأفراد ،..
فكما أن هناك خلافات أساسية بين الأفراد من البشر،فان هناك بالضرورة خلافات"طبيعية" و"دائمة" في العلاقات الدولية ،وهي خلافات لا ترجع الى أسباب اقتصادية واجتماعية وتنظيرية ،والىالسياسات التي تتبعها الطبقات الحاكمة المهيمنة علىالسلطة، بقدرما ترجع الى العوامل النفسية للنوع البشري.،..وان الأساليب والوسائل التي تستخدم لدراسة سلوك الأفراد، يمكن أن تطبق بحذافيرها وبكاملها على دراسة المنازعات الدولية كما بين ذلك "ر.فيشر"في كتابه المشهور"الصراع الدولي وعلم السلوك".. وبالرجوع ايضا الى النظرية المشهورة ل "يوهان جالتونج "العالم الاجتماعي النرويجي، التي تدرس أسرار العلاقات الدولية في الأنثروبولوجيا السياسية، حيث ترى هذه النظرية، بأن هناك علاقة "سيطرة- خضوع" مستمرة بين الأفراد ،وانها مستمرة ،وستستمر أيضا بين الدول والشعوب"
ومن هذا المنظورفيبدو أن مرحلة "ما بعد غزة "ستكسر كل التابوهات،وستعيد خلط كل الاوراق، وستطرح تساؤلات كونية على كل المستويات ،وستفكك كل الأطروحات الفكرية والسياسية والمعادلات الاستراتيجية للمنطقة
وان تجمع شرم الشيخ ،أو –(بالأحري يمكن أن نسميه العشاء الرباني
الأخير لاحد الرسامين الايطاليين لعصر النهضة التي تمثل بعض أتباع المسيح عليه المسيح السلام من اليهود وهم يتآمرون عليه مؤامرتهم الأخيرة-) فقد كانت قمة التحايلات والأراجيف والبهتان ،وتباكي النائحات "المحترفات" في المآثم"ومهزلة "بلزاكية" بكل المقاييس، بالنظرالى ظروف انعقاده، ومسوغات تنظيمه،حيث أسفرعن التقزيم المخزي للمؤتمرين وأبرز"قماءة "الجامعة العربية -التي يبدو أنها تلفظ أنفاسها،ألاخيرة وسوء عقبي القادة العرب المشاركين فيه ، وخاصة للرئيس المصري الداعي(ان كان فعلا وحقيقيا هوالداعي) والمنطم لهذا التجمع الذي أقنع -للغرابة- كل"مافيات"أوربا للاجتماع حول"ما بعدغزة" في ظرف زمني قياسي، وحيث لب هؤلاء"الطيبين" النداء الانساني"مهرعين ومهطعين ، ومنكسين رؤوسهم حزنا وكمدا على"مأساة" القرن الواحد والعشرين الانسانية الكبرى، تحت مرأى ومسمع كل هؤلاء المتآمرين الساديين الحاضرين ،مما يحمل الكثير من الدلالات التي لا تحتاج الى عبقرية "أنشتين" لادراكها وفهم ألغازها، ولن يحتاج الانسان الىالكثيرمن "العلم اللدني" لكي يفهم لماذا أدارالرئيس المصري ظهره لمؤتمرالقمة بقطر، رافضاحتى مجرد تسجيل موقف سياسي واضح لبلده (كأكبردولة عربية، كان من المفروض أن تكون الأكثرالتزاما بالقضية الفلسطينية وبمأساة غزة خصوصا وبحكم معبر رفح الذي لو فتح لغير كل موازين القوى مستقبلا بين الفلسطينيين والكيان العبري ، ثم بحكم ان معظم العائلات المصرية قد فقدت شهيدا في الحروب مع اسرائيل منذ عام 48 الى حرب 73،وأضعف الايمان احترام الشعب المصري العظيم ،بثقله ووزنه الحضاري والعروبي والاسلامي والعددي الرقمي، وكمعقل ونواة لكل التيارات السياسية والعقدية والايديولوجية منذ محمدعلى باشا الى حرب رمضان المظفرة وحيث كانت مصر العظيمة الام الرؤوم والحاضنة لكل مشاكل دول العالم الثالث ،كأكبر دولة مناهضة للتغريب الامبريالي ،التي ساهمت بكل طاقاتها في عمليات تحرير الشعوب العربية والافريقية والأسوية وأمريكا اللاتينية ، حيث تحولت منذ عهد الراحل السادات " وكامب دافيد" المشؤوم الى مجرد "صندوق بريد" للكيان الصهيوني، ووسيط بين الكيانات العربية -السايسكوبية والى"منطمة غوث اقليمية" و"وسيط تجاري" و"شركة علاقات عامة"للتنسيق في ما بين الغرب المتصهين وبين "دول الاعتدال"ارضاء لحفنة من الاحتكاريين ومن الأثرياء الجدد من مصاصي الدماء في مصر، الذين زادوا الشعب المصري المضحي تفقيرا وتجويعا، تحت عصا الترهيب والترغيب، منذ وهم حلم الرفاه الذي وعد به المرحوم السادات الذي رفع ذلك الشعار"التلمودي"الذي لقنه اياه ثعلب ومهندس السياسة الدولية الذي أسقط السادات في براثن "يهوديته المتحجرة" وأكاذيبه التوراتية المزيفة ، حنى جعله يردد تلك العبارة الحمقاء بأن"حرب أكتوبرهي آخر الحروب" بينما أعطىهذا الثعلب اشارة خفية لنيكسون للتخلص من المرحوم الملك السعودي الذي دفع الثمن البطولي عندما أقسم أمامه بأنه سيصلي في القدس
كوميديا قمة"المؤامرات"
اذا لم تستحيي ...، ! فافعل ما شئت !!- حديث نبوي...
وان بانورما ومرأى هؤلاء"المرتزقة الأوروبيين"في شرم الشيخ على المنصة،ليذكرنا بالفيلم الشهيرليول برينر""المرتزقة السبعة"ولكن بالاخراج الرديء لأفلام "الكاوبوي"الايطالية الرخيصة للسبعينات المسماة بسينما"سباغيتي"حيث بدالمشهد السينمائي واضحا....،
فبعد التآمرعلى "حرق" البشرفي غزة ،وهدم عمرانها وتشريد ما تبقى من سكانها،
والتفرج"السادي"لمدة ثلاثة أسابيع بكاملها على"هولوكست واقعي وحقيقي" وبابادة منظمة وممهد لها منذ عامين تحت أنظار"ا لسادية الجماعية " المرضية لكل متحضري العالم و باجماع المجتمع الدولي المتنور، باعداد سكان غزة للمحرقة الجماعية مثل الجرذان في المخابر والمزابل، بانهاكهم بالجوع والعطش ونقصان المؤونة والمحروقات وبأبسط مسلتزمات الحياة الضرورية تهيئا لهم للاجهاز عليهم مثل الحيوانات البرية في الجحور والفيافي ،بحرب قذرة جنونية تخصصت مواقع فرنسية في تصوير الحبورالهستيري "التلمودي" للجنود الصهاينة الطي انتابهم لدى سماعهم باطلاقة الهجمة الأولىعلىغزة ، حيث عبروا عن ذلك بمشاهدرقصهم العبري المزيف الهمجي، وبفتوى حاخاماتهم باباحة ذبح الأطفال الفلسطينيين حسب سجع الكهان في التوراة اليهودية(صاحب الابادة المقدسة-يوشع)وحسب أعراف أثينا الاجتماعية المجيدة القديمة في وهج حضارتها التليدة في اباجة قتل وابادة الآخر، ثم يأتي هؤلاء الأفاقين للمزيد من السخرية والنكاية والتشفي بسكان غزة المنكوبين ،بعقد صفقات مشبوهة لاعادة البناء والتشييد تحت دعاوي "انسانوية"امشبوهة مع منظمات أكثرشبهة عربية ودولية
لقد بدت وجوههم من على المنصة مكفهرة ومغبرة من وعثاء السفروالسهر، بقسمات مرعوبة مأزومة،وحركات متصنعة ولكنها متوترة وموتورة، تنبؤعن خلجات ما يعتمل في دواخل نفوسهم ،وبعبثية مايفكرون فيه وما يفعلون وما سيفعلون، وبيقينهم بخواء ما يقولون ويقترحون وما سيقررون،تفضحهم نظرات"معدنية "فارغة ولكنها مفزوعة،ويخطبون بأصوات ذات نبرات رتيبة بدون روح ، وكأنهم يرددون قداسا لاتينيا مملا ، تنم عن عدم اقتناع أي منهم بما يسوقه من مهاترات وبذاءات وأكذوبات وأحجيات، حيث يحلمون " باستحضار"الناتو"والقبعات الزرق"وجيوش العالم الجرارة لمحاربة"الارهاب"ومكافحة تهريب السلاح والدفاع عن "الكيان المغتصب المسكين"الذي يبدوا أنه قد قلمت أظافره ومخالبه، ولن يجرأ قط على التبجح على شن الحروب ،لانه اختضر وانتحر بخطأ الهجوم على غزة
كما بدا الجانب"الهوليودي"الفج ،في ديباجة السيناريو،وتقنيات الاخراج،وهول امكانيات الانتاج، تغطية للأداء الرديء لهولاء"الممثلين الفاشلين" الذين ساهمواكلهم في الثامن من ديسمير2008على اغتيال الشعب الفلسطيني بغزة، ببركسل في آخررئاسة لفرنسا للمجموعة الأوروبية ،عندما أوقفت وزيرة الخارجية الاسرائلية جلسة المؤتمرأمام استغراب وصمت وجبن المؤتمرين الأوربيين عندمااختلت "ببرناركوشنير"وزيرالخارجية الفرنسية، ليخرج بعد ذلك من خلوته الحميمية بالضغط على نظرائه بالتصويت بالاجماع على البروتوكول الجديد الذي يضمن أهم بنوده" اعداد وتنسيق وترشيد"حواراستراتيجي مشترك" بين اسرائيل ومجموعة بروكسل ،والالتزام بدعم المجموعة الأوروبية للدولة العبرية في ملفاتها الهامة مثل"مشروعات السلام " المراوغة والملغومة والمستحيلة" مع الفئة الحزبية "المعتدلة" التي يمثلها "أبو مازن وشيعته "،ومساندة اسرائيل ضد "التهديد الايراني" وارهاب جزب الله اللبناني" و"الجريمة المنظمة داخل اسرائيل"-بحيث لم يحدد ما المقصود بهاتين العبارتين الأخيرتين في الاتفاقية الجديدة
حيث اعتبر هذا البروتوكول الجديد من بعض الحقوقيين والبرلمانيين والمثقفين الغربيين الضربة القاصمة لأنظومة حقوق الانسان ،وعمل مشين يتم الاتفاق عليه عشية الاحتفالات بالذكرى الستينية لاعلان حقوق الانسان، مما جعل الممثل الرسمي لهذه المنظمة "ريتشارد فولك" Richard Falk بأن يصرح بأن"السياسة الاسرائيلية ضد الفلسطينيين تعادل جرائم ضد الانسانية "
وأمام دهشة المثقفين الأوربيين من موقف"كوشنر، يجيب هذا الأخير بكل صفاقة ، ومضيفا بعدا "ابيستيمولجيا" جديدل لمصطلح "الديموقراطية" بالمفهوم الجديد "لما بعد السياسة" ولما بعدالايديولجيات ،وما بعد الحضارة والتاريخ، حيث رسم "خطا"' ومفهوما جديدا للديموقراطية قائلا حرفيا" ...هناك دوما تناقض بين حقوق الانسان والسياسة الخارجية لبلد ما، حتى بالنسبة لفرنسا.نفسها.،.فانه لم يعد بالامكان توجيه السياسة الخارجية للبلدان ،اقتصارا فقط على قيم حقوق الانسان...،وان حسن قيادة اية دولة، يستلزم الابتعاد بالضرورة عن اشكال من الملائكية في الحكم والسياسة.."تصريح برنارد كوشنير لجريدة" لو باريزيان " من 10ديسمبر2008
هل هي قمة فاشلة؟ ام بداية للتطبيع الرسمي مع التيارالصهيوني العربي الجديد؟
هناك احتمالان وفرضيتان :
الفرضية الأولى
اما ان تكون الحكومة المصرية قدارتكبت خطئا فادحا للدعوة الا هذا القمة "المافوية" درءا لاخطاء تاكتيكية واستراتيجية، وتنفيسالضغوط شعبية قاهرة ، وتخفيفا لوطأة الضمير الثقيل ولتدارك ما يمكن تدراكه، ومحاولة تغطية اخطائه القاتلة،فستكون بهذه المبادرة مخطأة مع ذلك،
الفرضية الثانية
أوان النظام المصري مصرعلى التطبيع مع يسمى حاليا في الغرب "بالاسلام الصهيوني الجديد" الذي يدخل ضمن براغاديماتpragadigme"أطروحات فهم العالم الجديد" الذي أطلقه "دانيال بايبس"Muslim في مقالته الشهيرة Zionism New "دا York Sun …. Daniel Pipes..الذي نشرته" نيوريورك صان" في جوان 2006 حيث طرح هذا التساؤل بكل تحد تحت عنوان"هل سيكون الاسلام الصهيوني أقوى من الصهيونية اليهودية؟" واذا صحت هذه الفرضية الثانية، فقد قضي الامر فيه تستفتيان
وعلى كل، فان طريقة "طبخ" تحضيرهذه القمة، وسرعة الاستجابة لها، وتوقيت تنظيمها ا(سواء أكان الرئيس المصري هو المقترح، أوفرضت عليه من أطراف خارجية) فان هذه القمة أسفرت بشكل واضح عن خطورة "ما بعد غزة" على المستويين : الاقليمي والدولي،كما اعطت مؤشرات واضحة ،بأن دولا اقليمية عربية قد تم "تكليفها" بدورحماية اسرائيل التي انتهت مهمتها ووظيفتها والى الأبد بالمنظورالعسكري،أمام فشل ماكينهتا الحهنمية في القضاء عل فصائب المقاومة فما بلك بمواجهة جيوش مدربة وقوية حديثة قي المنطقة من دول المانعة، يخيث سيصبح دور اسرائيل الحديد في المنطقةهو لترشيد الصراع الأقليمي الجديد بين "الدول المعتدلة"و دول الصمود والمقاومة للمشرع الغربي-الصهيوني الجديد، الذي أعاود وأكرر بأن الغرب قد قررهذه المرة عدم التراجع في استكمال ملحماته المظفرة منذانطلاقته المحمومة الأولى، في بداية القرن الثاني عشر،باسم السماء، عبر الحروب الصليبية، ثم انطلاقته الثانية في القرن السادس عشر،عبرالفاتحين الاسيان الذين اعادوا رسم خريطة العالم، ثم عبرمرحلته الثالثة باسم"الارض" و"التنوير" والحداثة" في فترته بداية امبريالته ابتداء من عام 1760 ..وصولا الى عام 1914 التي اكتمل فيها "تغريب العالم في شكل الادرة الاستعمارية الأوربية ، ثم عاد الى المنطقة من الباب الخلفي عبر المشروع الصهيوني "كنموذج للدولة الحداثية الغربية" بالمناورات والمؤمرات الشيطانية بمشاريعيه لاحتواء المنطقة كلها، فحاول اعادة التجربة في الهجوم الثلاثي عام1956"بريطانيا وفرنسا واسرائيل"لتحقيق حلم اسرائيل الكبرى في حرب قناة السويس الفاشلة ، وهاهو يعود أخيرا وليس آخرا بطرق تحايلية اخرى"عبر قمة شرم الشيخ"المشبوه لتحقيق ما لم تحققه "المحرقة" عبر الشركات الاجنبية والمنظمات المشبوهة والعملاء السريين لتحويل غزة من '"الصومال" الى ابوظبي" كما صرحوا قبل التخطيط للمحرقة بعد الفشل في العراق ولبنان وافغانستان ، الا أن شعاره في هذه المرة "علي وعلى أعدائي"وستدفع شعوب دول"الاعتدال"الثمن الفادح حين سيتم تفكيك بعض دولها وقضم البعض الآخر، بمساعدة أموال و سماسمرة بعض حكام "دول الاعتدال"، وهم يعلمون ذلك مسبقابينما شعوبهم ما زالت تحملق في انتظارالطوفان ،ما دام هؤلاء الحكام سينعمون-بعد المقايضة هم وعشيرتهم الاقربين- بالعيش الرغيد بعد التفكيك في جنات العوالم المخملية في الغرب الوردي، التي أعدت لهم بما صنعوا، وليأت الطوفان بعدذلك على شعوبهم...والعاقبة للمتقين..ولا حول ولا قوة الا بالله....