فرنسا واللعب على المكشوف

فرنسا واللعب على المكشوف

أحمد الفلو /فلسطين

[email protected]

ليس من المستغرب تلك اللهفة التي أبدتها الحكومة الفرنسية على أمن إسرائيل و انحيازها الكامل ضد الشعب الفلسطيني و تأييدها الكامل للمجازر الإسرائيلية , حيث أن العلاقات بين فرنسا و الحركة الصهيونية تقوم على مرتكزات ثابتة و موثَّقة يمكن إجمالها بالتالي :

أول المرتكزات ذلك الارتباط العضوي التاريخي  المتجذِّر في عمق الثقافة و الفكر و السياسة الفرنسية إلى ما قبل نشوء إسرائيل بل إننا يمكن أن نجزم بأن دولة إسرائيل الحالية قد ولدت سفاحاً من زواج محرم بين الثورة الفرنسية و بين الحركة الصهيونية , و يمكننا أن نذكر في هذا الصدد مجموعة من الحقائق لعل أولها أن أكثر من نصف أعضاء الجمعية العمومية في فرنسا عشية الثورة الفرنسية كانوا أعضاء في المنظمة الماسونية الصهيونية, ومن جهة ثانية استطاعت الماسونية من خلال قدرة اليهود التعبوية، التأثير في أعضاء الطبقة الفكرية والعلمية و السياسية من أمثال فولتير ومونتسكيو وجوته وفخته وهربر وموتسارت كما أننا نلاحظ تطابقاً كاملاً بين الشعارات الماسونية (حرية , إخاء , مساواة ) وبين مباديء الثورة الفرنسية , يضاف إلى ذلك أن إنشاء المحافل الماسونية في مصر كان من أهم أعمال نابليون بونابرت الذي غزا مصر وأولها محفل إيزيس الذي كان يرأسه الجنرال كليبر حتى عام 1800 م .

وفي عام 1946 منحت باريس حق اللجوء لزعيم حزب العمل ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ديفد بن غوريون وغيره من أعضاءعصابات الـ "هاغاناه" بعد أن طردتهم السلطات البريطانية من فلسطين. وتنظيم "هاغاناه" هو الذراع العسكرية الرئيسية للحركة الصهيونية. واستطاع بن غوريون أثناء وجوده في فرنسا إرسال كميات من السلاح إلى فلسطين بتسهيلات من السلطات الفرنسية. أما في سنة 1955 وقعت فرنسا اتفاقاً يسمح بنقل تكنولوجيا الطاقة النووية الفرنسية إلى إسرائيل إذ أشرف الخبراء الفرنسيون على إقامة مفاعل ديمونة في صحراء النقب, كما عرفت العلاقات الفرنسية الإسرائيلية في عهد الرئيس ساركوزي طابعا حميميا جسدته التصريحات الصحفية المتكررة لساركوزي والمؤيدة لإسرائيل.. و ما نُقِل عنه( أن أمن إسرائيل خط أحمر) و (أن قيام دولة إسرائيل معجزة وأنه الحدث الأهم في القرن العشرين) . ويبدو أن ثقافة العداء للعرب و المسلمين قد أصبحت سِمَة أساسية للشخصية النمطية الفرنسية , وهذا ما أكَّدته عملية انتخاب الشعب الفرنسي لشخص يهودي هنغاري لا يربطه بفرنسا سوى تلك الأحقاد المشتركة التي يكنُّها هو و الفرنسيين تجاه العرب والمسلمين .

ثاني المرتكزات هو اعتبار أوروبا عموماً بأن الكيان الصهيوني قاعدة متقدمة للغرب تعيق الوحدة العربية من جهة و تكرس الهيمنة الغربية على العرب و المسلمين من أجل استمرار الابتزاز و النهب الامبريالي للثروات العربية , وعليه فليس بأمر مستغرب ذلك التسابق المحموم للدول الأوروبية من أجل إنقاذ إسرائيل و التزاحم في مد يد العون لها و التغاضي عن جرائمها بحق الفلسطينيين , بل وحتى تسخير إمكانات الدولة الفرنسية لحماية أمن إسرائيل و دون أن تطلب إسرائيل منها ذلك و عليه فإن الحفاظ على المصالح الاقتصادية الفرنسية في المنطقة العربية هو أحد الأسباب المهمة التي تفسِّر ذلك الاندفاع الفرنسي للمبادرة في مساعدة إسرائيل و إرسال المعونات العسكرية لها .

ثالث هذه المرتكزات هو الهلع و التحسُّب من نهوض قوة طليعة تقود الأمة العربية والإسلامية إلى الحرية والكرامة , وربما كان بروز حركة حماس و خوضها لتلك التجربة الناجحة على جزء من فلسطين و تحقيقها ذلك النصر المبين على أقوى و أخطر الثغور التي زرعها الغرب في جسد الأمة , نقول أن ذلك النصر قد استفزَّ الحساسية الغربية عموماً والفرنسية خصوصاً و أثار مخاوف تلك الدول  من الانتصارات التي حققتها تلك القوة الإقليمية الجديدة على إسرائيل و المتمثلة بحركة حماس خاصة وأن تلك الحركة أضحت تمثِّل طموحات مليار مسلم في الحرية و التقدم و التخلُّص من السيطرة الغربية على ثرواتهم , وهذا ما دعا ساركوزي لإرسال فرقاطة عسكرية لمراقبة شواطيء قطاع غزة بهدف منع تهريب الأسلحة لحماس , ويبدو أن ساركوزي لم يعد يكتفي بالتلصص على النساء الجميلات في فرنسا , وهو يحب الآن التلصص على بحر غزة الجميل الذي ستحيله المقاومة إلى جحيم يحرقه و يحرق فرقاطاته .

إن استخدام تعبيرات ( إمارة غزة الظلامية ) أو ( دويلة غزة الإرهابية ) في توصيف حالة الانبعاث الجديد للأمة العربية و الإسلامية التي قادتها حماس بكل جدارة واقتدار , إنما هو ترجمة لحالة الرعب و الوجل التي يعيشها ساركوزي وبلير و ماسحو أحذيتهم عباس و عصابته الشقية  و معهم حاكم مصر بعد أن باغتتهم حماس بنصرها المؤزر بعون الله كما أن هذا النصر ليس سوى بداية تحول تدريجي إلى مرحلة ريادة الأمة و قيادة المشروع الحضاري للعالم الإسلامي برمته .

أما تلويح اللجنة الرباعية بأنها ستحاور حماس في حال اعتراف الأخيرة بإسرائيل فإنه يماثل تماماً كلام عجوز شمطاء تحاول إغراء شاب يافع بالزواج منها فيما لو رضي أن ينظر إلى وجهها , ولكن بلير يكابر دون حياء و هو يعلم في قرارة نفسه أن حماس لا تراه منذ تطهير قطاع غزة سوى حشرة صغيرة في مستوى قدمي أي طفل فلسطيني , و لكن ما يضحك المرء فعلاً هو انكشاف حقيقة التبجح الفرنسي و التكنّي ببلد الحريات و الديمقراطية عندما يكرس ساركوزي تعاطيه السياسي مع مغتصب منصب الرئاسة عباس المنتهية صلاحيته بينما يشارك في الحرب على الحكومة الشرعية المنتخبة بقيادة المجاهد اسماعيل هنية , أيها الصهاينة إفعلوا ما بدا لكم أنتم و أزلامكم ولن نتأثر بعداوتكم فحماس هي الشعب و الشعب هو حماس .