حرب مخابراتية على غزة!

حرب مخابراتية على غزة!

صلاح حميدة

[email protected]

كنت كتبت مقالاً حول معارك حماس القادمة بعد نهاية (معركة الفرقان)، وأغفلت الكتابة عن (الحرب المخابراتية )على المقاومة الفلسطينية في القطاع، مع أنها تعتبر أهم ركن في المعركة، لاحظ الجميع أن المقاومة الفلسطينية وحكومتها، بدأتا بالتصدي لمعارك التشويه الاعلامي والابتزاز السياسي و عبر إعادة  الاعمار ودفع التعويضات وغيرها.

لم تقف حرب المخابرات على المقاومة الفلسطينية منذ قيام هذه المقاومة ضد المشروع الصهيوني، ويعتبر الصهاينة من أكثر شعوب العالم اهتماماً  بالتجسس والاستخبارات، واستعملوا كل إمكانيتهم وإمكانيات حلفائهم للقضاء على مقاومة الشعب الفلسطيني منذ ما يقارب القرن من الزمان.

قبل (معركة الفرقان) عملت كافة أجهزة الاستخبارات الصهيوينة والأجهزة المتحالفة معها للقضاء على المقاومة الفلسطينية، عبر جمع المعلومات وتحديد الأهداف، وتجنيد المخبرين، وحتى بأعمال الاغتيال والتخريب، واتهمت أجهزة استخبارات عربية وفلسطينية بالتعاون مع هذا الجهد، وأعلنت الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة عدة مرات عن إلقاء القبض على عناصر تخطط وتجمع معلومات،أو نفذت أعمال تخريب طلبت منها، يضاف إلى ذلك جهود أجهزة استخبارات إقليمية حققت مع عناصر من المقاومة الفلسطينية وعذبتهم وسلمت المعلومات، أو المعلومات والمعتقلين للجانب الاسرائيلي، وهذه عليها أمثلة كثيرة، فضلاً عن تدريب وتمويل وتسليح أجهزة الاستخبارات الفلسطينية التي مهمتها الأولى هي القضاء على المقاومة تحت عناوين متعددة(إنقلاب، إرهاب، تطرف، تكفير، غسيل أموال...إلخ).

قال الكثير من المحللين والسياسيين :-

( ما قبل معركة الفرقان، ليس كما بعدها) 

 وهذا حقيقة في كل شيء، حتى في حرب الاستخبارات في العالم وفي قطاع غزة أيضاً، فقطاع غزة الضيق المساحة القليل التسليح، أصبح في عرف قوى الاستعمار الدولي والقوى الاقليمية، كالاتحاد السوفياتي في أيام عزه، يتداعى القوم عليه من كل حدب وصوب للقضاء على المقاومة فيه وتجفيف تمويلها وتسليحها، تمهيداً لقطع رأسها، وما الجهود العسكرية البرية والبحرية والجوية والدبلوماسية والاقتصادية عن ذلك ببعيدة.

والأولوية الآن عند كل  هذه الأطراف هو الحرب الاستخباراتية في قطاع غزة، وقد أدركت كل هذه الأطراف أن كل الجهد الذي بذلته قبل ( معركة الفرقان) لم يأت بالنتيجة المرجوة، بقطع رأس المقاومة، ولذلك بدأ أشرس وأخطر هجوم على المقاومة الفلسطينية، وهذا يأخذ أشكالاً عدة.

* بالرغم من تيقني من النوايا السليمة لأغلب المتضامنين الأجانب مع الشعب الفلسطيني، إلا أن بعضهم -بالتأكيد - يعمل مع أجهزة استخبارات أجنبية، وقد تكون إسرائيلية، أوغير ذلك.

وعلى المقاومة الفلسطينية أن لا تنسى أن المتضامنين الأجانب الذين جاءوا للتضامن مع العراق إبان حرب الخليج الأولى 1990م، اعترف بعضهم  لاحقاً أنهم كانوا عملاء للاستخبارات، استغلوا طيبة الشعب العربي، وأراهم كل شيء؟!..

كما أن أحد أهم المتضامنات الأوروبيات مع منظمة التحرير الفلسطينية، خلال السبعينات والثمانينات، إعترفت أنها كانت تتجسس لصالح الموساد الاسرائيلي على المقاومة الفلسطينية في تلك الفترة، كما علينا ألا ننسى أن عميلة الموساد الاردنية( أمينة المفتي) كانت تتجسس على حركة فتح في لبنان في نفس الفترة، من باب مساعدة المقاومة وتتطبيب جرحاها.

* الكثير من الصحفيين هم محبين للشعب الفلسطيني، ويرغبون بتوثيق وتبيان صور المعاناة التي يعانيها الفلسطينيون، ويريدون كشف الجرائم الاسرائيلية للرأي العام الدولي، ولكن بعض الصحفيين ليسوا كذلك، وليسوا سوى  عملاء استخبارات، تتيح لهم مهنتهم الوصول إلى كل مكان، وما قصة رئيس الوزراء الروسي الأسبق، ورئيس تحرير (برافدا) الروسية السوفياتية، الذي كان أحد كبار ضباط ال كي جي بي، عنا ببعيدة،وكم من وسائل الاعلام  تدار بشكل كامل  من أجهزة الاستخبارات.

ولا بد هنا من ذكر عدة حوادث  جرت في الانتفاضة الأولى، فقد قام مراسل أحد الصحف بإبداء رغبته بإجراء سلسلة مقابلات صحفية مع عناصر الجناح العسكري لحركة فتح( الفهد الأسود)وتم بعدها اغتيالهم جميعا من قبل المخابرات الاسرائيلية؟!.

* المؤسسات الاغاثية الدولية، من المسلم به أن هذا الكم الهائل من المؤسسات الاغاثية الدولية التي تعمل في الأراضي الفلسطينية، وتنفق الملايين، لا تنفقها من أجل عيون الشعب الفلسطيني، فهذه المؤسسات الاغاثية تدخل إلى كل مكان، وتقابل الناس من أعلاهم إلى أدناهم، وتتلقى كل التسهيلات لكونها  مؤسسات ( إغاثة إنسانية) ولا بد من الانتباه إلى  السقطة اللسانية لوزير خارجية فرنسا، التي أعلن من خلالها، أن استخبارات بلاده تعلم كل ما يدور في قطاع غزة من خلال مؤسسات إغاثية فرنسية تعمل هناك، وهو ما نفته تلك المؤسسات بعد ذلك؟!.

كما أن هذه المؤسسات تجند الكثير من الناس من خلال حالة الجوع والفقر والعوز والرغبة بالدراسة والسفر وغيرها، وليست قصة الشاب الغزاوي الذي جندته الموساد- وهو لا يدري- من خلال مؤسسة إغاثية كندية وهمية عنا ببعيدة، فقد كان يأخذ رجال الموساد إلى كل مكان يريدونه في القطاع بلا أي حواجز؟!.

* المراكز الثقافية والمؤسسات الأكاديمية الدولية، تعتبر هذه المؤسسات من أخطر أساليب الاختراق، لكونها تبحث عن المثقفين الذين يمكن تجنيدهم وتعليمهم، حتى يصبحوا قادة مستقبليين للمجتمع الفلسطيني.

* أما أحد أهم الأخطار الذي تواجهها المقاومة الفلسطينية، فهو كثافة الوفود الطبية التي تأتي إلى غزة،و أعيد التأكيد هنا أن الغالبية العظمى من هؤلاء من ذوي النيات الحسنة التي ترغب بمساعدة الشعب الفلسطيني، ولكن ما أثار انتباهي، هو تسيير المستشفى الميداني العسكري لأحدى الدول الاقليمية إلى غزة، ولا بد هنا من التحذير بشكل جدي من هذا الموضوع، فهذه الدولة تعتبر من أعدى أعداء المقاومة الفلسطينية سياسياً وإعلامياً وأمنياً،كما أنه يحاربها من منطلقات عقدية، وليس من منطلقات منافسة على الحكم، كأجهزة استخبارات عربية والفلسطينية،  ولا بد من التذكير هنا، أن جهاز مخابرات هذا البلد يعتبر من أنشط أجهزة استخبارات في المنطقة في محاربة المقاومة الفلسطينية والعراقية واللبنانية، ويتم تدريب  الأجهزة الأمنية التي تحارب المقاومة في الضفة على يديه وتحت إشرافه، والأعمى لا يرى إنجازات هذه الأجهزة في محاربة المقاومة في الضفة الغربية.

وهنا لا بد من التذكير بمعركة الفلوجة العراقية الأولى، حيث هزمت المقاومة العراقية  القوات الأمريكية والعراقية على حد سواء، وردتهم خائبين مدحورين، ولكن بعدها أرسلت هذه الدولة مستشفى ميداني إلى الفلوجة تحديداً، وبعد سنة كانت كل أسرار الفلوجة بيد الأمريكان واستطاع الأمريكان اقتحامها .

فهذا الشكل من المحطات الاستخبارية، يعتبر من أسهل الأعمال الاستخبارية، وأكثرها سهولة في الوصول إلى المعلومة، فبالتأكيد، لهذا الجهاز عملاء على الأرض في غزة، مضافاً إليه قدرته على تنسيق أعمال عملاء المخابرات الاقليمية والمحلية والدولية الأخرى، وكله تحت غطاء العلاج، فيكفي أن يأتي أي مخبر إلى المستشفى بحجة العلاج، ليقدم معلومات أو ليأخذ تعليمات وتجهيزات، كما أن العلاج يقدم لمقاومين أصيبوا في المعارك ومعهم أهاليهم، وهؤلاء الضباط مؤهلون لاخذ المعلومات وخاصة من المريض الذي يتعلق هو وأهله بالطبيب( ملاك الرحمة) ولا أحد يعلم مدى وعي هؤلاء المرضى والمصابين وأهاليهم لخطورة ما يتحدثون عنه( للشقيق) الذي جاء ليساعدهم؟!.

المعركة لم تنته بعد، والجولات القادمة أشرس من الحالية، ومن اليوم بدأت جميع الأطراف المعادية للمقاومة الفلسطينية تشحذ سكاكينها للحرب القادمة، وأهم شيء في هذه المعركة هو المعلومات الاستخبارية، وأغلب الجهود التي تتم الآن تأتي في هذا السياق.

لا بد من التذكير، أن أغلب من يأتون هم من ذوي النوايا الحسنة، ولكن المقاومة الفلسطينية مطالبة بالانتباه لهؤلاء حسنهم وسيئهم،وكل من يرافقهم ويخالطهم من الفلسطينيين، فلا أخلاق ولا حواجز في عمل الاستخبارات، وأجهزة الاستخبارات في العالم تسلك كل الطرق لتحصل على ما تريد، وأعتقد أن المقاومة الفلسطينية رأت بأم عينها ما يمكن أن تصل له أجهزة الاستخبارات من أجل تحقيق أهدافها.