هو كل على مولاه!

هو كل على مولاه!

صلاح حميدة

[email protected]

لم تعش فلسطين تاريخيا في هدوء لفترة طويلة، وكانت دائماً ممراً للقوى والحضارات الجديدة، وجرت على أرضها الكثير من المعارك الفاصلة في التاريخ، رفعت دولاً وأزاحت أخرى، فالموقع الاستراتيجي لفلسطين جلب لها المتاعب، يضاف إلى ذلك موقع هذا البلد الديني عند اليهود والمسيحيين والمسلمين، ولكن عدم الاستقرار هذا صنع شعب غريب عجيب! شعب لا تهمه النوائب والمصائب، شعب لا يشببه شعب في العالم، شعب من الجبارين الذين أرهقوا كل قوى الاستعمار في العالم، هذه المنطقة من العالم قال رسول الله عليه الصلاة والسلام عنها، أن أهلها في رباط إلى يوم الدين، وهذا ما يعيشه الشعب الفلسطيني واقعاً لا قولاً، ويقع الامتحان على هذا الشعب على مدار الساعة، وهو ينجح بامتياز، فالشعب الفلسطيني أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه ينجح في الامتحان الرباني، ويثبت أنه جدير بما حمل من أمانة الرباط إلى يوم الدين.

في الجانب الآخر من الصورة، موجات متتابعة من الغزاة من كل أنحاء العالم يغزون هذه الأرض بدوافع كثيرة، تأتي القوى الكبرى ومعها موجات مؤلفة من المرتزقة من كل أنحاء العالم، كل هذه القوى تسعى لمنع قدر الله على هذه الأرض، تريد منع الأمة من القيام بمسؤولياتها التي كلفها الله بها، تريد منع نهضتها الحضارية، وتدرك هذه القوى أن هذه المنطقة من العالم هي المفتاح والقاعدة لهذا الانطلاق.

سعت قوى الاستعمار الدولي لاحتلال هذه الارض دوماً، واحتلتها، ولكن هذه القوى وصلت في النهاية الى نتيجة تفيد بأنها لا تستطيع البقاء في هذه الأرض لأنها لا تستطيع دفع فاتورة مقاومة هذا الشعب لها، ولذلك سعت لإقامة كيان استيطاني استعماري عنصري في هذه الأرض، وأمدته بكل أسباب الحياة، من الأموال والأسلحة والدعم السياسي والاعلامي،إضافة إلى موجات متتابعة من المرتزقة، لإمداده بالروافد البشرية.

قام هذا الكيان على العدوان والمجازر والقتل والتهجير، وتصرف مع أهل فلسطين ومحيطها بقسوة بالغة، مستفيداً من الدعم الذي يلاقيه من القوى الاستعمارية الكبرى في العالم، وتآمر بعض أنظمة النفاق العربية المحيطة، التي جعلها التقسيم الاستعماري رافداً وحامياً لهذا الكيان، لا محاربة له.

استطاع هذا الكيان أن يرسم لنفسه صورة الكيان الذي لا يقهر، من خلال حروب سينمائية خيضت ضد جيوش هذه الأنظمة العربية، والتي تمت بعد أن قامت هذه الأنظمة بتجريد الشعب الفلسطيني من السلاح، واستمر الوهم طويلاً بعد قيام هذه الأنظمة بحماية الاحتلال من أي هجوم للمقاومين وحاربت كل من استهدفه، وسعت جاهدة لتطويع المقاومين الفلسطينيين ليقبلوا بحقيقة وجود هذا الكيان، حتى أن الاعتراف بهذا الكيان أصبح مقدماً على أركان الايمان وأركان الاسلام عند هؤلاء، وهذا تجلى في السنوات الاخيرة بأكثر الصور وقاحةً وعمالة.

وقع الاختبار الحقيقي لهذا الكيان، فقد استطاع شعب الجبارين في شعب غزة، أن يبني اللبنة الأولى من المقاومة الحقيقية لمقاومة هذا الكيان المرتزق في فلسطين، وكانت هذه المقاومة كلما ضربت زادت قوة، مقاومة كلما حوصرت خرجت أكثر عنفواناً وثقةً بنصر الله.

قبل الحديث عن التجربة الأخيرة للمقاومة الفلسطينية،لا بد من لفت النظر إلى أن أول من كشف ضعف هذه القاعدة أمام أي حرب هو الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، فقد بين بما لا يدع مجالاً للشك أنه بالإمكان ضرب هذا الكيان في عمقه، وبالتالي كان هو من فتح الباب لقوى المقاومة في الأمة إلى قضية الصواريخ وأهميته في إضعاف الجبهة الداخلية لهذا الكيان، وإصابته في مقتل.

أول من استفاد من فتح الباب بالصواريخ العراقية، كان حزب الله اللبناني،فتجربة قاعدة المرتزقة هذه(إسرائيل) مع المقاومة الاسلامية في لبنان، أ ظهرت علامات العجز والهزيمة لهذا الكيان أمام أي مقاومة حقيقية له،وبينت هشاشة بنية هذا الكيان، وأنه ليس إلا نمر من ورق، لا يملك إلا التدمير عن بعد، بما أخذ من أدوات من أسياده في الدول الاستعمارية الكبرى، وأظهرت معاركه منذ أيام صدام حسين، وحتى تجربته الأخيرة في قطاع غزة، أنه ليس قادراً على القيام بالدور المنوط به من أسياده، وأن هؤلاء المرتزقة الذين جيء بهم من كل العالم، أصبحوا يهربون بهجرة معاكسة من هذه القاعدة، لأنهم كانوا يأتون لرغد العيش، ولكن عندما أصبح الثمن المطلوب منهم هو حياتهم، فروا من الميدان، وأصبحوا يهزمون في كل معركة يخوضونها نيابة عن أسيادهم في دول الاستعمار، ووقع عليهم قول الله تعالى، بأنهم كالعبد الذي أينما يوجهه مولاه المستعمر الغربي( لا يأت بخير)وهو بالتالي عبىء على هذه القوى( كل على مولاه) يهزم في كل المعارك مع الرجال الحقيقيين(أينما توجهه لا يأت بخير).

هذا التراجع الكبير لهؤلاء المرتزقة أمام القوى الحقيقية في الأمة، نتج عنه ظاهرتين، ينبئان بقرب نهاية الكيان الصهيوني، وبقرب المعركة الفاصلة معه ومع القوى التي تدعمه:-

1- ظهر التحالف بين هذا الكيان والأنظمة العربية - التي نشأت هي أيضاً بقرار استعماري - ظهر جلياً لأن هذه الانظمة تعلم أن القوى الحية في الأمة تمثل خطراً داهماً عليها، كما هي خطر على هذا الكيان، كما هي خطرة أيضاً على من يدعمهما من قوى الاستعمار الدولي.

2- هذا العجز الكبير من هذا الكيان وأنظمة النفاق العربية، دفع قوى الاستعمار الدولي إلى العودة بجيوشها للتدخل مباشرة في المنطقة، فقد فشلت أدواتها في تطويع واستئصال قوى المقاومة، ولذلك عادت هذه القوى براً وبحراً وجواً في محاولات يائسة لمنع القدر.

هذه العودة العسكرية الغربية لمياه وبر وجو المنطقة، أظهرت عدم قدرة الكيانات المصطنعة حتى على حماية نفسها، فضلاً عن القيام بالدور المنوط بها، وأصبحت عبئاً على أسيادها،ولكن في نفس الوقت، هذه العودة الأوروبية خصوصاً، أعادت إلى الواجهة قضية رئيسية غائبة عن الكثيرين في المنطقة وخارجها، وهي أن العودة العسكرية لهذه القوى بشكل فاضح في المنطقة، بعد أن كانت تدير الحروب والحصار من خلف الستارة، وضعت هذه القوى أمام استحقاق دفع ثمن عدوانها على شعوب المنطقة في البر والبحر والجو، وفتحت كل الاحتمالات، ولذلك تعتبر الأيام القادمة أيام حاسمة في الصراع، تتسابق الساعات والأيام حتى تصل إلى يوم الفصل، يوم يفرح المؤمنون بنصر الله.

يسألونك متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا.