عدالة ساركوزي
عدالة ساركوزي
العدالة الفرنسية التي تجرعنا مرارتها
منذ لويس التاسع
فيصل الشيخ محمد
طلع علينا الرئيس الفرنسي ساركوزي بإصداره أوامر لتحريك بعض سفن أسطوله الحربي في البحر المتوسط، لتحط رحالها في قبالة شواطئ غزة لمراقبة ذلك الساحل، لمنع تهريب الأسلحة إلى المقاومة في غزة، لأنها تشكل خطراً على أمن إسرائيل والسلام في منطقة الشرق الأوسط.
العدالة الفرنسية التي تجرعنا مرارتها منذ أيام لويس التاسع ملك فرنسا، الذي قاد حملة صليبية عام 1249م، بهدف تحرير بيت المقدس من أيدي سلاطين مصر، وحط رحاله في دمياط التي ارتكب فيها مجزرة بشعة بحق أهلها لأنهم رفضوا الاستسلام ، وأذاقوا جنوده الموت الزؤام وصمدوا صمود الأبطال ولم يرفعوا الراية البيضاء أو يستقبلوه بالورود والزهور والرياحين!!
وكانت النتيجة أن هذا الملك المغرور هُزم ثم أُسر في أول مجابهة له مع الجيش المصري في المنصورة عام 1250م.
ولم تعتبر فرنسا بما حل بمليكها لويس التاسع، فقاد المغامر الفرنسي نابليون بونابرت حملة إلى مصر عام 1798، بهدف جعل مصر قاعدة إستراتيجية تكون نواة للإمبراطورية الفرنسية التي يحلم بها في الشرق.
ولكن بونابرت – رغم ما ارتكبه من مجازر – رحل عن مصر كسيراً بعد أن تمكن فدائي أزهري سوري هو (سليمان الحلبي) من قتل قائد جيوشه (كليبر) الذي أوكل إليه قيادة الحملة، ليرحل عن مصر يجر أثواب الهزيمة والإخفاق، منكفئاً إلى بلاده عام 1801.
أيضاً كان التاريخ يعيد نفسه.. ففي عام 1956 تواطأ نائب رئيس وزراء فرنسا (جي موليه) مع إسرائيل وبريطانيا في شن عدوان غاشم على مصر، فلم يحصد إلا الهزيمة والخيبة، وأجبر على الانسحاب بعد أن دمر الفدائي السوري (جول جمّال) المدمرة العملاقة الفرنسية (جان دارك) فخر الأسطول الحربي الفرنسي.
ومرت فرنسا _ إلى حد ما _ بمواقف قريبة من الاعتدال في عهد الجنرال (ديغول) الذي عمل جاداً لتكون فرنسا بلداً متوازناً في علاقاته مع دول الشرق الأوسط، وكان هذا شأن الرئيس (جاك شيراك) خلال فترة رئاسته لفرنسا.
وجاء ساركوزي ليقلب المعادلة ويجدد حلم نابليون بإنشاء إمبراطورية فرنسية تكون اللاعب البديل للولايات المتحدة، التي أقحمها المغامر المتصهين جورج بوش في حروب عدوانية أتت على هيبة أمريكا وجففت خزائن أموالها وحصدت الحقد والكراهية من كل شعوب العالم.
ساركوزي في زياراته المكوكية لمصر وبلدان الشرق الأوسط لم يكن ير إلا صواريخ المقاومة الفلسطينية البدائية التي كانت تسقط على بعض المستوطنات الصهيونية وتزرع الهلع والرعب بين سكانها.. وراح يلهث لوقف إطلاق هذه الصواريخ والألم يعتصر قلبه الحنون على حفنة من المستوطنين أصيبوا بالهلع والانهيار العصبي والنفسي.. ولم ير ما فعلته الصواريخ والقذائف والحمم والقنابل التي كانت تسقط بآلاف الأطنان من المواد شديدة الانفجار فوق غزة من الجو والبحر والبر، ناشرة سموم فسفورية وغازات كيميائية فتاكة وشظايا ملتهبة، أدت إلى قتل ما يزيد على 1500 فلسطيني نصفهم من الأطفال والنساء وكبار السن وجرح ما يزيد على خمسة آلاف آخرين، وتدمر المساجد والمدارس ومعاهد العلم والمستشفيات والبيوت والمؤسسات والأسواق على رؤوس من بداخلها، دون التفريق بين العلم الذي يرفع على ساريتها إن كان تابعاً للهلال الأحمر أو الصليب الأحمر أو منظمة الأمم المتحدة.
ساركوزي شغله حبه للصهيونيين عن قراءة التاريخ على ما يبدو..ولم يسمع بما حل بمليكه لويس التاسع، ولا ببطله القومي المغامر نابليون بونابرت، ولا بقدوته السياسي جي موليه!!
ونحن هنا ننصح ساركوزي قبل أن يذهب في مشواره إلى آخر الطريق وهو معصوب العينين أن لا يتسرع بقراراته الخاطئة المنحازة للجلاد دون الضحية.. وإلى المعتدي دون المعتدى عليه.. وأن لا تغره القبلات التي يتبادلها مع بعض القادة العرب.. فكل ذلك غثاء كغثاء السيل.. وزبد كزبد البحر، فالعدالة تقتضي _ إن كان حقيقة يبحث عنها _ أن يعمل بصفته رئيساً لأهم دولة في الاتحاد الأوروبي مع باقي دول مجموعته صاحبة اليد الشريرة التي زرعت الكيان الصهيوني في فلسطين وهجرت أهلها مشردين في بقاع الأرض قبل أكثر من ستين عاما، ليكفروا عن جريمتهم النكراء تلك بإحقاق الحق في هذه المنطقة التي هي صمام الأمان للعالم أو فتيل تفجيره، والعمل دون انحياز أو الكيل بمكاييل متباينة لإنصاف الشعب الفلسطيني من محتلي أرضه، ومساعدته ليعيش كما تعيش كل شعوب الأرض في وطنه وإقامة دولته الحرة المستقلة، واختيار نظام الحكم الذي يريد دون الوصاية من أحد أو التدخل من أحد.. فهو شعب متمدن ومتحضر، يعرف أين تكمن مصلحته وكيف تتحقق أحلامه إذا أتيحت له الفرصة!!