قمة ولا كل القمم..!
فيصل الشيخ محمد
عقب هزيمة حزيران عام 1967 عقد العرب قمتهم في الخرطوم وخرجوا بلاءات ثلاث – رغم الهزيمة المرة والمؤلمة – تقول:
(لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف بإسرائيل).
اليوم خرجت علينا قمة الكويت، والعالم من أقصاه إلى أقصاه لا حديث له إلا عن غزة والقضية الفلسطينية، وقد صمدت المقاومة الفلسطينية الباسلة اثنان وعشرون يوماً في وجه آلة الحرب الجهنمية الصهيونية، وقدموا وقوداً لها ما يزيد على خمسمائة شهيد وشهيدة وأكثر من خمسة آلاف جريح وجريحة وتهديم مدن كاملة على رؤوس أصحابها وساكنيها والمحتمين بها.
أقول خرجت علينا هذه القمة – رغم هدير الإعداد لها والتطنيب – كحال جعجعة الرحى بلا طحين.. نعم خرجت علينا هذه القمة بممانعيها ومعتدليها بأقل من فأر هزيل لا يسد رمق هر هدّه الجوع واعتراه الهزال.
لعلَّ قمة الكويت هي الأسوأ في تاريخ القمم العربية منذ قمة بيروت عام 1956.. فهي لم تذكر المقاومة الفلسطينية الباسلة التي خاضت ملحمة بطولية لم يشهد التاريخ الحديث لها مثيلاً باعتراف الأعداء قبل الأصدقاء، وقهرت الجيش الذي لا يقهر ومرغت أنف قادته في وحل الهزيمة والانكسار، وقد هَزَمَ هذا الجيش قبل اثنين وأربعين عاماً ثلاثة جيوش عربية.. لم تذكر القمة هذه المقاومة البطلة لا تصريحاً ولا تلميحاً لا في جلساتها العلنية أو السرية، واستكثرت عليها في بيانها الختامي كلمة شكر أو امتنان.
كل هذا الصمود وكل هذا الشموخ وكل هذه الدماء وكل هذا الخراب لم يستحق من قمة الكويت إلا كسرة خبز وحفنة طحين وقليل من الأدوية والمستلزمات الطبية.. وكأن أهل غزة متسولون على موائد أهل الممانعة والاعتدال، الذين راحوا يتعانقون ويطبعون على وجناتهم قبل الندم والتأسف لكل ما صاغوه من عبارات الشجب والتنديد التي أجادوها لأكثر من عشرين يوماً عبر إعلامهم من هنا وهناك.. وما تبادلوه من عبارات وأدبيات وثقافة الممانعة والاعتدال، التي صكوا بها آذان العرب والعالم بها.. وجعلوا الشارع العربي والشارع العالمي المتعاطف في حيرة.. من يصدق؟! وإلى إعلام من يستمع؟!
لقد كان في مقابل الصمود والانتصار تخاذل ما بعده تخاذل، سواء من أهل الممانعة أو من أهل الاعتدال.. وكان الأجدر استثمار هذا الصمود وهذا الانتصار والخروج بقررات قوية تتماهى مع الدماء التي سفكت من أجساد أهل غزة، والخراب والدمار الذي لحق بمدن غزة وقراها.
نعم إن حال العرب لا يسر صديق ولا يغيظ عدو وهو – كما يبدو – حال ميئوس منه، ولا أمل يرتجى لا من أهل الممانعة ولا من أهل الاعتدال فالكل منهم يجيد الرقص على طريقته الخاصة.